ذهب جمهور الفقهاء والأصوليين في تعريف الصحابي إلى أنه:-
من لقي النبي صلى الله عليه وسلم يقظة مؤمناً به، بعد بعثته، حال حياته، و طالت صحبته و كثر لقائه به، على سبيل التبع له، والأخذ عنه، وإن لم يرو عنه شيئاً، و مات على الإيمان.
قولهم: من لقي النبي .. الخ: تقدم شرح ذلك و بيان ما فيه، في تعريف الصحابي عند جمهور المحدثين.
و قولهم: طالت صحبته:- أي أن يكون الصحابي قد جالس النبي صلى الله عليه وسلم و لقيه كثيراً.
و قد اختلف العلماء في المدة التي يقال فيها طالت صحبته، فمنهم من حددها بسنة فأكثر، وعليه ابن المسيب، كما نقله عنه الشوكاني في إرشاد الفحول (ص 70) ، وابن الهمام في التحرير (3/ 66) و الآلوسي في أجوبته العراقية (ص 9) وغيرهم.
و منهم من حددها بستة أشهر فأكثر، كما نقله عن بعض العلماء صاحب التيسير (3/ 66) و الشوكاني في إرشاد الفحول (ص 70) والآلوسي في الأجوبة العراقية (ص 9) و غيرهم.
و قد رد على هذين القولين بما ذكره الشوكاني في إرشاد الفحول (ص 70) حيث قال: ولا وجه لهذين القولين، لاستلزامهما خروج جماعة من الصحابة الذين رووا عنه ولم يبقوا لديه إلا دون ذلك، و أيضاً لا يدل عليهما دليل من لغة ولا شرع.
ومنهم من رأى أنها لا تحدد بمقدار، وإنما هي تطول بحيث يطلق عليها اسم الصحبة عرفاً.
و هذا هو القول الراجح والأصح عندهم، وإليه ذهب الجمهور منهم.
و قولهم: على سبيل التبع له والأخذ عنه:- هذا قيد إنما جيء به في الحقيقة لبيان الواقع، لأن من طالت صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم عرفاً لا يكون إلا على سبيل المتابعة له والأخذ عنه، ولا يصح أن يكون قيداً له مفهوم، إذ لا نعلم أن هناك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من طالت صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن متابعاً له، آخذاً عنه.
و قولهم: وإن لم يرو عنه شيئاً:- اختلف جمهور أهل الفقه والأصول في ذلك، فمنهم من يشترط لثبوت الصحبة ثبوت الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم، مثل: الشوكاني في إرشاد الفحول (ص 70) والسيوطي في تدريب الراوي (2/ 112) وغيرهم.
ومنهم من ذهب إلى أنه لا يشترط لثبوت الصحبة ثبوت الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم، مثل: القاضي أبي يعلى الفراء في العدة (ص 3/ 989) والآمدي في الإحكام (1/ 275) و السبكي في جمع الجوامع (2/ 179) و غيرهم.
والقول الراجح هو القول الثاني؛ لأن القول باشتراط الرواية لتحقق مفهوم الصحبة يؤدي إلى خروج كثير من الصحابة الذين لم تحفظ لهم رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع اتفاق العلماء الذين ترجموا للصحابة على عدهم فيهم. و قد تقدمت الأمثلة على ذلك في تعريف الصحابي عند جمهور المحدثين.
ومن خلال ما ذكرت نستطيع أن نقول الآن بأن التعريف الراجح للصحابي هو ما ذهب إليه جمهور المحدثين، و ذلك لسلامة أدلتهم و خلوها من الانتقاد. والله أعلم.
نقول وبالله التوفيق: هناك طريقتين لإثبات الصحبة:-