الصفحة 55 من 73

وكان الأوائل يمتنعون عن الزواج تشدداً وتعمقاً ثم تطور الأمر بالمتأخرين من الصوفية إلى مؤاخاة النساء وإعطاء الطريقة للمريد , وحفلات الذكر المختلطة , مما يشعر بدنوهم من مذهب الإباحية عند الباطنية لأن نظرية وحدة الوجود - التي استفحلت عند متأخري الصوفية - تشجع على الإباحية"لأن الثواب والعقاب يصبح من المشكلات فمن الذي يثيبنا حين نحسن؟ ومن الذي يعاقبنا حين نسيء؟ إذا كان الإنسان جزأ من الله , إنها خطر على عالم الأخلاق , بل تأتي على قواعده من الأساس , ولذلك عاش بعض الصوفية عيشة التفكك والانحلال (1) , وقد كان لابن الفارض وهو من شيوخ وحدة الوجود , كان له مغنيات بالقرب من قرية (البهنسا) يذهب إليهن فيغنين له بالدف والشابة وهو يرقص ويتواجد (2) ."

لم يرض عن هذا التطور بعض الصوفية المعتدلون كالشيخ أبي سعيد الأعرابي الذي يقول في كتابه (طبقات النساك) :"إن آخر من تكلم في هذا العلم الجنيد وأنه ما بقي بعد إلا من يستحي من ذكره" (3) , كما حكى عن سهل التستري قوله:"بعد سنة ثلاثمائة لا يحل أن يتكلم بعلمنا هذا لأنه يحدث قوم يتصنعون للخلق (4) ولكن الصوفية استمرت في تدهورها وأصبحت اكتساباً وتملقاً , ولبسوا جلود الضأن وحملوا قلوب الذئاب."

في البداية , وعند أوائل الصوفية كانوا يحضرون مجلس (السماع) وهو الاجتماع في مكان معين لسماع منشد صاحب صوت حسن مع استعمال الإيقاع الموسيقي , ينشد قصائد الزهد وترقيق القلوب , ثم تطوروا إلى إنشاد قصائد الغزل وذكر (ليلى) و (سعدى) ويقولون نحن نقصد بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم , هذه القصائد التي تهيج الحب المطلق , الحب غير المعين , فكلٌ يأخذه حسب هواه وما يعتلج في قلبه من حب الأوطان أو حب النساء ...

وقد أباح لهم هذا السماع أبو حامد الغزالي وأبو عبد الرحمن السلمي وغيرهم , واحتجوا بأشياء واهية ضعيفة , وليس هذا موضوع مناقشة حكم الإسلام في الغناء , فقد رد عليهم العلماء مثل ابن الجوزي وأجاد ابن القيم في مناقضة هذا الموضوع في كتابه (إغاثة اللهفان) , وتبقى الحقيقة أن الأمة المسلمة أمة جادة ولا يحلل هذا الغناء إلا من لا يفقه الإسلام حق الفقه.

(1) زكي مبارك: التصوف 1/ 155 وانظر ابن حزم: الملل والنحل 4/ 226.

(2) الآلوسي: جلاء العينين /75.

(3) آدم متز: الحضارة الإسلامية 2/ 39.

(4) المصدر السابق 2/ 39.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام