""""صفحة رقم 170""""
والثالث أنا نقطع بأن الخلاف في مسائل الاجتهاد واقع ممن حصل له محض الرحمة وهم الصحابة ومن إتبعهم بإحسان رضى الله عنهم بحيث لا يصح إدخالهم في قسم المختلفين بوجه فلو كان المخالف منهم في بعض المسائل معدودا من أهل الاختلاف - ولو بوجه ما - لم يصح إطلاق القول في حقه انه من أهل الرحمة
وذلك باطل بإجماع أهل السنة
والرابع ان جماعة من السلف الصالح جعلوا اختلاف الأمة في الفروع ضربا من ضروب الرحمة وإذا كان من جملة الرحمة فلا يمكن أن يكون صاحبه خارجا من قسم أهل الرحمة
وبيان كون الاختلاف المذكور رحمة ما روى عن القاسم بن محمد قال لقد نفع الله باختلاف أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في العمل لا يعمل العامل بعلم رجل منهم إلا رأى انه في سعة
وعن ضمرة بن رجاء قال اجتمع عمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد فجعلا يتذاكران الحديث - قال - فجعل عمر يجىء بالشىء يخالف فيه القاسم - قال - وجعل القاسم يشق ذلك عليه حتى بين فيه فقال له عمر لا تفعل فما يسرنى باختلافهم حمر النعم
وروى ابن وهب عن القاسم أيضا قال لقد أعجبنى قول عمر بن عبد العزيز
ما أحب أن أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) لا يختلفون لانه لو كان قولا واحدا لكان الناس في ضيق وإنهم أئمة يقتدى بهم فلو أخذ رجل بقول أحدهم كان سنة
ومعنى هذا انهم فتحوا للناس باب الاجتهاد وجواز الاختلاف فيه لأنهم لو لم يفتحوه لكان المجتهدون في ضيق لأن مجال الاجتهاد ومجالات الظنون