وهي: ادعاؤه زياداً وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر.
الجواب: المراد بزياد هنا؛ هو زياد بن سمية، وهي أمه كانت أمة للحارث بن كلدة، زوجها لمولاه عبيد، فأتت بزياد على فراشه وهم بالطائف قبل أن يسلم أهل الطائف. انظر ترجمته في الإصابة (2/ 527 - 528) ، والاستيعاب ترجمة رقم (829) وطبقات ابن سعد (7/ 99) وغيرها.
إن قضية نسب زياد بن أبيه تعد من القضايا الشائكة في التاريخ الإسلامي؛ لأنها تثير عدداً من الأسئلة يصعب الإجابة عليها، مثل:-
1 -لماذا لم تثر هذه القضية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، مثلما أثيرت قضايا مشابهة لها عند فتح مكة؟
مثل قضية: نسب ابن أمة زمعة بن قيس الذي ادعاه عتبة بن أبي وقاص، انظر القصة في صحيح البخاري مع الفتح (12/ 32 - 33) .
2 -لماذا لم تثر هذه القضية في حياة أبي سفيان رضي الله عنه؟
3 -لماذا لم تثر هذه القضية في أثناء خلافة علي رضي الله عنه، خاصة عندما كان زياد من ولاة علي؛ لأن في إثارتها في تلك الفترة مكسباً سياسياً لمعاوية رضي الله عنه؛ إذ قد يترتب على ذلك انتقال زياد من معسكر علي إلى معسكر معاوية؟
4 -لماذا أثيرت هذه القضية في سنة (44 هـ) وبعد أن آلت الخلافة إلى معاوية رضي الله عنه؟
ومهما يكن من أمر فإن قضية نسب زياد تعد من متعلقات أنكحة الجاهلية، ومن أنواع تلك الأنكحة ما أخرجه البخاري في صحيحه من طريق عائشة رضي الله عنها: (إن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء - بمعنى: أنواع: فنكاح منها نكاح الناس اليوم، يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها - أي يعين صداقها - ثم ينكحها.
ونكاح آخر، كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها - حيضها: أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه - أي اطلبي منه الجماع - ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبداً حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد - النجيب: الكريم الحسب -، فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع.
ونكاح آخر يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت ومر ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، تقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد ولدت، فهو ابنك يا فلان، فتسمي من أحبت باسمه، فيلحق به ولدها ولا يستطيع أن يمتنع به الرجل.
والنكاح الرابع: يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمنع من جاءها، وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علماً، فمن أردهن دخل عليهن، فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها، جمعوا لها و دعوا لها القافة - جمع قائف، وهو الذي يعرف شبه الولد بالوالد بالآثار الخفية - ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاطه به - أي استلحقه به - ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك.
فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق، هدم نكاح الجاهلية كله، إلا نكاح الناس اليوم. الفتح مع الصحيح (9/ 88 - 89) .
وقد أقر الإسلام ما نتج عن تلك الأنكحة من أنساب، وفي ذلك يقول ابن الأثير: فلما جاء الإسلام .. أقر كل ولد ينسب إلى أب من أي نكاح من أنكحتهم على نسبه، ولم يفرق بين شيء منها. الكامل في التاريخ (3/ 445) .
وأما الذراري الذين جاء الإسلام وهم غير منسوبين إلى آبائهم - كأولاد الزنى - فقد قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه أبو داود بإسناده قال: قام رجل فقال: يا رسول الله إن فلاناً ابني، عاهرت - أي زنيت - بأمه في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا دعوة في الإسلام، ذهب أمر الجاهلية، الولد للفراش، وللعاهر الحجر. صحيح سنن أبي داود(2/ 430) .
أما القول إن سبب سكوت أبي سفيان رضي الله عنه من ادعاء زياد هو خوفه من شماتة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. انظر القصة في الاستيعاب لابن عبد البر (2/ 525) . فهذا القول مردود بما يلي:-