خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/456"> الشيخ خالد الراشد . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/456?sub=24559"> خطب ومحاضرات عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
أحوال العابدين
الحلقة مفرغة
معاشر الأحبة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
طبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلاً، أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجمعني وإياكم في دار كرامته إخواناً على سرر متقابلين، وأسأله سبحانه أن يحفظني وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين.
عنوان هذا اللقاء المبارك: أحوال العابدين.
وسيتكون اللقاء من هذه النقاط:
أولها: سبب الاختيار للموضوع، ثم أولياء لرب العالمين، ثم سيد العابدين، ثم من أحوال العابدين، ثم أين نحن من هؤلاء، ثم خبر عابد صغير، وأخيراً اغتنم شبابك.
وأحب قبل أن أنطلق أن أبين للأخوات أني لم أتطرق في الموضوع إلى أحوال العابدات، والسبب أني سأخص هذا بموضوع منفرد لحاجة النساء إلى مثل هذا.
أسأل الله أن ينفع السامع والمتكلم بما نسمع وبما نقول.
إن سبب اختيار هذه الأحوال والأخبار ما نراه من قسوة في القلوب وهجر للقرآن، فلا يعرف ختم القرآن إلا من رمضان إلى رمضان.
قال الله: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان:30].
ومن الأسباب أيضاً: ما نراه من تفريط بالنوافل، بل بالفرائض، فالصلاة أصبحت مجرد حركات، من قيام وقعود بلا أثر، وكذلك ما نراه من تخلف عن تكبيرة الإحرام ورضا بالصفوف الأخيرة.
اعلم أنه من عزم ثابر، ومن أراد إدراك المفاخر لم يرض بالصف الآخر.
ومن الأسباب أيضاً: ما نراه من تكاسل عن الجمعة والجماعات، وشح في البذل والصدقات، كأن لم يكن الله قد اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنات.
إن حاجتنا للعبادة كحاجة الأرض للمطر، فلا تحيا القلوب إلا بذكر علام الغيوب، فنحن في أمس الحاجة إلى تقوية الصلة بالله؛ حتى نكون من أوليائه الذين قال عنهم: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، وهل تنتصر الأمة إلا بأوليائها والعباد والزهاد الصادقين، قال سبحانه: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ [غافر:51].
بالصادقين والمخلصين الذين يدعون ويتضرعون تنتصر الأمة، عن علي رضي الله عنه قال: (ما كان فينا فارس يوم بدر غير
بالعباد الأولياء وبرهبان الليل وفرسان النهار تنتصر الأمة، لذا فإن حاجتنا اليوم لتقوية الصلة بالعبادة أشد من حاجتهم، فأهل العصور الماضية كانوا يعيشون في محيط إسلامي تسوده الفضائل ويسوده التواصي بالحق، أما اليوم فغفلة وقسوة في القلوب، وانشغال بتوافه الأمور.
نذكر أخبارهم تحفيزاً للنفوس، وتشجيعاً للسير على طريقهم، فهم أولياء رب العالمين، قال الله عنهم: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]. الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، فماذا لهم بإيمانهم وتقواهم؟ قال سبحانه: لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [يونس:64]، صدقوا إيمانهم بتقواهم، وذلك بامتثال الأوامر واجتناب النواهي.
فكل من كان مؤمناً تقياً كان لله تعالى ولياً؛ لذلك كانت لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، أما في الدنيا فالثناء الحسن، والمودة في القلوب، والرؤية الصالحة، وما يراه العبد من لطف الله به، وتيسيره لأحسن الأعمال والأخلاق، وصرف سيِّئها عنه، أما في الآخرة فبشارة عند قبض أرواحهم، قال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ [فصلت:30-31]، ثم تثبيت لهم في قبورهم قال سبحانه: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27]، ثم تمام البشرى بدخول جنات النعيم والنجاة من العذاب الأليم.
هم أولئك الذين إذا رءوا ذكر الله عز وجل، هم أولئك الذين تنبعث من وجوههم أنوار الطاعة، هم أولئك الذين قال الله عنهم كما في الحديث القدسي: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)، هم أولئك الذي يثبت الناس برؤياهم وكلامهم.
حكى ابن القيم عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: يعلم الله ما رأيت أحداً أطيب عيشاً منه قط، مع ما كان فيه من ضيق العيش، وخلاف الرفاهية والنعيم، وما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاب، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشاً، وأشرحهم صدراً، وأقواهم قلباً، وأسرهم نفساً، تلوح نضرة النعيم على وجهه، وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت بنا الظنون، وضاقت بنا الأرض أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه؛ فيذهب ذلك كله عنا، وينقلب انشراحاً وقوة ويقيناً وطمأنينة.
قال الله: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24]، بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.
وإليك طرفاً من أخبار الأولياء والعابدين:
قال البخاري : ما اغتبت مسلماً منذ احتلمت.
وقال الشافعي : ما حلفت بالله صادقاً ولا كاذباً، ولو أعلم أن الماء يفسد علي مروءتي ما شربته.
وقيل لـمحمد بن واسع : لم لا تتكئ؟ قال: إنما يتكئ الآمن، وأنا لا زلت خائفاً.
وقُرئَ على عبد الله بن وهب : وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ [غافر:47]، فسقط مغشياً عليه.
وحج مسروق فما نام إلا ساجداً.
وعن جعفر بن سليمان قال: بكى ثابت البناني حتى كادت تثقب عيناه؛ فجاء رجل يعالجها فقال الطبيب: أعالجك على أن تطيعني، قال ثابت : على أي شيء أطيعك؟ قال: على ألا تبكي، قال: فما خيرهما إن لم تبكيا؟ أما قال الله: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا [مريم:58]، أما قال عن أوليائه: وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا [الإسراء:109].
سهر العيون لغير وجهك باطل
وبكاؤهن لغير فقدك ضائع
عن سلام بن مطيع قال: جيء للحسن بكوز من ماء؛ ليفطر عليه وكان صائماً، فلما أدناه إلى فيه بكى، فقيل: ما أبكاك؟ قال: ذكرت أمنية أهل النار في قوله جل في علاه: وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ [الأعراف:50]، ثم ذكرت الجواب: قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ [الأعراف:50].
دخلت امرأة على أهل الأوزاعي ، فنظرت فوجدت بللاً في موضع سجود الأوزاعي ، فقالت لزوجته: ثكلتك أمك، أراك غفلت عن الصبيان حتى بالوا في مسجد الشيخ، فقالت زوجة الأوزاعي : ويحك أمة الله، هذا أثر دموعه في مسجده، وليس من بول الصبيان.
لله درهم، أما قال الله عنهم: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54].
لسان حالهم:
والله ما طلعت شمس ولا غربت إلا وحبك مقرون بأنفاسي
ولا جلست إلى قوم أحدثهم إلا وأنت حديثي بين جلاسي
كان يزدجرد ملك الفرس قد أرسل يستنجد بملك الصين، وذكر له المسلمين ومن أوصافهم فقال:
لا ينامون بالليل، ولا يأكلون بالنهار، شعث رءوسهم، بالية ثيابهم.
فأجابه ملك الصين: إنه يمكنني أن أبعث إليك جيشاً أوله في منابت الزيتون يعني: في الشام، وآخره في الصين.
ولكن إن كان هؤلاء القوم كما تقول، فإنه لا يقوم لهم أهل الأرض، فأرى لك أن تصالحهم، وتعيش في ظلهم، وتأمن في عدلهم.
ملكنا هذه الدنيا قرونا وأخضعها جدود خالدونا
وسطرنا صحائف من ضياء فما نسي الزمان ولا نسينا
وكنا حين يأخذنا ولي بطغيان ندوس له الجبينا
وما فتئ الزمان يدور حتى مضى بالمجد قوم آخرونا
وأصبح لا يرى في الركب قومي وقد عاشوا أئمته سنينا
وآلمني وآلم كل حر سؤال الدهر أين المسلمونا
قال الحافظ ابن حجر : المراد بولي الله المواظب على طاعته، المخلص في عبادته، ومن أعظم ما يتبين به الولي أن يكون مجاب الدعوة، راضياً عن الله في كل حال، قائماً بالفرائض، مجتهداً بالنوافل، تاركاً للنواهي، له هدف غير أهداف الناس الدنيوية، غير حريص على الدنيا وما فيها، إذا وصل إليه القليل صبر، وإذا وصل إليه الكثير شكر، يستوي عنده المدح والذم، والفقر والغنى، غير معتد بما منَّ الله عليه من خصال الولاية، كلما زاده الله رفعة ازداد تواضعاً وخشوعاً.
من صفاته: حسن الأخلاق، كريم الصحبة، كثير الحلم، كثير الصبر والاحتمال، فمن اتصف بهذه الصفات فليس ببعيد أن تظهر على يديه الكرامات؛ لأن الله تعالى قال عنه كما في الحديث القدسي: (ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه).
خشوعه صلى الله عليه وسلم في الصلاة
فلقد كان صلى الله عليه وسلم سيد المجاهدين والعابدين والصابرين والصائمين، كان أعلى الناس توكلاً، وأوفر الناس نصيباً من الرضا والحمد والدعاء والشكر والتبتل، وأعلى الناس يقيناً.
كان أشجع الناس، وأرحم الناس، وأشد الناس حياء.
كان أحسن الناس خلقاً ومروءة وتواضعاً، وأكثر الناس مراقبة لربه، وأعلى الناس خشوعاً، وأشد الناس عبادة، وكان أطول الناس صلاة.
عن حذيفة : (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فكان يقول في صلاته: الله أكبر -ثلاثاً- ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة، ثم استفتح فقرأ البقرة، ثم ركع فكان ركوعه نحواً من قيامه، ثم رفع رأسه فكان قيامه نحواً من ركوعه، ثم سجد فكان سجوده نحواً من قيامه، ثم رفع رأسه من السجود فكان يقعد فيما بين السجدتين نحواً من سجوده، في أربع ركعات، قرأ البقرة، والنساء، وآل عمران، والمائدة أو الأنعام)، شك الراوي في ذلك.
يقول أبو هالة في وصفه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان دائم الفكر ليست له راحة).
وتقول عائشة رضي الله عنها: (قام صلى الله عليه وسلم ليلة بآية يرددها حتى الفجر وهو يبكي: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118]) أقول: ردد وكرر هذه الآية، ثم انظر إلى الأثر في قلبك رعاك الله.
يقول عبد الله بن الشخير : (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء).
قال له ربه: قُمْ فَأَنذِرْ [المدثر:2]، فانطلق يبلغ دعوة الله.
وقال له ربه: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا [المزمل:2]، فقام حتى تفطرت قدماه.
قال لـعائشة ليلة: (دعيني أتعبد لربي، تقول: فقام يصلي، وجعل يبكي حتى بل لحيته، ولا يزال يبكي حتى بل الثرى تحته، فجاءه فقال صلوات ربي وسلامه عليه: كيف لا أبكي يا بلال !.. أفلا أكون عبداً شكوراً؟! لقد تنزلت علي الليلة آيات، ويل لمن قرأها ولم يتدبرها، ثم تلا قوله جل في علاه: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران:190-194]
إنها آيات تصور العابدين في ليلهم ونهارهم وفي جميع أحوالهم تصور خوفهم ورجاءهم وتذكرهم ودعاءهم.
لما علمت بأن قلبي فارغ
مما سواك ملأته بهواكا
وملأت كلي منك حتى لم أدع
مني مكاناً خالياً لسواكا
فالقلب فيك هيامه وغرامه
والروح لا تنفك عن ذكراكا
والسمع لا يصغي إلى متكلم
إلا إذا ما حدثوا بعلاكا
والطرف حيث أجي له متلفتاً
في كل شيء يشتهي معناكا
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك، وحب عمل يقربنا إلى حبك يا رب العالمين.
حرصه صلى الله عليه وسلم على صلاة الجماعة
روى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً من جهينة فقاتلوا قتالاً شديداً، فلما صلينا الظهر، قال المشركون: لو ملنا عليهم ميلة واحدة لاقتطعناهم، فأخبر جبريلُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بذلك؛ فذكر ذلك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لقد قالوا: إنهم ستأتيهم صلاة هي أحب إليهم من أولادهم، فلما حضرت صلاة العصر، قال: قمنا صفين، والمشركون بيننا وبين القبلة، قال: فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرنا، وركع وركعنا، ثم سجد وسجد معه الصف الأول، فلما قاموا سجد الصف الثاني، ثم تأخر الصف الأول، وتقدم الصف الثاني فقاموا مقام الأول فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرنا، وركع وركعنا، ثم سجد وسجد معه الصف الأول، وقام الثاني، فلما سجد الصف الثاني جلسوا جميعاً، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم بهم جميعاً).
الله أكبر! المقام مقام حرب وخوف وقتال شديد، ومع هذا ما تأخر محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وما تكاسلوا وما تهاونوا في صلاة الجماعة، ولقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف في أيام مختلفة، وعلى أشكال متباينة، كل هذا الحرص؛ ليربي العباد على المحافظة على الصلوات في كل الظروف والأحوال.
وروى البخاري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبه قال: (دخلت على
الله أكبر! كم كان صلوات ربي وسلامه عليه حريصاً على صلاة الجماعة، يشتد مرضه فيغتسل، ثم يغمى عليه فيفيق فيغتسل ثم ثانية وثالثة، كل ذلك لعله يكتسب خفة ونشاطاً يمكنه بفضل الله تعالى من حضور صلاة الجماعة، فكيف كانت الخفة؟ وكيف كان خروجه للناس؟
اسمع رعاك الله! روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: (فوجد النبي صلى الله عليه وسلم خفة، فخرج يهادى بين الرجلين، كأني أنظر إلى رجليه تخطان من الوجع).
سبحان الله! لم يكن يتمكن من المشي إلا اعتماداً على رجلين، ولم يكن يقدر على تمكين رجليه على الأرض لشدة ضعفه، ومع هذا خرج لصلاة الجماعة في المسجد؛ ليبين للناس أن العابدين لا يتخلفون عن الصلوات في المساجد، خرج ليبين أن العابدين لا يكونون إلا في المساجد والمحاريب.
إليك رعاك الله موجزاً مختصراً عن سيد الأولياء والعابدين محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، صلوات ربي وسلامه عليه، فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأوابين العابدين المتبتلين، لم تتغلب نفسه على أهداف حياته العظمى قيد شعرة، ولم يخلف موعده مع الله في عبادة ولا جهاد، لله در أمهات المؤمنين حين يصفن علو همته صلى الله عليه وسلم للصحابة، تقول إحداهن: (وأيكم يطيق ما كان يطيق) وتقول الأخرى: (ما لكم وصلاته صلى الله عليه وسلم) همة عالية في كل مقامات الدين.
فلقد كان صلى الله عليه وسلم سيد المجاهدين والعابدين والصابرين والصائمين، كان أعلى الناس توكلاً، وأوفر الناس نصيباً من الرضا والحمد والدعاء والشكر والتبتل، وأعلى الناس يقيناً.
كان أشجع الناس، وأرحم الناس، وأشد الناس حياء.
كان أحسن الناس خلقاً ومروءة وتواضعاً، وأكثر الناس مراقبة لربه، وأعلى الناس خشوعاً، وأشد الناس عبادة، وكان أطول الناس صلاة.
عن حذيفة : (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فكان يقول في صلاته: الله أكبر -ثلاثاً- ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة، ثم استفتح فقرأ البقرة، ثم ركع فكان ركوعه نحواً من قيامه، ثم رفع رأسه فكان قيامه نحواً من ركوعه، ثم سجد فكان سجوده نحواً من قيامه، ثم رفع رأسه من السجود فكان يقعد فيما بين السجدتين نحواً من سجوده، في أربع ركعات، قرأ البقرة، والنساء، وآل عمران، والمائدة أو الأنعام)، شك الراوي في ذلك.
يقول أبو هالة في وصفه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان دائم الفكر ليست له راحة).
وتقول عائشة رضي الله عنها: (قام صلى الله عليه وسلم ليلة بآية يرددها حتى الفجر وهو يبكي: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118]) أقول: ردد وكرر هذه الآية، ثم انظر إلى الأثر في قلبك رعاك الله.
يقول عبد الله بن الشخير : (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء).
قال له ربه: قُمْ فَأَنذِرْ [المدثر:2]، فانطلق يبلغ دعوة الله.
وقال له ربه: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا [المزمل:2]، فقام حتى تفطرت قدماه.
قال لـعائشة ليلة: (دعيني أتعبد لربي، تقول: فقام يصلي، وجعل يبكي حتى بل لحيته، ولا يزال يبكي حتى بل الثرى تحته، فجاءه فقال صلوات ربي وسلامه عليه: كيف لا أبكي يا بلال !.. أفلا أكون عبداً شكوراً؟! لقد تنزلت علي الليلة آيات، ويل لمن قرأها ولم يتدبرها، ثم تلا قوله جل في علاه: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران:190-194]
إنها آيات تصور العابدين في ليلهم ونهارهم وفي جميع أحوالهم تصور خوفهم ورجاءهم وتذكرهم ودعاءهم.
لما علمت بأن قلبي فارغ
مما سواك ملأته بهواكا
وملأت كلي منك حتى لم أدع
مني مكاناً خالياً لسواكا
فالقلب فيك هيامه وغرامه
والروح لا تنفك عن ذكراكا
والسمع لا يصغي إلى متكلم
إلا إذا ما حدثوا بعلاكا
والطرف حيث أجي له متلفتاً
في كل شيء يشتهي معناكا
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك، وحب عمل يقربنا إلى حبك يا رب العالمين.
كان سيد العابدين صلوات ربي وسلامه عليه حريصاً على صلاة الجماعة حتى في أشد الأحوال وأصعبها، فقد
روى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً من جهينة فقاتلوا قتالاً شديداً، فلما صلينا الظهر، قال المشركون: لو ملنا عليهم ميلة واحدة لاقتطعناهم، فأخبر جبريلُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بذلك؛ فذكر ذلك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لقد قالوا: إنهم ستأتيهم صلاة هي أحب إليهم من أولادهم، فلما حضرت صلاة العصر، قال: قمنا صفين، والمشركون بيننا وبين القبلة، قال: فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرنا، وركع وركعنا، ثم سجد وسجد معه الصف الأول، فلما قاموا سجد الصف الثاني، ثم تأخر الصف الأول، وتقدم الصف الثاني فقاموا مقام الأول فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرنا، وركع وركعنا، ثم سجد وسجد معه الصف الأول، وقام الثاني، فلما سجد الصف الثاني جلسوا جميعاً، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم بهم جميعاً).
الله أكبر! المقام مقام حرب وخوف وقتال شديد، ومع هذا ما تأخر محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وما تكاسلوا وما تهاونوا في صلاة الجماعة، ولقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف في أيام مختلفة، وعلى أشكال متباينة، كل هذا الحرص؛ ليربي العباد على المحافظة على الصلوات في كل الظروف والأحوال.
وروى البخاري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبه قال: (دخلت على
الله أكبر! كم كان صلوات ربي وسلامه عليه حريصاً على صلاة الجماعة، يشتد مرضه فيغتسل، ثم يغمى عليه فيفيق فيغتسل ثم ثانية وثالثة، كل ذلك لعله يكتسب خفة ونشاطاً يمكنه بفضل الله تعالى من حضور صلاة الجماعة، فكيف كانت الخفة؟ وكيف كان خروجه للناس؟
اسمع رعاك الله! روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: (فوجد النبي صلى الله عليه وسلم خفة، فخرج يهادى بين الرجلين، كأني أنظر إلى رجليه تخطان من الوجع).
سبحان الله! لم يكن يتمكن من المشي إلا اعتماداً على رجلين، ولم يكن يقدر على تمكين رجليه على الأرض لشدة ضعفه، ومع هذا خرج لصلاة الجماعة في المسجد؛ ليبين للناس أن العابدين لا يتخلفون عن الصلوات في المساجد، خرج ليبين أن العابدين لا يكونون إلا في المساجد والمحاريب.
التعلق بالمساجد
أعيد وأكرر: وهل تنتصر الأمة إلا بالعباد والزهاد؟ فهيا معاً نسمع أحوال العابدين الذين جعلوا محمداً صلى الله عليه وسلم أسوة وقدوة لهم، من أحوال العابدين:
إنهم كالعملة النادرة
ومعنى الحديث: أن المرضي الأحوال من الناس، الكامل الأوصاف، الحسن المنظر، القوي على الأحمال والأسفار، قليل جداً، كقلة الراحلة في الإبل، ولذا عمت المصيبة بفقدهم وعمت الرزية بموتهم.
لعمرك ما الرزية فقد مال ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد حر يموت بموته بشر كثير
فالرجل من أولئك بألف، قال أبو بكر رضي الله عنه: ( صوت القعقاع في الجيش خير من ألف رجل ).
ولما طلب عمرو بن العاص رضي الله عنه المدد من أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لفتح مصر كتب إليه عمر رضي الله عنه:
أما بعد:
فإني أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف رجل منهم مقام الألف، الزبير بن العوام والمقداد بن عمرو وعبادة بن الصامت ومسلمة بن مخلد .
وهل تنتصر الأمة على أعدائها إلا بأمثال هؤلاء؟! (قال الأصمعي : لما صاف قتيبة بن مسلم الترك -وهذا هو أمرهم- سأل عن محمد بن واسع فقيل: هو معك في الميمنة، جانح على قوسه يبصبص بأصبعه نحو السماء قال: تلك الأصبع أحب إلي من مائة ألف سيف شهير وشاب طرير.
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع
إنهم أهل للمحافظة على الفرائض
فلما سمع القوم منادي المحب يناديهم؛ انطلقوا خفافاً إليه، وعلموا أن أفضل القربات هي الصلوات، قال صلى الله عليه وسلم: (استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة). كيف لا وهي عماد الدين، وعصام اليقين، ورأس القربات، وهي المعين للعبادة، التي تفتح القلب وتوثق الصلة بالله.
ولقد بدأ الله صفات المؤمنين بالصلاة وختمها بالصلاة؛ لعظيم مكانها في بناء الإيمان، وهي أكمل صورة من صور العبادة، قال صلى الله عليه وسلم: (الصلاة خير موضوع، فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر)، حسنه الألباني رحمه الله.
وقال سيد العابدين صلوات ربي وسلامه عليه: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)، رواه مسلم .
وقال بأبي هو وأمي: (من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين)، حسنه الألباني رحمه الله.
أما يكفيك قوله صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم إذا قام يصلي إنما يناجي ربه، فلينظر كيف يناجيه)، صححه الألباني رحمه الله.
علم العباد قدر الصلاة وأنها ميدان سباق، فانطلقوا يتسابقون ولسان حالهم:
من فاته منك وقت حظه الندم ومن تكن همه تسمو به الهمم
إن أي استقامة لا تنطلق من المسجد والمحراب لا خير فيها، إن سجود المحراب واستغفار الأسحار ودموع المناجاة هي من أهم صفات العابدين، ولئن ظن أهل الدنيا أن جنتهم في الدينار والنساء والقصر المنيع، فإن جنة العابدين في محرابهم في صلواتهم لربهم، أما سمعت قول الله ليحيى عليه السلام: فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ [آل عمران:39]، إن صلوات العباد في المحاريب تربية لهم وتيجان على رءوسهم أغلى من التيجان على رءوس الملوك.
أعيد وأكرر: وهل تنتصر الأمة إلا بالعباد والزهاد؟ فهيا معاً نسمع أحوال العابدين الذين جعلوا محمداً صلى الله عليه وسلم أسوة وقدوة لهم، من أحوال العابدين: