تفسير سورة ق (1)


الحلقة مفرغة

القول في الحروف المقطعة وفوائد ذكرها

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

وها نحن الليلة مع سورة (ق) المكية، وها نحن مع فاتحتها، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوة هذه الآيات، والله نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ * قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ * بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ [ق:1-5].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ق [ق:1] هذا حرف من حروف الهجاء، ومثله: ص، ومثله: ن، ومثل هذا حرفان: يس، طه، طس، وثلاثة أحرف: طسم، وخمسة أحرف: كهيعص، فما سر هذه الحروف التي يفتتح الله بها هذه السور القرآنية الكريمة؟

القول الذي لا خلاف فيه، وليكن عقيدة كل واحد منا: أنا نقول: الله أعلم بمراده به، لا نقول: معناه كذا أو يدل على كذا أو كذا، نقول: الله أعلم بما أراد بهذا الحرف، فنفوض أمر فهمه إلى الله عز وجل، فنطمئن ونستريح، ولا نقع في الافتراء والكذب، فالله أعلم بمراده.

وهناك لطيفتان نكرر القول فيهما مع كل سورة مفتتحة بهذه الحروف تذكيراً للناسين وتعليماً للجاهلين:

اللطيفة الأولى: لما صدر الأمر في مكة بمنع سماع القرآن، فحاكم مكة أصدر أمره: ممنوع على المواطنين أن يسمعوا القرآن، لا من أبي بكر ولا من رسول الله ولا من بلال ولا من فلان، وإذا ضبطت تسمع فإنك تعاقب، فممنوع ذلك من باب الاحتياط، وهذه سياسة.

فلما صارت السور تفتتح بهذه الحروف ويسمع السامع (طسم) لأول مرة ما كان العرب يعرفون هذه الصيغة وهذا الصوت أبداً، فيضطر أحدهم إلى أن يصغي ليسمع، فإذا أصغى واستمع دخل القرآن في قلبه، فهذه اللطيفة تحققت من هذه الحروف.

اللطيفة الثانية: لما ادعوا أن هذا القرآن أساطير الأولين، وأنه ليس من كلام الله، وأنه وأنه؛ أعلمهم تعالى أنه مركب من هذه الحروف، فتفضلوا أنتم فألفوا مثل هذا القرآن، فقال أولاً: فائتوا بمثله، ثانياً: بعشر سور، فجهلوا وعجزوا، فقال: بسورة فقط، فوالله! ما استطاعوا وفيهم البلغاء والفصحاء وأرباب البيان، فعجزوا عن أن يأتوا بمثل سورة من سور القرآن، ولو كسورة الكوثر أو الفيل، فدل هذا يقيناً على أنه كلام الله ووحيه.

هاتان لطيفتان قال بهما أهل العلم من السلف، أما المعنى فالله أعلم بمراده من هذا الحرف، فنفوض أمر ذلك إلى الله.

الحكمة من إقسام الله تعالى

قال تعالى: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1]، القرآن كلام الله، كتاب الله، هذا الذي نحفظه في صدورنا ونكتبه في سطورنا أقسم الله به، ولله تعالى أن يقسم بما يشاء، كما قال تعالى: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا [الشمس:1]، وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ [البروج:1]، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى [الليل:1]، وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ [التين:1]، لله أن يحلف بما يشاء من مخلوقاته، من أجل أن يقبل السامع الخبر أو الكلام؛ لأن هذه فطرة وغريزة إنسانية، إذا ألقيت الخبر فما يُقبل منك إلا إذا أكدته باليمين، تكلم مع أي واحد فما يستجيب، لكن إذا قلت: والله! لكذا وكذا صدقك.

فالله يقسم لصالح عباده، أما هو فغني عن ذلك، لكن من أجل فطرة الناس وغريزتهم أنهم ما يقبلون الأخبار العظيمة إلا إذا كان عليها يمين، فيقسم الله لذلك: وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1]، والمجيد: الشريف الكامل الكريم العالي السامي، وهو القرآن الكريم، والله! إنه لمجيد وكريم وسام وعال، لو تجتهد البشرية في أن يأتوا بسورة ما استطاعوا، فكيف لا يكون مجيداً؟

جواب القسم في قوله تعالى: (والقرآن المجيد)

وأين جواب القسم في قوله تعالى: وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1]؟

جواب القسم: إن محمداً لرسول الله، أي: والقرآن المجيد! إن محمداً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إي والله لرسول الله، وأي دليل أكبر من أنه ينزل عليه كتابه ويوحي إليه وحيه، فكيف لا يكون رسولاً؟ ومع هذا قال الخصوم والأعداء: ساحر، شاعر، مجنون، أبوا أن يسلموا بأنه رسول الله، فلهذا أقسم الله لهم: وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1] إن محمداً لرسول الله.

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

وها نحن الليلة مع سورة (ق) المكية، وها نحن مع فاتحتها، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوة هذه الآيات، والله نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ * قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ * بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ [ق:1-5].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ق [ق:1] هذا حرف من حروف الهجاء، ومثله: ص، ومثله: ن، ومثل هذا حرفان: يس، طه، طس، وثلاثة أحرف: طسم، وخمسة أحرف: كهيعص، فما سر هذه الحروف التي يفتتح الله بها هذه السور القرآنية الكريمة؟

القول الذي لا خلاف فيه، وليكن عقيدة كل واحد منا: أنا نقول: الله أعلم بمراده به، لا نقول: معناه كذا أو يدل على كذا أو كذا، نقول: الله أعلم بما أراد بهذا الحرف، فنفوض أمر فهمه إلى الله عز وجل، فنطمئن ونستريح، ولا نقع في الافتراء والكذب، فالله أعلم بمراده.

وهناك لطيفتان نكرر القول فيهما مع كل سورة مفتتحة بهذه الحروف تذكيراً للناسين وتعليماً للجاهلين:

اللطيفة الأولى: لما صدر الأمر في مكة بمنع سماع القرآن، فحاكم مكة أصدر أمره: ممنوع على المواطنين أن يسمعوا القرآن، لا من أبي بكر ولا من رسول الله ولا من بلال ولا من فلان، وإذا ضبطت تسمع فإنك تعاقب، فممنوع ذلك من باب الاحتياط، وهذه سياسة.

فلما صارت السور تفتتح بهذه الحروف ويسمع السامع (طسم) لأول مرة ما كان العرب يعرفون هذه الصيغة وهذا الصوت أبداً، فيضطر أحدهم إلى أن يصغي ليسمع، فإذا أصغى واستمع دخل القرآن في قلبه، فهذه اللطيفة تحققت من هذه الحروف.

اللطيفة الثانية: لما ادعوا أن هذا القرآن أساطير الأولين، وأنه ليس من كلام الله، وأنه وأنه؛ أعلمهم تعالى أنه مركب من هذه الحروف، فتفضلوا أنتم فألفوا مثل هذا القرآن، فقال أولاً: فائتوا بمثله، ثانياً: بعشر سور، فجهلوا وعجزوا، فقال: بسورة فقط، فوالله! ما استطاعوا وفيهم البلغاء والفصحاء وأرباب البيان، فعجزوا عن أن يأتوا بمثل سورة من سور القرآن، ولو كسورة الكوثر أو الفيل، فدل هذا يقيناً على أنه كلام الله ووحيه.

هاتان لطيفتان قال بهما أهل العلم من السلف، أما المعنى فالله أعلم بمراده من هذا الحرف، فنفوض أمر ذلك إلى الله.

قال تعالى: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1]، القرآن كلام الله، كتاب الله، هذا الذي نحفظه في صدورنا ونكتبه في سطورنا أقسم الله به، ولله تعالى أن يقسم بما يشاء، كما قال تعالى: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا [الشمس:1]، وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ [البروج:1]، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى [الليل:1]، وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ [التين:1]، لله أن يحلف بما يشاء من مخلوقاته، من أجل أن يقبل السامع الخبر أو الكلام؛ لأن هذه فطرة وغريزة إنسانية، إذا ألقيت الخبر فما يُقبل منك إلا إذا أكدته باليمين، تكلم مع أي واحد فما يستجيب، لكن إذا قلت: والله! لكذا وكذا صدقك.

فالله يقسم لصالح عباده، أما هو فغني عن ذلك، لكن من أجل فطرة الناس وغريزتهم أنهم ما يقبلون الأخبار العظيمة إلا إذا كان عليها يمين، فيقسم الله لذلك: وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1]، والمجيد: الشريف الكامل الكريم العالي السامي، وهو القرآن الكريم، والله! إنه لمجيد وكريم وسام وعال، لو تجتهد البشرية في أن يأتوا بسورة ما استطاعوا، فكيف لا يكون مجيداً؟

وأين جواب القسم في قوله تعالى: وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1]؟

جواب القسم: إن محمداً لرسول الله، أي: والقرآن المجيد! إن محمداً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إي والله لرسول الله، وأي دليل أكبر من أنه ينزل عليه كتابه ويوحي إليه وحيه، فكيف لا يكون رسولاً؟ ومع هذا قال الخصوم والأعداء: ساحر، شاعر، مجنون، أبوا أن يسلموا بأنه رسول الله، فلهذا أقسم الله لهم: وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1] إن محمداً لرسول الله.

ثم قال تعالى: بَلْ عَجِبُوا [ق:2] من هؤلاء؟ كفار قريش أهل مكة المجرمون الظالمون، بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ [ق:2]، قالوا: لو أن الله بعث لنا ملكاً من الملائكة فسنقبل هذا، أما أن يبعث إلينا من أنفسنا رسولاً فما نقبل، لماذا يقولون هذا؟ لدفع الحق، لعدم الانقياد والخضوع لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، يريدون البقاء على كفرهم وشركهم وخبثهم وفسادهم، أبوا أن يسلموا أن هذا كلام الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.

بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ [ق:2]، والمنذر الذي يخوفهم عذاب الله في الدنيا إذا استمروا على الكفر والخبث والشر والفساد، وفي الآخرة بالخلود في جهنم إن استمروا على الكفر والفسق والفجور، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، أنذرهم، خوفهم بأعلى صوته، وهذا كتاب الله يحمل الإنذار لهم في عشرات ومئات الآيات.

بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ [ق:2] قالوا: لو كان من الملائكة فلا بأس، لن نرفض، لكن كيف يكون نذيراً منا؟ وهذا خطأ، فلو كان من الملائكة فكيف ستتفاهمون معه؟ هل ستسمعون كلام الملك؟

الملائكة الآن معك، فهل رأيتهم؟ هل تسمع كلامهم؟ فكيف يكون منهم؟ وإذا كان الملك ينطق نطق البشر إذاً أصبح بشرياً.

ثم من الحكمة أن يبعث الله من يعرف الناس لسانه ولهجته، ما يبعث غريباً عنهم ما يفهمون عنه، ليس من الحكمة هذا، وهذا كله -والله- من باب دفع الحق حتى لا يسلموا، حتى لا يدخلوا في الإسلام ولا يقبلوا دين الله فقط.

بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ [ق:2] الجاحدون للإلهية، الجاحدون للنبوة المحمدية، الجاحدون للبعث والجزاء والدار الآخرة، هؤلاء الكافرون قالوا: هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ [ق:2] وما هذا الشيء العجيب؟ كون إنسان يوحى إليه وينزل عليه القرآن وينذر البشرية أهذا شيء عجاب، كيف يكون هذا؟

فلماذا قالوا هذا؟ قالوه لدفع الحق حتى لا يسلموا، حتى لا يمشوا وراء رسول الله ولا يقبلوا دين الله، وهذه الإملاءات يمليها الشيطان على ألسنتهم ويقولونها، وهذا واقع البشرية، من أراد أن يدفع الحق يقول أكثر من هذا الكلام إلى اليوم وفي كل مكان.

قال تعالى عنهم: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ [ق:3] شيء عجيب أننا نموت ونفنى ونتحلل ونصبح عظاماً نخرة وبعد ذلك نحيا ونعود كما كنا!

أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ [ق:3] لا يمكن أن يقع! من القائلون؟ الآن كل البشرية -سوى المسلمين- تقول هذا من اليابان إلى الأمريكان، ولو آمنوا بالبعث والدار الآخرة والله! لقرعوا أبوابكم يطلبون منكم أن تعلموهم كيف يعبدون الله ليكملوا ويسعدوا في الدار الآخرة.

ولو تنازعهم أو تجادلهم لقالوا كما قال المشركون في الزمان الأول: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ [ق:3]؟ والله! ما هو ببعيد أبداً، الذي يقول للشيء: كن فيكون هل يبعد عليه هذا؟ كما أوجدنا أول مرة يوجدنا مرة ثانية.