خطب ومحاضرات
تفسير سورة الأحقاف (2)
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فها نحن مع سورة الأحقاف سابعة آل حم، ومع هذه الآيات، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوتها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ [الأحقاف:7-9].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ [الأحقاف:7] من الذي يتلو هذه الآيات، وما هذه الآيات؟
إن الآيات هي كتاب الله الذي نتدارسه، والتالي لها القارئ لها هو محمد صلى الله عليه وسلم، والمخاطبون بهذا كفار قريش، مشركو مكة وما حولها ممن وقفوا في وجه هذه الدعوة يدفعونها بكل وسيلة والعياذ بالله تعالى.
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا [الأحقاف:7] القرآنية بينة واضحة يفهمونها، ما فيها غموض ولا إلغاز ولا خفاء أبداً، فما من حقهم أن يكفروا بها، أو يكذبوا بها، فإما أن الله كتب مصيرهم في جهنم، وإما أنهم سيؤمنون بعد أجل محدود.
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأحقاف:7] أي: بالله رباً لا رب غيره، وإلهاً لا إله سواه، وبمحمد رسوله، وبكتابه القرآن العظيم، وبالبعث الآخر والحياة الثانية، هؤلاء الكفار الفجار ماذا يقولون؟
قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ [الأحقاف:7] هذا الذي يقوله محمد سحر واضح، كيف يتبعه فلان؟ كيف يخرج فلان من أهله وبيته ويؤمن به؟ هذا ساحر.
والسحر -والعياذ بالله تعالى- إلى الآن يعاني منه الناس، سبحان الله! السحر هذا صنعته يد الشيطان، إبليس هو الذي صنع هذا السحر، وعلمه أولياءه، وبه ضرر خطير، إلى الآن يبكون من السحر، أصاب بناتهم وأولادهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولم قالوا للقرآن: سحر مبين؟ قالوا: كيف يترك فلان أسرته وينتمي إلى محمد صلى الله عليه وسلم؟ كيف يترك دين آبائه وأجداده؟ هذا مسحور يسمع كلامه ويتأثر به فيدخل في قلبه ويؤمن به ويتبعه! هكذا يقول تعالى عنهم.
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ [الأحقاف:7] الذي هو القرآن المنزل من عند الله لما جاءهم من الله بواسطة جبريل، أنزله على رسول الله رب العالمين، قالوا: هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ [الأحقاف:7]، واضح بيّن، فلا تتبعوه، لا تستجيبوا أبداً، اتركوه، فهذا ساحر؛ وذلك لتأثر المؤمنين به.
ثم قال تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ [الأحقاف:8] أي: بل يقولون: افتراه، (أم) بمعنى (بل)، بل يقولون: افتراه.
فقولهم: إنه سحر فقط وشعوذة يموهون به، لكن الواقع أنهم قالوا: شيء اختلقه من عنده ما أرسله الله ولا نبأه ولا هو رسول الله، هذه اختلاقات وتصنعات، أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ [الأحقاف:8]، بل افتراه، أي: افترى الرسول قرآناً، اختلقه من عنده وزوره.
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ [الأحقاف:8] قال تعالى: قُلْ [الأحقاف:8] يا رسولنا، قل لهم: إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [الأحقاف:8]، إذا كذبت أنا على ربي ونسبت إليه هذا القرآن وهذه الدعوى فمن يخلصني من عذاب الله؟ من ينجيني؟ من يسترني؟ من ينصرني؟ ماذا تقولون؟ لو كذبت على الله فأنا أستحق عذابه ونقمته وبلاءه، فمن ينقذني؟ فلهذا من المستحيل أن أكذب على ربي، أن أقول: قال الله والله ما قال، فأبطل هذه النظرية نهائياً.
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ [الأحقاف:8] أنا وكذبت على الله فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [الأحقاف:8] هو يعذبني ويضرب على يدي وينتقم مني، فكيف أكذب عليه؟
معنى قوله تعالى: (هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيداً بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم)
هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ [الأحقاف:8] من هو أعلم بكذبهم؟ الله عز وجل.
كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ [الأحقاف:8] عليماً بحالي وحالكم، وسوف يجزيني ويجزيكم، يجزيني بالنصر والتأييد ويجزيكم بالخذلان والهزيمة والعياذ بالله تعالى.
فقوله تعالى: هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ [الأحقاف:8] أي: قولهم في النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر كذاب، دجال، كلام يقولونه في مجالسهم ويتناقلونه بلا حساب، إفاضات عجيبة.
فِيهِ كَفَى بِهِ [الأحقاف:8] أي: بالله، شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الأحقاف:8]، ما أجمل هذه الجملة هنا! وهو الغفور لمن تاب، فتوبوا يا معاشر المشركين؛ فإن الله الذي تؤمنون بوجوده رباً غفور لمن تاب فتوبوا، رحيم بأوليائه وصالح عباده فآمنوا وأسلموا لتصبحوا أولياء يرحمكم في الدنيا والآخرة.
ما أجمل هذه الجملة في هذا السياق! وَهُوَ الْغَفُورُ [الأحقاف:8] لمن تاب من عباده من أبيض أو أصفر، الرَّحِيمُ [الأحقاف:8] بأوليائه، هذا الذي يجب أن نؤمن به وأن نعبده وحده، وأن نستجيب لدعوته وأن نطيعه في أمره ونهيه، هذا هو الله، هذا هو رب العالمين، هذا إله الأولين والآخرين، لا أصنامكم وأحجاركم وتماثيلكم التي تجتمعون عليها وتدافعون عنها بالباطل.
ثم قال: هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ [الأحقاف:8] من القول الباطل والأضاحيك والألاعيب والاندفاعات بالباطل، والإفاضة: الاندفاع، أي: الاندفاع للباطل يتفوهون ويقولون في مجالسهم بالكذب والباطل.
هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ [الأحقاف:8] من هو أعلم بكذبهم؟ الله عز وجل.
كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ [الأحقاف:8] عليماً بحالي وحالكم، وسوف يجزيني ويجزيكم، يجزيني بالنصر والتأييد ويجزيكم بالخذلان والهزيمة والعياذ بالله تعالى.
فقوله تعالى: هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ [الأحقاف:8] أي: قولهم في النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر كذاب، دجال، كلام يقولونه في مجالسهم ويتناقلونه بلا حساب، إفاضات عجيبة.
فِيهِ كَفَى بِهِ [الأحقاف:8] أي: بالله، شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الأحقاف:8]، ما أجمل هذه الجملة هنا! وهو الغفور لمن تاب، فتوبوا يا معاشر المشركين؛ فإن الله الذي تؤمنون بوجوده رباً غفور لمن تاب فتوبوا، رحيم بأوليائه وصالح عباده فآمنوا وأسلموا لتصبحوا أولياء يرحمكم في الدنيا والآخرة.
ما أجمل هذه الجملة في هذا السياق! وَهُوَ الْغَفُورُ [الأحقاف:8] لمن تاب من عباده من أبيض أو أصفر، الرَّحِيمُ [الأحقاف:8] بأوليائه، هذا الذي يجب أن نؤمن به وأن نعبده وحده، وأن نستجيب لدعوته وأن نطيعه في أمره ونهيه، هذا هو الله، هذا هو رب العالمين، هذا إله الأولين والآخرين، لا أصنامكم وأحجاركم وتماثيلكم التي تجتمعون عليها وتدافعون عنها بالباطل.
ثم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف:9]، ما أنا أول رسول أبداً، قبلي ثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً، قبلي مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبي، ما أنا ببدعة جديدة ما عرفتموني، لو كنت أول رسول فستتعجبون وتقولون: كيف يكون هذا نبياً ورسولاً؟ لكن تعلمون أنه سبقتني رسل، وأنتم تعرفون ماذا عند اليهود والنصارى من الكتب، وتعرفون أن إبراهيم كان نبياً ورسولاً، وإسماعيل كذلك، ما أنا أول رسول حتى تتعجبوا مني، والبدع: هو الابتداع، فأنا تابع لرسل سبقتني بالمئات.
قل لهم يا رسولنا، قُلْ [الأحقاف:9] لهؤلاء المشركين: مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف:9] أولاً، وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ [الأحقاف:9].
بعض المفسرين يقولون: هذه اللفظة منسوخة بقول الله تعالى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:1-2]، فكيف يقول: ما أدري ما يفعل بي ولا بكم؟
والصحيح والذي رجحه ابن جرير وهو الحق: أنه لا يدري ما يفعل الله به: هل ينصره عليهم ويؤيده أم يهاجر أم يطردونه أم يقتلونه، أم هم ينتصرون، أم ينهزمون، هذا الذي ما يدريه الرسول صلى الله عليه وسلم، ما أدري ما يفعل بي ولا بكم الآن، أنا ما أدري هل أبقى في مكة؟ هل أخرج منها؟ هل تقتلونني؟ هل تسجنونني؟ هذا لا يعلمه، أليس كذلك؟ ولا أدري ما يفعل بكم أتنزل بكم الصواعق والخسف، أم تؤمنون وتسلمون.
معنى قوله تعالى: (إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين)
هكذا يقول تعالى: وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ [الأحقاف:9]، أي: ما أتبع إلا ما يوحى إلي، ما الذي يوحى إليه؟ الذي يوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القرآن، وما هي الواسطة بين الله ورسوله؟ جبريل عليه السلام، والوحي: الإلقاء في الروع أو يتكلم معه جبريل ويقرأ عليه الآيات.
إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ [الأحقاف:9] فقط، ما عندي صفة أخرى أبداً، لا قدرة لي على هدايتكم ولا على قتلكم، وإنما أنا نذير مبين، أنذركم عذاب الله وأخوفكم منه في الدنيا والآخرة، وإنذاري بين واضح، أقول: إنكم على باطل.. على شرك.. على كفر.. عبدة أصنام، تحاربون دعوة الله وتحاربون أولياءه، وسوف ينزل بكم العذاب وأنا ما أستطيع أن أدفعه عنكم ولا أنزله بكم، مهمتي النذارة الواضحة البينة فقط، فبذلك يسكتهم، فماذا يقولون بعد هذا؟
وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ [الأحقاف:9] أي: بيِّن النذارة لا خفاء فيها ولا غموض، ينذرهم ماذا؟ من عذاب الدنيا والآخرة، فإذا كفروا بالله ورسوله وأعرضوا عن شرع الله وكتابه فوالله! ليصيبنهم الذل والخزي والعار والفقر والبلاء في الدنيا، وعذاب الآخرة أشد وأبقى في جهنم.
وهذه الكلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قرآنية ما زالت كما هي، والله! ما الرسول صلى الله عليه وسلم إلا نذير مبين، فمن استجاب لدعوته ومشى وراءه وطبق شرعه سعد وتمت سعادته في الدنيا، أما في الآخرة فلا تسأل، فإن الجنة دار المتقين، دار الأبرار، ومن أعرض عنه ولم يستجب لنذارته ولا لتخويفه ولا لتوعده، وأعرض واستمر على الكفر والفسق والفجور فوالله! ليشقين في الدنيا والآخرة معاً والعياذ بالله تعالى.
كما قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] هذه خلاصة القرآن والدعوة المحمدية: ما آتاكم خذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا، ما أذن في فعله وقوله وأباح فافعلوا، وما نهى عنه وحرم فاتركوه.
استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
تفسير سورة الأحقاف (8) | 3866 استماع |
تفسير سورة الفتح (8) | 3476 استماع |
تفسير سورة الأحقاف (7) | 3332 استماع |
تفسير سورة ق (6) | 3237 استماع |
تفسير سورة الفتح (1) | 3132 استماع |
تفسير سورة الأحقاف (1) | 3066 استماع |
تفسير سورة ق (2) | 3055 استماع |
تفسير سورة الفتح (3) | 3025 استماع |
تفسير سورة الأحقاف (4) | 2977 استماع |
تفسير سورة الفتح (4) | 2900 استماع |