خطب ومحاضرات
قصة بطل
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
معاشر الأحبة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله وبياكم، وسدد على طريق الحق خطاي وخطاكم، وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجمعني وإياكم في دار كرامته كما قال: إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47]، وأسأله سبحانه أن يفرج هم المهمومين، ويكشف كرب المكروبين، وأن يقضي الدين عن المدينين، وأن يدل الحيارى ويهدي الضالين، ويغفر للأحياء وللميتين.
نحن وإياكم في محاضرة بعنوان: قصة بطل، لأن حاجتنا للأبطال في هذه الأيام ماسة، فقد كثر الأبطال بالأقوال، وقل الأبطال بالأفعال.
فنحن بحاجة إلى رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب:23]، نحن بحاجة إلى أولئك الذين يعيشون لهدف وغاية هي: أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن تكون كلمة الذين كفروا السفلى، أولئك الأبطال الذين ضحوا بكل غال ونفيس، أولئك الذين على أيديهم تتحقق البطولات، وعلى أيديهم يتغير الواقع، وعلى أيديهم تنهض الأمة من الحال التي تمر بنا في هذه الأيام إلى حال العز والمجد والتمكين.
إن هذه الأمة هي خير أمة أخرجت للناس، أمة معطاءة، أمة متجددة، مهما تكالب عليها الأعداء، واشتدت عليها الظروف، فقد قال صلى الله عليه وسلم مبيناً فضل هذه الأمة: (أمتي كالمطر).
وقال عن هذه الأمة: (من أمتي سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب، وجوههم كالقمر ليلة البدر، قلوبهم على قلب رجل واحد، واستزدت ربي فزادني مع كل واحد سبعين ألفاً).
إنه والله لفضل عظيم، فأمة بهذه الفضائل، وبهذه المميزات لابد أن يكون فيها أبطال، أبطال أفعال لا أبطال أقوال.
تعالوا معاشر الأحبة! نقف وقفات، ونسطر سطوراً وآيات عن قصة رجل، إذا ذكر في المعارك فهو رجلها الأول، وإذا ذكر في التضحيات فهو أول المضحين، وإذا ذكر البذل والعطاء فهو سيد المواقف كلها.
إن كل مسلم في أدنى الأرض وأقصاها لا يخفى عليه هذا البطل، فلقد ارتبطت انتصارات الأمة ماضياً بهذا الاسم العظيم، إنه خالد وما أدراك ما خالد ، مضى خالد ولكن اسمه بقي خالداً في حياة المسلمين، إنه خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه، من خالد قبل الإسلام؟ لا شيء يذكر، فالذي صنع خالداًً هو الإسلام، والإسلام الذي صنع خالداً قادر على أن يصنع أمثاله، فالإسلام الذي أخرج مثل خالد قادر على أن يخرج أمثال خالد .
ملكنا هذه الدنيا قروناً
وأخضعها جدود خالدونا
وسطرنا صحائف من ضياء
فما نسي الزمان وما نسينا
بنينا حقبة في الأرض ملكاً
يدعمه شباب طامحونا
شباب ذللوا سبل المعالي
وما عرفوا سوى الإسلام دينا
تعهدهم فأنبتهم نباتاً
كريماً طاب في الدنيا غصونا
إذا شهدوا الوغى كانوا حماة
يدكون المعاقل والحصونا
شباب لم تحطمه الليالي
ولم يسلم إلى الخصم العرينا
وإن جن المساء فلا تراهم
من الإشفاق إلا ساجدينا
ولم تشهدهم الأقداح يوماً
وقد ملئوا نواديهم مجونا
وما عرفوا الأغاني مائعات
ولكن العلى طابت لحونا
فعلى أمثال أكتاف هؤلاء الشباب تنهض الأمة من الحال الذي تعيشه في هذه الأيام، حتى يتربى الأبطال فلابد أن يقرءوا سير الأبطال، حتى يتأثر الرجال، وأي سيرة أعظم من سيرة هذا البطل الذي صنعه الإسلام، إنه خالد ؟ وما أدراك ما خالد ، خالد الذي صال وجال ضد الإسلام يوماً، توقف مع نفسه وفكر، وقال في نفسه: والله لقد ظهر الحق واستقام النسب، وإن هذا الرجل لرسول. لقد رأى أطناب الإسلام بدأت تضرب بقوة في شرق الجزيرة وفي غربها، وهكذا الحق يبدأ ضعيفاً، ثم يقوى شيئاً فشيئاً حتى يهلك الباطل.
سبحان الله! فكر خالد ونعمة العقل نعمة عظيمة يملكها الكثير، ولا يستعملها إلا القليل، فلو أن كل إنسان صالح أو طالح فكر في مصيره ومآله؛ لازداد الصالح في صلاحه، ولكان الطالح على غير الحال التي هو عليها.
ففكر خالد ودبر وقدر؛ فتبين له أن الحق واضح، فقال في نفسه: أما من رجل يصاحبني إلى المدينة حتى أظهر إسلامي، فالتقى رجلاً آخر فذاً من الأفذاذ، وبطلاً من الأبطال، إنه عثمان بن طلحة ، فأخبره خالد بالخبر الذي يريده، فقال: وأنا معك يا خالد ، فخرجا سوياً حتى إذا استويا خارج وادي مكة إذا بثالث من دواهي العرب يسير في طريقه أيضاً، فإذا هو داهية العرب عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه، فقال لهما: إلى أين تذهبا؟ فبينا له الوجهة التي سينطلقا إليها، فقال: والله! هذا ما أردت.
فهذه مكة قذفت بفلذات أكبادها ودواهي العرب: خالد وعثمان وعمرو بن العاص ، فلما وصلوا المدينة دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فحيوه بتحية الإسلام والنبوة، فسر وجهه صلى الله عليه وسلم، فمد خالد يده قائلاً: أبايع على الإسلام بشرط أن تستغفر لي يا رسول الله! كل صدة صديتها عن سبيل الله، وتأمل هذه الكلمة، فإن خالداً سيعوض ما فات، سيعوض الماضي الذي جال وصال فيه ضد الإسلام، وهو الآن على أتم الاستعداد في أن يعطي كل غال ونفيس من أجل الإسلام.
فالإسلام حياة جديدة شعارها الاستسلام لله، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله.
وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (والله يا
أيها الناس! إن نعمة العقل نعمة عظيمة، فلو أن كل إنسان فكر في نفسه، وفكر في حاله لتبين له أن بعد هذه الحياة موت، وبعد الموت قبراً، وبعد القبر نشوراً وحساباً، وبعد الحساب جنة أو ناراً، فصاحب العقل السليم يعمل حتى يفوز بجنة الله، وينجو من عذابه، وهكذا فعل خالد ومن معه.
ثم يبدأ خالد دوره بين صفوف المسلمين جندياً من الجند، ولم يستصغر الأدوار التي كان يقوم بها، فالأمة اليوم في أمس الحاجة إلى جهد كل واحد منا رجالاً ونساءً وأطفالاً، فجراحات المسلمين في الشرق والغرب وفي كل مكان.
لقد خرج خالد في جيش أرسله النبي صلى الله عليه وسلم لملاقاة الروم الذين خانوا العهود والمواثيق، فهم الذين أرسل إليهم رسولاً فخانوا مواثيق الأرض كلها، وخانوا الأعراف كلها، فقتلوا ذلك الرسول الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يريهم أن شوكة الإسلام ليست بالشوكة الهينة، وأن جند الإسلام على استعداد للتضحية من أجل دينهم، فأرسل قلة قليلة لا تتجاوز الثلاثة آلاف لكنها أرعبت الروم حين خروجها، فخرجت الروم في جحافل كثيرة تعدادها أكثر من مائة وعشرين ألفاً، فبالله عليك! ثلاثة آلاف ماذا سيصنعون أمام مائة وعشرين ألفاً؟ لكن أمة الإسلام أبداً لا تقاتل بالعدة والعتاد، مع أنها مطالبة بإعداد ذلك، ولكنها تستجلب النصر من السماء وليس من الأرض: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران:160]، قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الأَبْصَارِ [آل عمران:13]، ومثلها قوله تعالى: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:249].
جهز النبي صلى الله عليه وسلم أمر ذلك الجيش ورتب الإمارة فيه فقال: (يحمل الراية أولاً
دارت رحى معركة من أشد المعارك، فهناك قلة قليلة ثابتة أمام جحافل كثيرة؛ لكن الإيمان يصنع جبالاً رواسي أمام تيارات الكفر.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينقل لأصحابه وقائع المعركة: (حمل الراية
ثم نادى ثابت في المسلمين قائلاً: أترضون بـخالد بن الوليد أميراً عليكم؟ قالوا: رضينا، فحمل الراية رضي الله عنه وأرضاه وامتطى صهوة الجواد، ثم ذهب إلى أعلى مكان في أرض المعركة يتفقد أرض المعركة وينظرها يمنة ويسرة بعين ثاقبة، وبعقل وعبقرية عسكرية لم تعرف الحياة مثلها، ففكر خالد أن هذا الجيش القليل قد أبلى بلاء حسناً لكنه لا يستطيع أن يقاوم أكثر، ثم فكر وغير الميمنة والميسرة، وقلب مواضع القتال يمنة ويسرة، وغير وجوه الرجال في وجوه أولئك القوم، فظنوا أن مدداً قد جاءهم من المدينة، فرفع معنويات الرجال، وألقى الخوف والرعب في الفريق الآخر، ثم صمدوا وقاوموا وقاتلوا واستبسلوا، ثم بدهاء عسكري استطاع خالد أن يفتح فجوة في صفوف الكفار فأخذت فلول المسلمين مجموعة تلو مجموعة تخرج من أرض المعركة بأقل الخسائر، وكان خالد يظن أن الخروج من أرض المعركة بأقل الخسائر هو انتصار بحد ذاته، وهو كذلك بعد أن أبلى أولئك القوم بلاءً حسناً.
ومن شدة المعركة قال خالد : تكسر في يدي في تلك المعركة تسعة سيوف، ولم تصمد في يدي إلا صفيحة يمانية.
وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: ( ولقد حمل الراية سيف من سيوف الله، ولقد حمى الوطيس ).
ثم خرج خالد ومن معه من أرض المعركة بخطة عبقرية فذة تدرب إلى الآن في ميادين القتال، ولم يستطع الروم أن يتتبعوا ذلك الجيش الصغير.
وانتظرت المدينة قدوم ذلك الجيش، فالصغار والكبار ينتظرون رجوع ذلك الجيش، لكن بأي وجه استقبل الأطفال ذلك الجيش؟ لقد استقبلوا خالداً ومن معه في أزقة المدينة بالحجارة وهم يقولون لهم: تفرون من الموت في سبيل الله؟ فيرمونهم بالحجارة ويقولون لهم: يا فرار يا فرار! فالصغار يعيرون الكبار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله).
ولو تأملنا الصورة بالأمس والصورة باليوم لرأينا عجباً، فبالأمس كان صغارنا يستقبلون الجيش ومن معه في أزقة المدينة، وكانوا يقولون لـخالد ومن معه: إلى أين يا فرار؟!
واليوم صغارنا، يستقبلون غانية ومطرباً بيده قيثار
ولاعباً في صالة المطار
بالورود والأزهار
متار متار
هذا زمان العار
من طنجة إلى قندهار
معتقل يعيش حالة احتضار
أمتنا ليس لها قرار
أمتنا ألعوبة باليمين واليسار
نرجو صلاح الدين ندور في مأساتنا
حتى أصابنا الدوار
لكن لا خيار
من موتنا فوق شغار السيف
حتى يصير الشوك جل نار
موقنون يا متار
بحرقة المشوار
فإن النصر مع الصبر والصراط فوق النار
هذه باختصار قصيدة اعتذار
عن أمة تعدادها مليار ليس لها قرار
ثم يرجع خالد ظافراً من مؤتة، ومنتصراً انتصاراً عظيماً يوم أن خرج بجيشه من تلك المهلكة.
ثم بعد ذلك توجه مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فاتحاً، وأرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهة من الجهات فاتحاً بجناح من المؤمنين، فدخل خالد ولم تستطع مكة أن تقاوم أهل الإيمان؛ لأنه إذا جاء الحق زهق الباطل، وكما قال الله جل في علاه: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء:18].
فمهما علا الباطل وظهر فسيأتي يوم ويظهر الحق بشرط أن ينتصر أهل الحق للحق، بشرط أن نأخذ الكتاب بقوة كما أمر يحيى عليه السلام: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا [مريم:12].
فدخل خالد فاتحاً فتذكر الأيام الماضية وهو يرى تلك الأصنام التي تعبد وتقدس وتمجد من دون الله سبحانه وتعالى، أين نعمة العقل؟ آلهة لا تنفع ولا تضر ولا تملك لنفسها حياة ولا نشوراً، فتذكر خالد ذلك واسترجع وقال: كيف كنا نقول: يا عزى سبحانك؟! بل يا عزى كفرانك، لقد رأيت الله قد أهانك، فحمد الله أنه دخل مكة فاتحاً ولم يدخل الإسلام بعد فتح مكة، لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى الحديد:10].
ثم مرت بالإسلام فاجعة لم تمر عليه من قبل ولم تمر عليه من بعد، فاجعة فقد النبي صلى الله عليه وسلم، فهي مصيبة عظيمة ابتلي بها المؤمنون وهم في طور إنشاء الدولة المسلمة، فجعت تلك الدولة المسلمة الفتية بفقد نبيها صلى الله عليه وسلم، فمن حكمة الله جل في علاه أن هذا الدين لا يقوم على شخص النبي صلى الله عليه وسلم؛ لذلك اختاره الله لما بلغ الرسالة، وعلم الرجال كيف يحملون الأمانة، فحمل الرجال تلك الأمانة التي أشفقت منها السموات والأرض والجبال.
وبعد ذلك ارتدت العرب قاطبة عن دين الله ولم يبق على الإسلام إلا مكة والمدينة والطائف، ومرت بالمسلمين أزمة لا يعلمها إلا الله، وهي مصيبة فقد النبي ثم المصيبة الأخرى تجمع أولئك المرتدين على تلك الدولة الفتية، فتصدى لها أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، ولكل زمن رجال.
فمن فضائل هذه الأمة: أن الله يبعث لها على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها.
فشاور أبو بكر الصحابة في أمر تلك الأزمة، فمنهم من رأى أن من الحكمة البقاء في المدينة حتى تنجلي الأزمة؛ لأن هناك جيشاً صغيراً أعده النبي صلى الله عليه وسلم بقيادة شاب من الشباب في السابعة عشرة من عمره، وسبحان الله! قواد الجيوش شباب، وكتاب الوحي من الشباب، وكتاب السنة وحفاظها هم الشباب، وأهل المشورة هم الشباب، فأين الشباب اليوم عن هذا الدور العظيم؟!
إن أمة الإسلام اليوم في أمس الحاجة إلى شبابها الذي تربى على تقوى من الله ورضوان.
لقد كان لـأبي بكر نظرة في تلك الأزمة وهي: أنه لابد من الانتصار لهذا الدين مهما كان الثمن؛ لأن سنة الله لا تتغير ولا تتبدل، والله لا يحابي أحداً في سننه، إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7].
فأشاروا على أبي بكر بالبقاء فقال: لا والله! لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله! لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه، أينقص الدين وأنا حي؟! فنصر الله الدين بشخص أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.
فبدأ يعد العدة، فقال: جيش أسامة يخرج، والبقية الباقية تستعد في المسجد للخروج لملاقاة المرتدين.
فخرج أبو بكر قائداً عليهم؛ حتى يعطي للأمر أهمية، وحتى يعلم المسلمون أن القضية قضية خطيرة ومهمة، فانتصر في أول اللقاءات، ثم رجع إلى المدينة وأعد العدة وأراد الخروج، فقال له علي وكبار الصحابة: نقول لك يا أبا بكر ! كما قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد: لا تفجعنا في نفسك يا أبا بكر ! فلبث وجلس في المدينة مضطراً، لكنه عقد الألوية، وأرسل الرجال في أطناب كثيرة يمنة ويسرة، وكلم خالداً قبل أن يمضي قائلاً له: لقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (نعم العبد
ولقد اجتمعت فلول المرتدين وقوي شأنها وردت من ردت من فلول المسلمين، وكان أكبر تجمع للمرتدين في أرض اليمامة وهم قوم مسيلمة الذي ادعى النبوة كاذباً عليه من الله ما يستحق، وكان قد جمع أكثر من أربعين ألف رجل، فتصدت له بعض جيوش المسلمين فردهم على أعقابهم، فقال أبو بكر : ليس لها إلا البطل خالد رضي الله عنه وأرضاه، فالرجال يعرفون في الأزمات، قال الله جل في علاه: فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ [محمد:21].
استمع المزيد من الشيخ خالد الراشد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
انها النار | 3542 استماع |
بر الوالدين | 3421 استماع |
أحوال العابدات | 3410 استماع |
يأجوج ومأجوج | 3348 استماع |
البداية والنهاية | 3335 استماع |
وقت وأخ وخمر وأخت | 3269 استماع |
أسمع وأفتح قلبك - ذكرى لمن كان له قلب | 3254 استماع |
أين دارك غداً | 3204 استماع |
هذا ما رأيت في رحلة الأحزان | 3097 استماع |
أين أنتن من هؤلاء؟ | 3096 استماع |