ثالثًا: وما ذكره الصاوي من أنه يجب ملاحظة الرسول - عليه الصلاة والسلام - في كل عمل لأن الله تعالى قال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران: 31] حقيقته من الألفاظ المجملة التي تحتمل حقًا وباطلًا، فإن كان يقصد بالملاحظة التوجه إليه - عليه الصلاة والسلام - بالقلب فهذا مما لا يجوز قطعًا ودلالته على الشرك واضحة، لأن توحيد الإرادة والقصد قد أنيط به قبول الأعمال فلا يصح شيء من العبد مع الإخلال به، حتى أن العبد إذا وفق للإخلاص وإرادة الله في جميع أعماله ووقع عنده خلل في عمل واحد أحبط ذلك العمل، كما قال تعالى في الحديث القدسى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملًا أشرك فيه معى غيرى تركته وشركه) (1) .
وإن كان يقصد بالملاحظة المتابعة، فلا يعبد الله تعالى إلا وفق ما شرع لنا على يد المصطفى - عليه الصلاة والسلام - فهذا حق لا مراء فيه بل هو عين ما يقتضيه الإيمان برسالة الرسول - عليه الصلاة والسلام -، والشهادة العظمى على محبة الله ورسوله.
وبهذا المعنى يصح التعبير عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه واسطة ووسيلة أما بما سبق بيانه من اعتقاد نفعه، أو ضره بغير اتباعه، أو التوجه إليه بالدعاء بعد مماته فلا، وهذا هو عين الإفراط الذي حذر منه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أمته.
رابعًا: وكان من جملة الخلط الذي وقع فيه الصاوي أن عطف شعر اللاحقين من أهل الغلو في مدحه - عليه الصلاة والسلام - بشعر الصحابة الكرام الذين فاض قريظهم فيه عذوبة وطهارة، فلم يحيدوا عما أخبر الله تعالى عنه قيد أنملة، وكان جمعه بينهم محض وهم وضلال، فالبوصيرى الذي نطقت قصيدته بالغلو في كثير من أبياتها، لتحكم بعظيم البون وبعد المسافة، فمن نسبة علم الغيب له إلى تفريج الكرب إلى غير ذلك، مما يطول بى المقام في استقصاء ما أتى بها من غلو بصريح العبارة، كل هذا مما لا يدع مجالًا للشك في تغاير المفاهيم، وتباعد الحقائق المعتقدة حول ما تقتضيه محبة المصطفى - عليه الصلاة والسلام -.
(1) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الزهد والرقائق - باب من أشرك في عمله غير الله.