وروى مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس قال: كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواريت خلف باب، فجاء فحطأني حطأة وقال: اذهب وادع لي معاوية، قال: فجئت فقلت هو يأكل، قال: ثم قال لي: اذهب فادع لي معاوية، قال: فجئت فقلت: هو يأكل، فقال: لا اشبع الله بطنه.
قال الحافظ الذهبي في التذكرة (2/ 699) : لعل هذه منقبة لمعاوية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم من لعنته أو شتمته فاجعل ذلك له زكاة و رحمة.
وقال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (16/ 156) : قد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقاً للدعاء عليه، فلهذا أدخله في هذا الباب، وجعله من مناقب معاوية لأنه في الحقيقة يصير دعاءً له.
قلت: وهذا الحديث أخرجه مسلم تحت الأحاديث التي تندرج تحت باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه، وليس هو أهلاً لذلك كان له زكاة وأجراً و رحمة.
وقد كان لمعاوية رضي الله عنه شرف قيادة أول حملة بحرية، وهي التي شبهها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملوك على الأسرة ..
أخرج البخاري رحمه الله في صحيحه من طريق أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان قالت: نام النبي صلى الله عليه وسلم يوماً قريباً مني، ثم استيقظ يبتسم، فقلت: ما أضحكك؟ قال: (أناس من أمتي عرضوا عليّ يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسرة) ، قالت: فادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم نام الثانية، ففعل مثلها، فقالت قولها، فأجابها مثلها، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: (أنت من الأولين) ، فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازياً أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية، فلما انصرفوا من غزوتهم قافلين، فنزلوا الشام، فَقُرِّبت إليها دابة لتركبها، فصرعتها فماتت. البخاري مع الفتح (6/ 22) .
قال ابن حجر معلقاً على رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوله: (ناس من أمتي عرضوا علي غزاة .. ) يشعر بأن ضحكه كان إعجاباً بهم، وفرحاً لما رأى لهم من المنزلة الرفيعة.
وأخرج البخاري أيضاً من طريق أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا) ، قالت أم حرام: قلت: يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: (أنت فيهم) . ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر - أي القسطنطينية - مغفور لهم) ، فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: (لا) . البخاري مع الفتح (6/ 22) . ومسلم (13/ 57) .
ومعنى أوجبوا: أي فعلوا فعلاً وجبت لهم به الجنة. قاله ابن حجر في الفتح (6/ 121) .
قال المهلب بن أحمد بن أبي صفرة الأسدي الأندلسي (ت 435 هـ) معلقاً على هذا الحديث: في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر. انظر الفتح (6/ 120) .
ومن المتفق عليه بين المؤرخين أن غزو البحر وفتح جزيرة قبرص كان في سنة (27 هـ) في إمارة معاوية رضي الله عنه على الشام، أثناء خلافة عثمان رضي الله عنه. انظر تاريخ الطبري (4/ 258) و تاريخ الإسلام للذهبي عهد الخلفاء الراشدين (ص 317) .
ومن فضائله: ما قاله الخلال: أخبرني عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال: قلت لأحمد بن حنبل: أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل صهر ونسب ينقطع إلا صهري ونسبي) ؟ قال: بلى، قلت: وهذه لمعاوية؟ قال: نعم، له صهر ونسب، قال: وسمعت ابن حنبل يقول: مالهم ولمعاوية، نسأل الله العافية. السنة للخلال برقم (654) وإسناد الحديث حسن.
وقد عد ابن حجر الهيتمي ذلك من أبرز فضائله فقال في تطهير الجنان (ص 17 - 18) : ومنه فوزه بمصاهرته صلى الله عليه وسلم، فإن أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها أخته .. فلعلك تنكف أو تكف غيرك عن الخوض في عرض أحد ممن اصطفاهم الله لمصاهرة رسوله.
كما وأن اتفاق كل من عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما وهما من هما في الفضل والصحبة ولهما المكان الأعلى والأمثل من الورع والدين والتقى وسداد الرأي وحسن الفكر وتمام النظر، على تأمير معاوية رضي الله عنه على الشام، لهو أكبر دليل على فضل معاوية و استحقاقه لهذه المنزلة .. فأي فضل بعد هذا؟ !!