""""صفحة رقم 40""""
وأيضا فإن صاحب البدعة إنما يخترعها ليضاهي بها السنة حتى يكون ملبسا بها على الغير أو تكون هي مما تلتبس عليه بالسنة إذ الإنسان لا يقصد الاستتباع بأمر لا يشابه المشروع لأنه إذ ذاك لا يستجلب به في ذلك الابتداع نفعا ولا يدفع به ضررا ولا يجيبه غيره إليه
ولذلك تجد المبتدع ينتصر لبدعته بأمور تخيل التشريع ولو بدعوى الاقتداء بفلان المعروف منصبه في اهل الخير
فانت ترى العرب الجاهليه في تغيير ملة إبراهيم عليه السلام كيف تأولوا فيما احدثوه احتجاجا منهم كقولهم في اصل الاشراك ) ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى( وكترك الخمس الوقوف بعرفة لقولهم لا نخرج من الحرم اعتدادا بحرمته وطواف من طاف منهم بالبيت عريانا قائلين لا نطوف بثياب عصينا الله فيها وما اشبه ذلك مما وجهوه ليصيروه بالتوجيه كالمشروع فما ظنك بمن عد أو عد نفسه من خواص اهل الملة فهم أحرى بذلك وهم المخطئون وظنهم الإصابة وإذا تبين هذا ظهر أن مضاهاة الأمور المشروعة ضرورية الأخذ في أجزاء الحد
وقوله يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله تعالى هو تمام معنى البدعة اذ هو المقصود بتشريعها
وذلك ان اصل الدخول فيها يحث على الانقطاع إلى العباده والترغيب في ذلك لان الله تعالى يقول )وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ( فكأن المبتدع رأى ان المقصود هذا المعنى ولم يتبين له ان ما وضعه الشارع فيه من القوانين والحدود كاف فرأى من نفسه انه لا بد لما اطلق الامر فيه من قوانين منضبطة وأحوال مرتبطة مع ما يداخل النفوس من حب الظهور أو عدم مظنته فدخلت في هذا الضبط شائبة البدعة