الصفحة 57 من 73

ويسكره الناي ثم الغنا و (يسن) لو تليت ما انصدع (1)

تربى المسلمون الأوائل تربية جهادية , فهم مستعدون دائماً لمصاولة الباطل والدفاع عن الحق , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ينفذون في ذلك سنن الله سبحانه وتعالى , فالشر لا بد من دفعه بالخير و إلا فسدت الأرض , وكان علماء السلف يرابطون في الثغور للحصول على فضيلة الجهاد , مثل الإمام أحمد بن حنبل والإمام عبد الله بن المبارك , وقصة ما كتبه ابن المبارك للفضيل بن عياض يعاتبه فيها على تفرغه للعبادة في مكة وعدم مشاركته في حماية الحدود الإسلامية هي قصة مشهورة , فما هو موقف الصوفية من هذا الموضوع المهم؟ حتى يتبين لنا هذا لا بد من الوقوف على بعض أقوالهم وأفعالهم:

ألف أبو حامد الغزالي كتابه (إحياء علوم الدين) في فترة تغلب الصليبين على بلاد الشام , وتذكر المؤلف كل شيء من أعمال القلوب ولم يتذكر أن يكتب فصلاً عن الجهاد.

يستشهدون دائماً بحديث ليس له أصل ويظنون أنه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على عادتهم في ذكر الأحاديث الضعيفة وهو:"رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر"ويعنون بالجهاد الأصغر القتال في سبيل الله والجهاد الأكبر هو جهاد النفس, وهذا الكلام ليس من هدي النبوة ولم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من هذا , كما أن فيه مغالطة واضحة وأي جهاد أعظم من تقديم المسلم نفسه في سبيل الله , وقولهم هذا ما هو إلا محاولة للهروب من تبعية القتال في سبيل الله , بل هو صرف المسلمين عن هذا العمل العظيم.

استرسل كثير منهم مع القدر الكوني وفهموا هذه المسألة فهماً خاطئاً فظنوا أن الاستسلام لما يقدره الله من عدو أو مرض أو فقر هو من باب الرضى بالقضاء , ولذلك استكانوا للحكام الظلمة وقالوا: هذه إرادة الله وكيف نخالف هذه الإرادة , فهم دائماً مع الحاكم سواء كان مؤمناً أم كافراً , صديقاً أم زنديقاً (2) ولم يعلموا أن قدر الله الكوني يدفع بالقدر الشرعي , فالمرض يدفع بالدواء , والعدو يدفع بالجهاد ...

(1) ابن القيم: إغاثة اللهفان

(2) الفتاوى: 2/ 101.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام