خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/142"> الشيخ ابو بكر الجزائري . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/142?sub=116"> تفسير سور الأنبياء والحج والمؤمنون والنور
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
تفسير سورة المؤمنون (3)
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
قال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ [المؤمنون:12-16].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ [المؤمنون:12]، هذه الآيات معطوفة على الآيات السابقة، وهي قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1]، ففي الآيات السابقة بين تعالى ما أعده وهيأه لعباده المؤمنين قبل أن يخلق أباهم آدم، وهي الفردوس الأعلى، ولا ننسى أننا نسأل الله تعالى أن نكون من أولئك المبشرين بالفردوس الأعلى، وفي نفس الوقت نحافظ على إيماننا ونعمل على تزكيته وتقويته، فنحافظ على الصلوات وخاصة الخشوع فيها، ونحافظ على أداء الأمانات، ونطهر أنفسنا من كل الأدناس والأرجاس وخاصة ما يلوثها كالزنا واللواط والربا وما إلى ذلك؛ رجاء أن نمنح هذه العطية الإلهية وهي الفردوس الأعلى.
وهنا يقول تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ [الحجر:26]، يعني: آدم أبا البشرية جمعاء، فخلق الجنة قبل خلق آدم، وخلق النار قبل خلق آدم، وأوجب بعد ذلك من يسكنهما ويدخلهما فيخلد فيهما، وقد علمتم -وزادكم الله علماً- أن أهل الجنة دار النعيم هم أصحاب الأرواح الزكية، والنفوس الطاهرة الطيبة، وأن جهنم دار الشقاء أهلها وسكانها هم أهل الأرواح الخبيثة والنفوس الشريرة، وذلك كما علمتم هو قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، أليس هذا حكم الله تعالى؟ بلى، والله لهو حكم الله تعالى، فقد أفلح من زكى نفسه، أي: عمل على تزكيتها فزكت.
كما قد علمتم مواد التزكية للنفس، ومنها: جلستنا هذه نتلو كتاب الله ونتدارسه، بل كل عمل صالح، وكل قول صالح، وكل اعتقاد مشروع، فهو من أدوات التزكية للنفس البشرية، وفي نفس الوقت نحافظ على زكاة أرواحنا، فلا نلوثها بمعصية الله ورسوله، لا بالكلمة ولا بالنظرة ولا بالحركة، وإنما نتجنب كل ما حرمه الله في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك حتى يبقى ذلك الطهر في النفس إلى ساعة أن تتغرغر وتخرج الروح، وعند ذلك يأخذها ملك الموت وهي أزكى ما تكون، وأطيب وأطهر ما تكون، ويُستأذن لها في السموات سماء بعد سماء فيفتح لها حتى ينتهى بها إلى سدرة المنتهى إلى جنة المأوى، وهذه هي الروح الطاهرة النقية.
وأما الخبيثة المنتنة بأوضار الشرك والكفر وكبائر الذنوب والآثام فيستفتح لها ولا يفتح لها، فترد إلى أسفل سافلين، واقرءوا: ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ [التين:5-6]، واقرءوا أيضاً هذه الآية من سورة الأعراف: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40]، وهل البعير يدخل في عين الإبرة؟! مستحيل! فكذلك أصحاب الأرواح الخبيثة مستحيل أن تدخل دار السلام.
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ [المؤمنون:12]، يعني: آدم الإنسان الأول، إذ خلقه الله بيديه، وبالأمس عرفتم أن هناك ثلاثة أشياء خلقها الله بيديه، فالأولى: آدم عليه السلام، إذ خلقه بيديه ونفخ فيه من روحه، والثانية: ألواح موسى عليه السلام، إذ قال تعالى: وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ [الأعراف:145]، والثالثة: الفردوس الجنة العليا، والتي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس الأعلى )، وقد علمنا أن أنهار الجنة الأربعة تتفجر من تلك الجنة وتنزل على باقي الجنان.
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ [المؤمنون:12]، يقال: سلّ الشيء إذا استله سلالة، واستلّ الشعرة من العجين، وسلّ من عيني كذا، أي: انتزعها، فالطينة التي خلق الله منها آدم كانت طينة، فاستل الأصل منها، إذ هي من صلصال من حمأ مسنون كالفخار، فاستل منها الطيب الطاهر الصالح، وصنع منها بيديه آدم عليه السلام، واقرءوا قول الله تعالى: هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا [الإنسان:1]؟ إي نعم، فقد أتى على آدم أربعون سنة وهو صورة وهيكل فقط، لكنه إنسان بكامل أجزائه لم ينفخ الله فيه الروح، هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ [الإنسان:1]؟ قد أتى على الإنسان، حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ [الإنسان:1]، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إنه أربعون سنة )، لم يمكن شيئاً مذكوراً.
ثم قال تعالى: إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ [الإنسان:2]، أي: إنا خلقنا الإنسان -غير آدم- من نطفة، وأمشاج بمعنى: أخلاط، أي: أن ماء الرجل يختلط مع ماء المرأة، ومن ثم يتكون الجنين، نَبْتَلِيهِ [الإنسان:2]، أي: نختبره ونمتحنه، نختبره: أيطيعنا؟ أيشكرنا؟ أيعبدنا؟ أم يتكبر علينا؟ أم يكفر بنا؟ ولهذا فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [الإنسان:2]، أي: جعله الله تعالى يسمع ويبصر، فلو أن الإنسان فقد السمع والبصر فهو غير مكلف، ومن فقد السمع وبقي البصر فهو مكلف، أو فقد البصر وبقي السمع فهو مكلف أيضاً، ووقت التكليف كما تعرفون هو البلوغ، فإذا بلغ الفتى أو الفتاة فقد كلفوا بالتكاليف الشرعية التي يجب أن يقوموا بها؛ ليكملوا ويسعدوا، أما فاقد السمع والبصر، أو الذي لم يبلغ سن التكليف فلا تكليف عليه، إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان:3]، وهداية السبيل هو إنزال الله للكتب، وإرسال الله للرسل، وإيجاد علماء يبينون للناس الطريق إلى السبيل، فمن اهتدى نجا، ومن ضل فقد خسر وخاب وهلك.
ثم قال تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ [المؤمنون:13].
ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً [المؤمنون:13]، وهو ولد آدم، والنطفة: القطرة من الماء، من نطف تنطف إذا سالت، والمراد بذلك: مني الرجل وماء المرأة، ثم بعد كونها نطفة تكون علقة، فتعلق بجدار الرحم كمح البيضة إذا أخذته بأصبعك يعلق بأصبعك، ثم فترة أخرى تكون مضغة، أي: قدر ما يمضغ الإنسان في فمه، ولا تزيد على ذلك، ثم بعد ذلك ينفخ فيها الروح، وفي هذا يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كما في صحيح الأحاديث: ( إن أحدكم -أيها الناس!- ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة )، من ساعة ما يكون ماء أربعين يوماً تتكون تلك النطفة التي هي الحيوان المنوي، ( ثم يكون علقة مثل ذلك )، أي: أربعين يوماً أخرى بالضبط يكون علقة، ( ثم يكون مضغة مثل ذلك )، أي: أربعين يوماً أخرى يكون مضغة، والحاصل أنها أربعة أشهر، أي: مائة وعشرين يوماً، ( ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح )، فإذا سرت فيه الروح أخذ يتكون عظاماً ولحماً، ( ثم يؤمر بكتب أربع كلمات: أجله، ورزقه، وشقي أو سعيد )، أي: يؤمر بكتب أربع كلمات في جبهته، شقي لا بد وأن يعمل عمل الأشقياء، أو سعيد لا بد وأن يعمل عمل السعداء، ورزقه، هل سيكون غنياً أو فقيراً؟ لا بد وأن يكتب كما هو، والأجل، كم سيعيش سنة؟
( إن أحدكم ليجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفة )، فالنطفة ما ينطف ويقطر، ( ثم يكون علقة مثل ذلك )، في الفترة التي سبقت، أي: أربعين يوماً، ( ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ثم يؤمر بكتب أربع كلمات: رزقه وأجله وشقي أو سعيد )، فهذا معنى قوله تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ [المؤمنون:13]، أي: قطرة من المني في قرار مكين وهو الرحم.
مكين أم مكشوف؟ مكين ومحفوظ لا يدخله أي شيء، فهو مكين من المكانة.
ثم قال تعالى: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:14] ثم خلقنا النطفة علقة، فالتي كانت نطفة خلقها الله علقة، وذلك حسب سنته في خلقه، وفي خلال أربعين يوماً وهي تنمو وتتطور حتى تصبح مضغة.
فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً [المؤمنون:14] أي: في أربعين يوماً أخرى -وهي تنمو حسب سنة الله تعالى- تكون مضغة، وذلك قدر الذي يمضغه الإنسان في فمه، لا وصلة لحم أو فخذ كامل، وإنما على قدر فم الإنسان، فسبحان الله! يتكلم الله بهذا حتى يعلم مراد الله تعالى وكلامه كل من يسمع ويريد أن يفهم، وكأنه سبحانه وتعالى يخاطب عوام الناس.
فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا [المؤمنون:14]، أي: كون المضغة عظاماً، وحول المضغة -كانت لحمة- إلى عظام، ثم كسا العظام باللحم، ومن ثم تكون الإنسان.
معنى قوله تعالى: (ثم أنشأناه خلقاً آخر)
والسبب كما علمتم أن إبليس عدو الإنسان الأول لا يريد للإنسان أن يكمل ويسعد أبداً؛ لأنه يقول: أنا شقيت بسببه، فلهذا أنا أعمل على أن يشقى كل بني آدم، فهذه مهمته وهذه مهمة أولاده وذريته إلى يوم القيامة، وثانياً: أن إبليس لا يملك الإنسان بلجام يقوده أو بعصا يسوقه، وإنما هو فقط التزيين للباطل والتحسين للقبيح من القول والعمل والاعتقاد، فلهذا أولياء الله إذا شعروا بنفخته لعنوه واستعاذوا بالله منه، وعن شماله ينفث المسلم ثلاث مرات، ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فيرحل ويتركك، أو شعر المسلم بهاجس في قلبه أو بخاطر سيئ حتى ولو كان في الصلاة، فإنه ينفث عن يساره ثلاث مرات ويقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاث مرات، فيذهب ويتركه، فإن رجع فنفث أيضاً وطرده.
هكذا يقول تعالى وقوله الحق: وَلَقَدْ خَلَقْنَا [المؤمنون:12]، أي: نحن رب العزة والجلال والكمال، الإِنسَانَ [المؤمنون:12]، أي: آدم عليه السلام، من مادة؟ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً [المؤمنون:12-13]، أي: ولد آدم، فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ [المؤمنون:13-14]، أي: أنشأناه خلقاً آخر فأصبح إنساناً غير الذي سبق.
معنى قوله تعالى: (فتبارك الله أحسن الخالقين)
واللطيفة هنا: يروى أن عمر لما سمع هذه الآية: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ [المؤمنون:14]، قال عمر: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:14]، فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله قد أنزل ذلك موافقة لـعمر، بل قد وافق عمر ربه في عدة مسائل، ومنها: حجاب نساء الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنها: الصلاة خلف مقام إبراهيم، ومنها: الحكم على أسرى بدر، ومنها: في الخمر، ويبقى السر كيف يوافق ربه في ذلك؟ والجواب: لصفاء روحه وطهارة نفسه، إذ إن الشياطين لا تقربه ولا تستطيع أن تنزل معه منزله، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ما سلك
وهنا قد يقال: إن عيسى عليه السلام كان يخلق، فكيف ذلك؟! نعم كان يخلق بإذن الله تعالى، ويبقى أن نعلم أنه ليس هناك خالق مع الله تعالى، إذ لا خالق إلا الله تعالى، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54]، والخالق بمعنى الصانع عند العرب، فإذا صنع فلان ثوباً أو شيئاً آخر قالوا: خلق، فلا نريد أن نفهم أنه يوجد خالق مع الله تعالى؛ لأن الله قال: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:14]، فلا بد من فهم هذا، والصناع كثير الذين يصنعون العجائب، سواء من الطين أو من الحديد أو من الذهب أو من الفضة أو ما إلى ذلك، لكن أحسنهم صنعاً هو الله عز وجل، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:14].
ثم يقول تعالى: ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ [المؤمنون:14] بالنفخ فيه، إذ يأتي الملك وينفخ فيه الروح من الله عز وجل، فتسري في الجسم، فالعين تفتح، والأذن تسمع، والجسم يتحرك، فمن يخلق هذا؟ لو تجتمع البشرية كلها على خلق ذبابة ما استطاعت فضلاً عن إنسان، ومع هذا كيف يكفرون بالله ولا يؤمنون بوجوده ولا بعلمه ولا بحكمته ولا بقدرته، وإنما يعرضون عن ذكره ولا يريدون أن يسمعوا عنه؟!
والسبب كما علمتم أن إبليس عدو الإنسان الأول لا يريد للإنسان أن يكمل ويسعد أبداً؛ لأنه يقول: أنا شقيت بسببه، فلهذا أنا أعمل على أن يشقى كل بني آدم، فهذه مهمته وهذه مهمة أولاده وذريته إلى يوم القيامة، وثانياً: أن إبليس لا يملك الإنسان بلجام يقوده أو بعصا يسوقه، وإنما هو فقط التزيين للباطل والتحسين للقبيح من القول والعمل والاعتقاد، فلهذا أولياء الله إذا شعروا بنفخته لعنوه واستعاذوا بالله منه، وعن شماله ينفث المسلم ثلاث مرات، ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فيرحل ويتركك، أو شعر المسلم بهاجس في قلبه أو بخاطر سيئ حتى ولو كان في الصلاة، فإنه ينفث عن يساره ثلاث مرات ويقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاث مرات، فيذهب ويتركه، فإن رجع فنفث أيضاً وطرده.
هكذا يقول تعالى وقوله الحق: وَلَقَدْ خَلَقْنَا [المؤمنون:12]، أي: نحن رب العزة والجلال والكمال، الإِنسَانَ [المؤمنون:12]، أي: آدم عليه السلام، من مادة؟ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً [المؤمنون:12-13]، أي: ولد آدم، فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ [المؤمنون:13-14]، أي: أنشأناه خلقاً آخر فأصبح إنساناً غير الذي سبق.
ثم قال الله عز وجل: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:14]، العرب يطلقون لفظ الخلق على الصنعة، فالصانع والخالق عندهم بمعنى واحد، يقال: فلان صنع، أي: خلق، فالذي يوجد الشيء على غير مثال سابق يكون قد صنعه.
واللطيفة هنا: يروى أن عمر لما سمع هذه الآية: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ [المؤمنون:14]، قال عمر: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:14]، فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله قد أنزل ذلك موافقة لـعمر، بل قد وافق عمر ربه في عدة مسائل، ومنها: حجاب نساء الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنها: الصلاة خلف مقام إبراهيم، ومنها: الحكم على أسرى بدر، ومنها: في الخمر، ويبقى السر كيف يوافق ربه في ذلك؟ والجواب: لصفاء روحه وطهارة نفسه، إذ إن الشياطين لا تقربه ولا تستطيع أن تنزل معه منزله، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ما سلك
وهنا قد يقال: إن عيسى عليه السلام كان يخلق، فكيف ذلك؟! نعم كان يخلق بإذن الله تعالى، ويبقى أن نعلم أنه ليس هناك خالق مع الله تعالى، إذ لا خالق إلا الله تعالى، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54]، والخالق بمعنى الصانع عند العرب، فإذا صنع فلان ثوباً أو شيئاً آخر قالوا: خلق، فلا نريد أن نفهم أنه يوجد خالق مع الله تعالى؛ لأن الله قال: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:14]، فلا بد من فهم هذا، والصناع كثير الذين يصنعون العجائب، سواء من الطين أو من الحديد أو من الذهب أو من الفضة أو ما إلى ذلك، لكن أحسنهم صنعاً هو الله عز وجل، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:14].
ثم قال تعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ [المؤمنون:15]. ما منا من أحد ألا سيموت. أي: ثم إنكم بعد هذا الخلق وهذا الصنع وهذا التدبير لميتون، فكيف يكفر بالله؟ فقط إذا تجاهل الخلق، وكيف يتجاهل الموت؟ ولم يموت الإنسان؟ لو تجتمع البشرية كلها على ألا يموت فلان والله ما تستطيع، بل ولا تقدر على ذلك، فكيف لا يؤمنون بالله عز وجل؟ أولاً: خلقهم، وثانياً: يميتهم، ثم إذا أسلموا وعرفوا لمَ يميتهم؟ من أجل أن يجزيهم على أعمالهم، فالموت علة من العلل، وذلك من أجل أن يجزينا على عملنا في هذه الدنيا، وقد أوجد الدار الآخرة من أجل الجزاء فيها فقط، وقد اتضح لكم هذا المقام كثيراً، إذ أراد الله تعالى أن يخلق الخلق فخلق قلماً فقال: اكتب، فكتب كل ما هو كائن إلى يوم القيامة، ومن ذلك الملائكة والإنس والجن، ودار الشقاء ودار النعيم، وأعمال العباد كلهم خيرها وشرها.
إذاً: فأقول: لم لا يؤمنون بالله؟ والجواب: لأنهم لا يريدون أن يعبدوه، فيهربون من الإيمان بسبب العبادة، وهذا هو الغالب، فلا يريد أن يؤمن الشيوعي البلشفي.. العلماني حتى لا يتوضأ أو يصلي، أو حتى لا يخرج من ماله أو يخرج من عمله المحرم عليه، فيقول: لا إله والحياة مادة.
ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ [المؤمنون:15]، لم ما قال: لمائتون؟ والصواب: مات يموت فهو ميت لا مائت تخفيفاً، وهو على ألسنة العرب، والقياس أن نقول: مائتون، من مات يموت فهو مائت، كباع يبيع فهو بائع، وغزا يغزو فهو غاز، ولا يقال: غائز، وكل ذلك للتخفيف، والشاهد عندنا: لميتون بمعنى: مائتون، فهل هناك من يرد على الله تعالى هذا الحكم؟ الجواب: لا.