الصفحة 15 من 73

يقول ابن تيمية:"وأما السياحة التي هي الخروج في البرية فليست من عمل هذه الأمة" (1) , وقول الإمام الذهبي:"الطريقة المثلي هي المحمدية , وهو الأخذ من الطيبات , وتناول الشهوات المباحة من غير إسراف , فلم يشرع لنا الرهبانية ولا الوصال ولا صوم الدهر والجوع أبو جاد الترهب" (2) ."وقد لُبِّس عليهم في ترك المال كله , وكانت مقاصدهم حسنة وأفعالهم خطأ والعجيب من الحارث المحاسبي والغزالي كيف حثوا على ذلك , وأما استشهاد الحارث بأن عبدالرحمن بن عوف يوقف في عرصة القيامة بسبب مال كسبه من حلال فهذا خطأ وجهل بالعلم وقصة حبس ابن عوف غير صحيحة , ولم ينه الله عز وجل عن جمع المال وإنما النهي عن القصد بالجمع" (3) .

إن السلف عندما فهموا الإسلام فهماً صحيحاً لم يتعمقوا ويشددوا على أنفسهم , فهذا سيد التابعين سعيد بن المسيب يقول له مولاه برد: ما رأيت أحسن ما يصنع هؤلاء , قال سعيد: ما يصنعون ؟ قال: يصلي أحدهم الظهر ثم لا يزال صافاً رجليه يصلي حتى العصر , قال سعيد: ويحك يا برد, أما والله ما هي بالعبادة , تدري ما العبادة ؟ إنما العبادة التفكر في أمر الله والكف عن محارم الله (4) .

إن هذا الجسد مطية للنفس فإذا لم تعط هذه المطية حقها لم تستطع أن تحمل النفس بآمالها الكبيرة , ولكن عندما يحدث الزهد غير المشروع والتبتل والجوع وترك اللحم , الاقتصار على كسرة الخبز وشربة الماء و عندئذ تلزمه خطرات النفس ويسمع أشياء تتولد عن الجوع والسهر , وربما أدى به إلى أمراض نفسية ,"والوصول إلى العبادة لا يكون إلا بالحياة الدنيا ولا سبيل إلى ذلك إلا بحفظ البدن" (5) "ومجرد ترك الدنيا ليس في كتاب الله ولا سنة نبيه وما فيه ضرر في الدنيا مذموم إذا لم يكن نافعاً في الآخرة" (6) .

(1) ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم /105 وقد نقل كلام الإمام أحمد بن حنبل .

(2) سير أعلام النبلاء 12/89 ويعني بكلمة ( أبو جاد ) البداية والمقدمة .

(3) تلبيس إبليس /180.

(4) ابن سعد: الطبقات 5/135 .

(5) الذريعة إلى مكارم الشريعة / 53 لراغب الأصفهاني .

(6) ابن تيمية: الفتاوى 20/148 .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام