تفسير سورة ق (7)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

وها نحن مع خاتمة سورة (ق) المكية، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوة هذه الآيات، والله نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ * وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ * إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ [ق:38-45].

إهلاك الله تعالى للأمم قبل مشركي مكة

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! يقول ربنا عز وجل: وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ [ق:36]، يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم وهو يعني المشركين في مكة الذين أصروا على الشرك وعلى حرب النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، يقول تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ [ق:36]، أي: من أمم القرون كعاد وثمود وما إلى ذلك، وكانوا أشد من قريش قوة، ولا قيمة لقوة قريش التي تقف هذا الموقف الصعب، كانوا أشد منهم قوة، فنقّبوا في البلاد، لما جاء وعد الله بإهلاكهم وتدميرهم صرخوا وهربوا، تاهوا في البلاد يبحثون عن المخرج وما خرجوا، والله! ما نجوا وأهلكهم الله.

فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ [ق:36] مكان ليهربوا إليه ويلجئوا؟ كلا، أهلكهم الله، فليتعظ إذاً أهل مكة وليذكروا هذا، فالذي فعل بعاد وثمود وفرعون وقوم شعيب ذلك هل هو عاجز عن أن ينزل بهم عذابه؟ والله! ما هو بعاجز، فلم يصرون على الشرك ومحاربة الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته؟

العظة في هلاك الأمم لمن يمتلك صفات المتذكرين

ثم قال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ [ق:37] الذي سمعتم من إهلاكنا للأمم القوية وتدميرهم لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37]، والذكرى: الموعظة والعبرة، ومن هو الذي يحصل على هذه الذكرى في هذه الآيات؟ من كان له أولاً: قلب حي، أي: مؤمن بالله ولقائه، وبمحمد صلى الله عليه وسلم ورسالته.

ثانياً: يلقي سمعه ويسمع حين تتلى عليه الآيات.

ثالثاً: أن يكون حاضر الحواس شاهداً بها كلها، لا يغيب عنه أذن ولا عين ولا يد ولا رجل، مستعد للسماع بكامله.

هذا الذي له القلب الحي، والذي يلقي سمعه ويطرحه أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يتكلم ويحضر بكل حواسه ويشهدها؛ هذا له ذكرى في هذا، أما الذي لا قلب له ولا يلقي بسمعه ولا يحضر بأحاسيسه فلا ذكرى له.

يقول تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ [ق:36] أبداً، إِنَّ فِي ذَلِكَ [ق:37] الذي سمعتم لَذِكْرَى [ق:37] أي: موعظة وعبرة لمن؟ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! يقول ربنا عز وجل: وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ [ق:36]، يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم وهو يعني المشركين في مكة الذين أصروا على الشرك وعلى حرب النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، يقول تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ [ق:36]، أي: من أمم القرون كعاد وثمود وما إلى ذلك، وكانوا أشد من قريش قوة، ولا قيمة لقوة قريش التي تقف هذا الموقف الصعب، كانوا أشد منهم قوة، فنقّبوا في البلاد، لما جاء وعد الله بإهلاكهم وتدميرهم صرخوا وهربوا، تاهوا في البلاد يبحثون عن المخرج وما خرجوا، والله! ما نجوا وأهلكهم الله.

فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ [ق:36] مكان ليهربوا إليه ويلجئوا؟ كلا، أهلكهم الله، فليتعظ إذاً أهل مكة وليذكروا هذا، فالذي فعل بعاد وثمود وفرعون وقوم شعيب ذلك هل هو عاجز عن أن ينزل بهم عذابه؟ والله! ما هو بعاجز، فلم يصرون على الشرك ومحاربة الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته؟

ثم قال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ [ق:37] الذي سمعتم من إهلاكنا للأمم القوية وتدميرهم لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37]، والذكرى: الموعظة والعبرة، ومن هو الذي يحصل على هذه الذكرى في هذه الآيات؟ من كان له أولاً: قلب حي، أي: مؤمن بالله ولقائه، وبمحمد صلى الله عليه وسلم ورسالته.

ثانياً: يلقي سمعه ويسمع حين تتلى عليه الآيات.

ثالثاً: أن يكون حاضر الحواس شاهداً بها كلها، لا يغيب عنه أذن ولا عين ولا يد ولا رجل، مستعد للسماع بكامله.

هذا الذي له القلب الحي، والذي يلقي سمعه ويطرحه أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يتكلم ويحضر بكل حواسه ويشهدها؛ هذا له ذكرى في هذا، أما الذي لا قلب له ولا يلقي بسمعه ولا يحضر بأحاسيسه فلا ذكرى له.

يقول تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ [ق:36] أبداً، إِنَّ فِي ذَلِكَ [ق:37] الذي سمعتم لَذِكْرَى [ق:37] أي: موعظة وعبرة لمن؟ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37].

ثم قال تعالى وقوله الحق: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق:38] واللغوب: النصب والتعب، فالذي هذا فعله: يخلق السماوات والأرض السبع وما بينهما في ستة أيام ولا يتعب ولا يصاب بنصب ولا لغوب؛ أهذا يعجز عن إحيائكم بعد موتكم؟ لأنهم كانوا ينكرون البعث ويكذبون به، والآيات المكية أكثرها في هذا، ما آمنوا بأنهم يبعثون أحياء يوم القيامة ليحاسبوا على أعمالهم في الدنيا ويجزوا بها.

وهذا المعتقد دائماً نقول: إذا فقده الإنسان أصبح شر الخليقة، لا يوثق فيه ولا يعول عليه، ولا يرجى منه خير أبداً، أي: الذي يفقد الإيمان بالبعث والدار الآخرة، أما المؤمن بأنه سيبعث حياً وسيحاسب على عمله وسيجزى به؛ هذا المؤمن كله خير، ولا يواصل الإجرام والفساد أبداً، وفاقد هذا المعتقد شر الخلق.

وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ [ق:38] وهي: الأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة، فلهذا كان يوم الجمعة أفضل الأيام؛ لأنه يوم انتهى فيه خلق السماوات والأرض، إلا أن اليهود عليهم لعائن الله يعاندون ويكابرون، قالوا: تعب حين أكمل الخلق يوم الجمعة واستراح يوم السبت، فهيا لنستريح يوم السبت! فهم يستريحون يوم السبت؛ لجهلهم، وعمى قلوبهم، فهل الذي يخلق السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما في ستة أيام يعيا، هل يصاب بالتعب ويستريح؟

ولكنه العناد والمكابرة والجهل الذي يعيشون عليه، فلهذا قال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق:38] كما يقول اليهود، ويقولون: استراح يوم السبت، فلهذا يجب ألا تستريحوا أيها العمال يوم السبت وإلا اقتديتم باليهود، نحن حتى الجمعة لا نستريح، ما لنا إلا أن نغتسل ونصلي الجمعة ونعمل في يومنا.

ثم قال تعالى وقوله الحق: فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ [ق:39]، أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يصبر على ما يقوله اليهود والكافرون والمشركون والظالمون، هذا يسب وهذا يشتم، هذا يكذّب وهذا ينكر، ماذا يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ما عليه إلا الصبر فقط.

فَاصْبِرْ [ق:39] يا رسولنا عَلَى مَا يَقُولُونَ [ق:39] واستعن على الصبر بما يلي: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ [ق:39-40]، يا من يريد أن يستعين على الصبر حتى يصبر! قد بين الله لك هذه الأبواب فادخلها تفز بالصبر وتحصل عليه:

أولاً: سبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس، ألا وهي صلاة الصبح، وفيها ركعتا الفجر الرغيبة، قبل طلوع الصبح، وقبل الغروب: الظهر والعصر، صلاة الظهر وصلاة العصر قبل الغروب، كلتاهما قبل الغروب.

وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ [ق:40]، المغرب والعشاء، فخذ من الليل أيضاً وقتاً لصلاة المغرب وصلاة العشاء، وبهذا تصبح قادراً على الصبر وتتحمل، وسر ذلك -إن أردتم أن تعلموا- أن الذي يعيش ليله ونهاره مع ربه ما يجزع، ما يسخط، ما يتألم أبداً، يصبر ويتحمل، والذي ينقطع عن ربه ويعيش وحده مصيره كالحشرات، وهذا إرشاد الله تعالى لرسوله، فلنعمل به ولنصبر على ما يصيبنا من البلاء والأذى، فاصبر على ما يقول لك هؤلاء المشركون وهؤلاء اليهود والمجوس وما إلى ذلك، وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس، ألا وهي صلاة الصبح، وَقَبْلَ الْغُرُوبِ [ق:39] أي: غروب الشمس، ألا وهو صلاة الظهر وصلاة العصر، وَمِنَ اللَّيْلِ [ق:40] جزء من الليل، فَسَبِّحْهُ [ق:40] وهو المغرب والعشاء، من غروب الشمس إلى ذهاب الشفق الأحمر.

وَأَدْبَارَ السُّجُودِ [ق:40] كما في قراءة حفص ، وفي قراءة نافع : (وإدبار السجود)، والمعنى واحد، أي: بعد سجودك.

الأذكار التي يؤتى بها بعد الفريضة

فهيا يا أبناء الإسلام إلى النوافل بالذكر أدبار السجود، إذا سجدت للصبح أو العصر أو المغرب والعشاء وفرغت فسبح، والوارد أن تقول بعدما تسلم: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ثلاث مرات، اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ثلاث مرات، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كذلك مرة أو مرتين.

ثم تقول: اللهم إنه لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، ثم تسبح الله ثلاثاً وثلاثين مرة: سبحان الله.. سبحان الله.. سبحان الله، وتحمده ثلاثاً وثلاثين مرة: الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله، ثم تكبره ثلاثاً وثلاثين مرة: الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر، وتختم المائة بـ(لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)، ثم تقرأ آية الكرسي دبر كل صلاة، فهي من التسبيح لله والتقديس، تقرأ آية الكرسي من سورة البقرة دبر كل صلاة، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على الأقل خمساً وعشرين مرة دبر كل صلاة، حتى تختم المائة في كل يوم، ثم قراءة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] والمعوذتين دبر كل صلاة، وهو من الذكر والتسبيح، إلا أن بعد الصبح تقرأ ثلاث مرات، وبعد المغرب كذلك ثلاث مرات، والتسبيح: سبحان الله وبحمده.. سبحان الله وبحمده، في الصباح مائة مرة، وفي المساء مائة مرة.

كما تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة، وغير ذلك من الوارد في السنة الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهكذا يرشد الله رسوله وأمته إلى التسبيح دبر الصلوات، لا أن يسلم الإمام وتقوم تجري، فإن كان لك شيء فاجر وأنت تسبح.

هكذا يرشد تعالى رسوله والمؤمنين فيقول: فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ [ق:39] أي: واستعن على ذلك بالتسبيح، وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ [ق:39-40] أيضاً، وَأَدْبَارَ السُّجُودِ [ق:40] أي: بعد الصلوات الخمس.

فهيا يا أبناء الإسلام إلى النوافل بالذكر أدبار السجود، إذا سجدت للصبح أو العصر أو المغرب والعشاء وفرغت فسبح، والوارد أن تقول بعدما تسلم: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ثلاث مرات، اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ثلاث مرات، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كذلك مرة أو مرتين.

ثم تقول: اللهم إنه لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، ثم تسبح الله ثلاثاً وثلاثين مرة: سبحان الله.. سبحان الله.. سبحان الله، وتحمده ثلاثاً وثلاثين مرة: الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله، ثم تكبره ثلاثاً وثلاثين مرة: الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر، وتختم المائة بـ(لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)، ثم تقرأ آية الكرسي دبر كل صلاة، فهي من التسبيح لله والتقديس، تقرأ آية الكرسي من سورة البقرة دبر كل صلاة، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على الأقل خمساً وعشرين مرة دبر كل صلاة، حتى تختم المائة في كل يوم، ثم قراءة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] والمعوذتين دبر كل صلاة، وهو من الذكر والتسبيح، إلا أن بعد الصبح تقرأ ثلاث مرات، وبعد المغرب كذلك ثلاث مرات، والتسبيح: سبحان الله وبحمده.. سبحان الله وبحمده، في الصباح مائة مرة، وفي المساء مائة مرة.

كما تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة، وغير ذلك من الوارد في السنة الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهكذا يرشد الله رسوله وأمته إلى التسبيح دبر الصلوات، لا أن يسلم الإمام وتقوم تجري، فإن كان لك شيء فاجر وأنت تسبح.

هكذا يرشد تعالى رسوله والمؤمنين فيقول: فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ [ق:39] أي: واستعن على ذلك بالتسبيح، وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ [ق:39-40] أيضاً، وَأَدْبَارَ السُّجُودِ [ق:40] أي: بعد الصلوات الخمس.

ثم قال تعالى: وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ [ق:41-42]، واستمع أيها المستمع، هذا ليس خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، بل لكل إنسان.

وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ [ق:41] ألا وهو إسرافيل ينزل على صخرة بيت المقدس، وهي صخرة قريبة من السماء في وسط الأرض، وينادي: أيتها العظام البالية، واللحوم الممزقة، والشعور المتفرقة! يأمركن الله بأن تجتمعن لفصل القضاء.

وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ [ق:41] من هذا المنادي؟ إسرافيل عليه السلام، ينادي على صخرة بيت المقدس وهي قريبة من السماء وفي وسط الأرض، ينادي: أيتها العظام النخرة البالية واللحوم الممزقة والشعور المتفرقة! اجتمعن لفصل القضاء يوم القيامة.

قال تعالى: وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ [ق:41-42]، هذه النفخة الثانية، يوم تتلاءم الأجسام ويتم خلقها كما كانت وأعظم مما كانت، فينادي إسرافيل أيضاً وينفخ نفخة أخرى فإذا هم من القبور قيام ينظرون، فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ [يس:51] أي: القبور إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ [يس:51].

يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ [ق:42]، أي: من قبورهم التي تم فيها خلقهم وتكوينهم أعظم مما كانوا.

واستمع أيها السامع يوم ينادي المنادي، ومن هذا المنادي؟ إنه إسرافيل عليه السلام أحد الملائكة الأربعة: جبريل وميكائيل وعزرائيل وإسرافيل، هذا موكل بالنفخ في الصور فقط، هذه مهمته.

هكذا يقول تعالى: وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ [ق:41] ألا وهو صخرة بيت المقدس.

يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ [ق:42] أي: النداء الثاني، نفخة إسرافيل الثانية، بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ [ق:42] من القبور للحساب والجزاء بين يدي الله تعالى.

هذا كله تقرير لعقيدة البعث والجزاء التي أنكرها الملايين ليواصلوا إجرامهم وفسقهم وفجورهم، وقد قلت: والله! إن إنساناً ذكراً أو أنثى لا يؤمن بالبعث الآخر والجزاء لا يوثق فيه ولا يعول عليه، وكله شر، أما شخص يؤمن بالبعث الآخر والجزاء والحساب على الدنيا فوالله! ليكونن من أحسن الناس، ما يظلم ولا يفجر ولا يفسق أبداً.

ولهذا أصر المشركون والكافرون إلى اليوم على ألا بعث ولا حياة بعد هذه، من أجل أن يواصلوا الفجور والظلم والشر والخبث والفساد، حتى لا يقفوا عند حد من الحدود.

ثم قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ [ق:43] من هذا القائل؟ هذا رب السماوات والأرض، هذا رب العالمين، هذا رب محمد والمرسلين، هذا خالقنا وواهبنا أسماعنا وأبصارنا وألسنتنا، هذا الذي خلق الأطعمة لنا، هذا الذي نصير إليه، هو الذي يقول: إِنَّا [ق:43] أي: رب العزة نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ [ق:43] يحيي ويميت، والله! لنموتن ولن يبقى منا أحد، فمن يميتنا؟ من الذي يحيي ويميت سوى الله؟

فلهذا لا إله إلا الله، أي: لا يُعبد إلا الله، لا يرهب إلا الله، لا يحب إلا الله، لا يخر ولا يسجد إلا لله، هو رب السماوات والأرض وما بينهما.

ثم قال تعالى: وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ [ق:43] مصير الإنس والجن، مصيرنا هو أن نعود إليه، المصير إليه، فقد أحيانا، أليس كذلك؟ ويميتنا ثم يجمعنا بين يديه فنصير إليه وبين يديه، وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ [ق:43].

ثم قال تعالى: يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا [ق:44]، بيان كيف نصير إلى الله، قال تعالى: يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا [ق:44]، تتشقق الأرض ويخرجون من القبور سراعاً، ما هناك تباطؤ.

يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ [ق:44] جمع عَلَيْنَا يَسِيرٌ [ق:44] وسهل، وكيف لا وهو يقول للشيء: كن فيكون فقط، ذَلِكَ حَشْرٌ [ق:44] ما هو بصعب أبداً علينا، بل يسير، يحشرهم كلهم في ساحة واحدة هي ساحة فصل القضاء بين يدي الرب تعالى، واعلموا أنكم ستقفون فيها.




استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة الأحقاف (8) 3861 استماع
تفسير سورة الفتح (8) 3472 استماع
تفسير سورة الأحقاف (7) 3331 استماع
تفسير سورة ق (6) 3235 استماع
تفسير سورة الفتح (1) 3128 استماع
تفسير سورة الأحقاف (1) 3061 استماع
تفسير سورة ق (2) 3048 استماع
تفسير سورة الفتح (3) 3023 استماع
تفسير سورة الأحقاف (4) 2963 استماع
تفسير سورة الفتح (4) 2895 استماع