و قد اعتبر في التشريع الإسلامي أن الطعن فيهم طعنٌ في الدين الذي هم ورائه. قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (1/ 18) .
و تشويه سيرتهم تشويه للأمانة التي حملوها و تشكيك في جميع الأسس التي قام عليها كيان التشريع في هذه الملة الحنيفية السمحة.
قلت: يلهث الكثير ممن استهوته الشياطين بالطعن في معاوية رضي الله عنه، وإن لم يطعن قلل من شأنه بأنه من مسلمة الفتح وأنه من الطلقاء إلى غيرها من الأمور .. حتى وصل بالبعض منهم إلى أن يتوقف في شأنه و يعرضه على ميزان الجرح والتعديل .. ناسياً أو متناسياً أنه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الأمة قد أجمعت على تعديلهم دون استثناء من لابس الفتن منهم و من قعد .. و لم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة. انظر حول عدالة الصحابة: الاستيعاب لابن عبد البر (1/ 19) و فتح المغيث (3/ 103) و شرح الألفية للعراقي (3/ 13 - 14) والإصابة (1/ 9) و مقدمة ابن الصلاح (ص 147) والباعث الحثيث (ص 181 - 182) وشرح النووي على صحيح مسلم (15/ 149) والتقريب للنووي (2/ 214) والمستصفى للغزالي (ص 189 - 190) وفي غيرها من الكتب.
ذكر النووي في شرح صحيح مسلم (8/ 231) و ابن القيم في زاد المعاد (2/ 126) أن معاوية رضي الله عنه من مسلمة الفتح، أي أنه أسلم سنة (8 هـ) ، في حين ذكر أبو نعيم الأصبهاني كما في معرفة الصحابة (5/ 2496) و الذهبي كما في تاريخ الإسلام - عهد معاوية - (ص 308) أنه أسلم قبيل الفتح.
وقال قوّام السنة في سير السلف الصالحين (2/ 663) رواية عن معاوية رضي الله عنه أنه يقول فيها: أسلمت عام القضية، لقيت النبي صلى الله عليه وسلم فقبل إسلامي، وعام القضية هو العام الذي صُد النبي صلى الله عليه وسلم عن البيت (عام 6 هـ) . وانظر هذا الخبر في تاريخ الطبري (5/ 328) والبداية والنهاية لابن كثير (8/ 21) والاستيعاب لابن عبد البر (3/ 395) .
وقال الإمام أبو نعيم الأصبهاني في معرفة الصحابة (5/ 2496) في ترجمة معاوية رضي الله عنه: كان من الكتبة الحسبة الفصحة، أسلم قبيل الفتح، وقيل عام القضية وهو ابن ثمان عشرة، وعده ابن عباس من الفقهاء، قال: كان فقيهاً ..
ومرد الاختلاف بين المصادر حول تاريخ إسلام معاوية رضي الله عنه يعود إلى كون معاوية كان يخفي إسلامه، كما ذكر ذلك ابن سعد في الطبقات (1/ 131) ، وهو ما جزم به الذهبي، حيث قال: أسلم قبل أبيه في عمرة القضاء - أي في سنة (7 هـ) - وبقي يخاف من الخروج إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أبيه .. وأظهر إسلامه عام الفتح. انظر: تاريخ الإسلام - عهد معاوية - (ص 308) .
وبعد هذا هل يبقى مطعن في معاوية رضي الله عنه من كونه من مسلمة الفتح - وليس في ذلك مطعن - وإن سلمنا بأنه من مسلمة الفتح؛ فهل هذا يقلل من شأن صحبته رضي الله عنه؟!
و فضائل معاوية رضي الله عنه كثيرة ثابتة عموماً و خصوصاً، فبالإضافة إلى ما تم ذكره من الفضائل العامة، أورد شيئاً من فضائله الخاصة ..
روى الترمذي في فضائل معاوية أنه لما تولى أمر الناس كانت نفوسهم لا تزال مشتعلة عليه، فقالوا كيف يتولى معاوية و في الناس من هو خير مثل الحسن و الحسين. قال عمير و هو أحد الصحابة: لا تذكروه إلا بخير فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم اجعله هادياً مهدياً و اهد به. رواه الإمام أحمد في المسند (4/ 216) و صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3/ 236) وقال في الصحيحة (4/ 615) بعد أن ذكر طرقه: رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، فكان حقه أن يصحح .. وقال: وبالجملة فالحديث صحيح وهذه الطرق تزيده قوة على قوة، و زاد الإمام الآجري في كتابه الشريعة (5/ 2436 - 2437) لفظة: (ولا تعذبه) .
وقد اعتبر ابن حجر الهيتمي هذا الحديث من غرر فضل معاوية وأظهرها، ثم قال: ومن جمع الله له بين هاتين المرتبتين كيف يتخيل فيه ما تقوّله المبطلون ووصمه به المعاندون. تطهير اللسان (ص 14) .
و أخرج الإمام أحمد، عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعونا إلى السحور في شهر رمضان، قال: (هلموا إلى الغداء المبارك) ، ثم سمعته يقول: (اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب) . فضائل الصحابة (2/ 913) إسناده حسن لغيره.