بدأ الكلام عن كيان خاص مميز يسمى ( الصوفية ) وظهرت كلمات مثل ( طريقتنا ) و ( مذهبنا ) و ( علمنا) يقول الجنيد:"علمنا هذا مشتبك بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم" (1) .
ويقول أبو سليمان الداراني:"إنه لتمر بقلبي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدي عدل من الكتاب والسنة" (2) .
فلماذا (علمنا) ولماذا ( من نكت القوم ) .
صنفت الكتب التي تجمع أخبار الزهد والزهاد وتخلط الصحيح بغير الصحيح وتتكلم عن خطرات النفوس والقلوب والدعوة إلى الفقر وتنقل عن أهل الكتاب , مثل كتب الحارث المحاسبي , وأبي طالب المكي في ( قوت القلوب ) , وصنف لهم أبو عبد الرحمن السلمي في التفسير , وأبو نعيم الأصفهاني في ( حلية الأولياء ) . يقول ابن خلدون:"أصل طريقتهم محاسبة النفس والكلام في هذه الأذواق ثم ترقوا إلى التأليف في هذا الفن فألفوا في الورع والمحاسبة كما فعل القشيري في ( الرسالة ) وذلك بعد أن كانت الطريقة عبادة فقط" (3) .
ولنا على هذه المرحلة الملاحظات التالية:
هذا التعمق والتشدد في العبادات مع ترك المباحات لم يعهد عند السلف رضوان الله عليهم , وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل اللحم ويحب الحلوى ويستعذب له الماء البارد (4) , ولم يأمر صلى الله عليه وسلم أحداً من أصحابه بالخروج عن ماله , والتشدد في الدين كدوام الصيام والقيام هو داء رهبان اليهود والنصارى (5) , وترك التزوج وإدامة الجوع فيه شبه بالتبتل الذي رده الرسول صلى الله عليه وسلم على بعض أصحابه , وبسبب هذه الرياضات فقد ابن عطاء الأدمي البغدادي عقله ثمانية عشر عاماً , وقال الذهبي معلقاً على ذلك:"ثبت الله علينا عقولنا فمن تسبب في زوال عقله بجوع ورياضة صعبة فقد عصى وأثم" (6) .
وأما السياحة ف البراري فهي من السياحة المنهي عنها , وهي من الرهبانية المبتدعة , وكأنهم لم يسمعوا بالحديث الذي رواه أبو داود عن أبي أمامة أن رجلاً قال: يا رسول الله أئذن لي في السياحة , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله" (7) .
(1) ابن القيم: مدارج السالكين 3/142.
(2) المصدر السابق 3/142.
(3) المقدمة /469.
(4) تلبيس إبليس / 151.
(5) الدهلوي: حجة الله البالغة /120.
(6) سير أعلام النبلاء: 14/153.
(7) سنن أبو داود 3/5 كتاب الجهاد .