عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [النساء: 171] أما الذين مثلوا صورة التقصير المخل فهم اليهود لعائن الله عليهم، حيث كذبوا الرسل - صلوات ربي وسلامه عليهم - حتى حملهم ذلك التكذيب والعداء على أن قاموا بقتلهم أو رميهم بأنواع التهم والقبائح والفواحش التي يترفع عنها أوساط الناس وأشرفهم (1) ، وهذا ما حدثتنا به آيات الكتاب العظيم، قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 155] .
ولكل ما تقدم صار إيمان كثير ممن اتبعوا الأنبياء مشوبًا بالنواقض القادحة في أصله، وفي هذا يقول الإمام الشوكاني عند تفسير قوله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} :"الغلو: هو التجاوز في الحد، ومنه غلا السعر يغلو غلاءً, وغلا الرجل في الأمر غلوًا، وغلا بالجارية لحمها وعظمها إذا أسرعت الشباب فجاوزت لداتها، والمراد بالآية نهيهم عن الإفراط تارة، والتفريط أخرى، فمن الإفراط غلو النصارى في عيسى؛ حتى جعلوه ربًا، ومن التفريط غلو اليهود فيه - عليه السلام - حتى جعلوه لغير رشدة" (2) .
لذا أتى نهي النبي شديدًا عن الاقتداء بأهل الكتاب؛ فقد قال - عليه الصلاة والسلام: (لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله) . (3)
(1) انظر على سبيل المثال: العهد القديم: صموئيل الثاني، الإصحاح الثالث عشر في كلامهم عن سيدنا داود - عليه السلام - في التوراة المحرفة.
(2) فتح القدير: (1/ 807) بتصرف يسير.
(3) تقدم تخريجه: 72.