وأما الأدلة العقلية لإثبات حدوث العالم عند أهل السنة فيمكن أن نذكر بعضاً منها:
1 -أن يقال: إن كان حدوث الحوادث بلا سبب حادث جائزاً: أمكن حدوث العالم، وبطل القول بوجوب قدمه.
وإن كان ممتنعاً بطل القول بقدمه لامتناع حدوث الحوادث عن الموجب الأزلي، وبعبارة أخرى: إن كان تسلسل الحوادث ممتنعاً لزم حدوث العالم، وإن كان ممكناً أمكن حدوث كل شيء منه بحادث قبله [1] .
2 -أن يقال: إن العالم لو كان قديماً: لكان إما واجباً بنفسه وهذا باطل، فكل جزء من أجزاء العالم مفتقر إلى غيره، والمفتقر إلى غيره لا يكون واجباً بنفسه.
وإما واجباً بغيره: فيكون المقتضي له موجباً بذاته، بمعنى: أنه مستلزم لمقتضاه، سواء كان شاعراً مريداً أم لم يكن، فإن القديم الأزلي إذا قُدِّر أنه معلول مفعول فلا بد له من علة تامة مقتضية له في الأزل، وهذا هو الموجب بذاته.
ولو كان مبدعه موجباً بذاته علة تامة لم يتأخر عنه شيء من معلوله ومقتضاه. والحوادث مشهودة في العالم: فعلم أن فاعله ليس علة تامة، وإذا لم يكن علة تامة لم يكن قديماً. [2]
3 -أن العالم ممكن الوجود، والممكن الذي يقبل الوجود والعدم لا يكون إلا محدثاً، وأما القديم الذي يمتنع عدمه فلا يقبل العدم [3] .
4 -أن العالم إذا كان تحله الحوادث من غيره دل على أن غيره متصرف فيه قاهر له تحدث فيه الحوادث ولا يمكنه دفعها عن نفسه.
(1) انظر: الصفدية لابن تيمية 1/81.
(2) انظر: منهاج السنة لابن تيمية 2/273 - 280.
(3) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 6/331.