بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد:-
إن موضوع عدالة الصحابة من المواضيع المهمة التي يجب على كل مسلم أن يعرفه حق المعرفة، و قد ترددت كثيراُ في الكتابة أو الحديث عن هذا الموضوع لحساسيته و عظم شأنه، لكن الذي دفعني للكتابة هو ما سمعته و قرأته من أقوال الجهال أصحاب الهوى ممن ينتسبون للعلم و هو منهم براء، أسمعهم يتشدقون بأقوال و كلمات ما أنزل الله بها من سلطان في حق الصحابة و ما شجر بينهم، متذرعين بشبهات يتشبثون بها، وروايات ضعيفة ساقطة موضوعة مكذوبة واهية أوهى من خيوط العنكبوت، يتلقفونها و يلتقطونها من كتب الأدب و التاريخ و قصص السمر و الكتب المنحولة و الضعيفة ككتاب الأغاني و البيان و التبيين و الإمامة و السياسة و نهج البلاغة و غيرها من الكتب فيطيرون بها في الآفاق كشيطان العقبة.
مثل تكفير بعض الصحابة أو الطعن في خلافة عثمان أو علي أو سبٍ للصحابة أمثال: معاوية و عائشة و طلحة و الزبير و أبو موسى الأشعري و عمرو بن العاص و غيرهم رضي الله عنهم أجمعين.
يقول الإمام مالك في الذين يقدحون في الصحابة: إنما هؤلاء أقوام أرادوا القدح في النبي صلى الله عليه وسلم فلم يمكنهم ذلك، فقدحوا في أصحابه حتى يقال رجل سوء و لو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين. الصارم المسلول (ص 553) .
و هذا القول من الإمام مالك منطلق من نظرته البعيدة إلى أبعاد الخبر فليس الأمر قدحاً في الصحابة فقط، بل إن هذا يجر إلى ما هو أخطر منه.
و بهذا المنظار انطلق ابن تيمية رحمه الله بقوله: الطعن فيهم - أي في الصحابة - طعن في الدين. منهاج السنة (1/ 18) . و الأمثلة في هذا كثيرة.
و إن الباحث المسلم كثيراً ما يحس بالمرارة، أو يصاب بخيبة الأمل، و هو يتابع تفاصيل العصر الراشدي، و هو العصر الذهبي في تاريخ الإسلام، في حشود الروايات التي تقدمها مصادرنا القديمة، و على رأسها تاريخ الرسل و الملوك للإمام الطبري، فيجد البون شاسعاً بين ما يعهده من عدالة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من سلامة في الاعتقاد و استقامة في السلوك، و ما كانوا عليه من خلق كريم، و بين ما تصوره الروايات التي نقلها الرواة و الإخباريين على أنه الواقع التاريخي.