قلنا أنه بدأ الكلام عن كيان خاص يسمى ( الصوفية ) وقد يقول معترض: إذا كانت القضية قضية أسماء مستحدثة فقد حدث الانتساب إلى الفقه الشافعي والمالكية ... أو الانتساب إلى الحديث , والجواب هو أنه إذا كانت الأسماء المستحدثة تنسب على علم شرعي يحبه الله ورسوله مثل تعلم الفقه والحديث , ولا يؤدي هذا الانتساب إلى تعصب حول شخص معين فلا مانع من ذلك"والانتساب قد يكون محموداً شرعاً مثل المهاجرون والأنصار وقد يكون مباحاً كالانتساب إلى القبائل والأمصار بقصد التعريف فقط , وقد يكون مكروهاً أو محرماً كالانتساب إلى ما يفضي إلى بدعة أو معصية" (1) .
إن الكتب التي صنفت في هذه الفترة والتي ذكرنا بعضاً منها , هذه الكتب كان للعلماء فيها رأي , قال ابن الجوزي عن كتاب ( قوت القلوب ) : ذكر فيه الأحاديث الباطلة والموضوعة وقال عن ( حلية الأولياء ) لأبي نعيم: لم يستح أن يذكر في الصوفية أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وسادات الصحابة (2) عليه وسئل أبو زرعة عن كتب المحاسبي فقال: إياك وهذه الكتب , فقيل له: في هذه عبرة , قال: من لم يكن له في كتاب الله عز وجل عبرة فليس له في هذه الكتب عبرة (3) .
في هذه المرحلة المبكرة يبدو أن هناك تأثيراً للنصارى في تكون القناعات بتعذيب الجسد كي تصفو الروح . روى أحمد بن أبي الحواري قصة لقائه براهب دير حرملة وقد سأله عن سبب رهبانيته فقال: البدن خلق من الأرض والروح خلقت من ملكوت السماء فإذا جاع بدنه وأعراه وأسهره نازع الروح إلى الموضع الذي خرج منه وإذا أطعمه وأراحه أخلد إلى الأرض وأحب الدنيا . حدث أبي الحواري شيخه أبا سليمان الداراني بمقالة الراهب هذه فقال الشيخ" ( إنهم يصفون ) وكأنه أعجب بكلام الراهب ولذلك علق الذهبي عليه بقوله: ( الطريقة المثلي المحمدية ) (4) ."
(1) ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم /71 .
(2) تلبيس إبليس / 165 .
(3) نفس المصدر / 167.
(4) سير أعلام النبلاء: 12/89.