""""صفحة رقم 80""""
والجنايات كلها عادي لأن أحكامها معقوله المعنى ولا بد فيها من التعبد إذ هي مقيدة بأمور شرعية لا خيرة للمكلف فيها كانت اقتضاء أو تخييرا فإن التخيير في التعبدات إلزام كما أن الاقتضاء إلزام - حسبما تقرر برهانه في كتاب الموافقات - وإذا كان كذلك فقد ظهر اشتراك القسمين في معنى التعبد فإن جاء الابتداع في الأمور العادية من ذلك الوجه صح دخوله في العاديات كالعباديات وإلا فلا
وهذه هي النكتة التي يدور عليها حكم الباب ويتبين ذلك بالأمثلة فمما أتى به القرافي وضع المكوس في معاملات الناس فلا يخلو هذا الوضع المحرم ان يكون على قصد حجر التصرفات وقتا ما أو في حالة ما لنيل حطام الدنيا على هيئة غصب الغاصب وسرقة السارق وقطع القاطع للطريق وما اشبه ذلك أو يكون على قصد وضعه على الناس كالدين الموضوع والامر المحتوم عليهم دائما أو في أوقات محدودة علي كيفيات مضروبة بحيث تضاهى المشروع الدائم الذي يحمل عليه العامة ويؤخذون به وتوجه على الممتنع منه العقوبة كما في أخذ زكاة المواشى والحرث وما أشبه ذلك
فأما الثاني فظاهر أنه بدعة إذ هو تشريع زائد وإلزام للمكلفين يضاهي إلزامهم الزكاة المفروضة والديات المضروبة والغرامات المحكوم بها في اموال الغصاب والمتعبدين بل صار في حقهم كالعبادات المفروضة واللوازم المتحومة أو ما أشبه ذلك فمن هذه الجهة يصير بدعة بلا شك لانه شرع مستدرك وسن في التكليف مهيع فتصير المكوس على هذا الفرض لها نظران نظر من جهة كونها محرمة على الفاعل أن يفعلها كسائر أنواع الظلم ونظر من جهة كونها