إن أهل هذه الطبقة من الصوفية صادقون في زهدهم وبعدهم عن الدنيا ولكن فيهم تعمق وتشدد ووساوس لم يأمر بها الشارع بل لا يحبها ونحن لا نستبعد أن يكون هناك من يريد إفساد عقائد المسلمين فإدخال العقائد الباطنية ويكون فعله هذا من وراء ستار كما أخذوا التشيع بالمعنى السياسي وأدخلوه في دهاليز الباطنية (1) , ولذلك يبدر منهم أحياناً كلمات تجعلنا نتوقف عندها طويلاً كما يروى عن الجنيد أنه قال للشبلي: نحن حبرنا هذا العلم تحبيراً ثم خبأناه في السراديب فجئت أنت فأظهرته على رؤؤس الملأ" (2) . مع أن بعض العلماء يستبعد كلمات تنسب إليه مثل قوله (انتهى عقل العقلاء إلى الحيرة) يقول ابن تيمية:"فيه نظر , هل قاله؟ والجنيد الاستقامة غالبة عليه" (3) ."
هذه هي حال الطبقة الأولى فيها زهد مشروع خلط بغير المشروع مع أن أحوالهم في العبادة والأذكار والبعد عن الرياء أحوال عالية , ثم تطور الأمر بعد هذا بإدخال مصطلحات فيها حق وباطل أو تحتمل هذا وذاك وزاد الانحراف واتسعت الفرجة والبعد عن السنة وهو ما سنتكلم عنه الفصل القادم إن شاء الله.
(1) يقول رشيد رضا:"الذي أستنبطه من طول البحث والمقارنة أن أكثر الذين خلفوا نصوص الشريعة بأقوالهم وكتبهم من لابسي لباس التصوف هم باطنية في الحقيقة ثم قلدهم كثير من المسلمين وهم لا يعرفون أصلها"انظر: تاريخ الإمام 1/ 115.
(2) الكلاباذي: التعرف / 145.
(3) منهج ابن تيمية رحمه الله في الجنيد وأمثاله من أوائل الصوفية هو الاعتذار عن بعض كلماتهم واستبعادها لما يرى من صدقهم في عبادتهم , وهذا منهج سديد حيث يغلب الاحتياط لدين المسلم حتى لا يقع في الرجال. ولكن عندما ننظر إلى مجموع ما نقل عن الجنيد ونظرائه فإن الأمر يختلف , فإن كثرة ما روي عنه تشجع على اعتباره من مؤسسي التصوف.