فهرس الكتاب
الصفحة 399 من 854

لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ [الأعراف: 43] " (1) "

ولما كانت للرسالة هذه المنزلة العظيمة؛ بحيث تعلق بها المقصد الأسمى والغاية العظمى من إيجاد الثقلين الجن والأنس، وأنيط بها تحقيق العدل الذي قامت به السموات والأرض؛ تولى المولى تعالى اختيار من هو أهل للقيام بأداء واجباتها من البشر، قد اصطفاهم ربنا تعالى لعلمه الذي وسع كل شيء، قال تعالى: {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ} [ص: 47] .

ولكل ما تقدم صار الإيمان بهم ركنًا عظيمًا من أركان الإيمان؛ لا يقبل الله تعالى بدونه من أحد صرفًا ولا عدلًا، وأتى الأمر بذلك مؤكدًا موثقًا بعدم التفريق في الإيمان بين أحد منهم، قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285] .

هذا وقد وقف أتباع الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - أمام ذلك الصرح الإيماني العظيم، موقفًا يتغاير بين الإفراط والتفريط، بين الغلو والتقصير، والقليل هم الذين التزموا منهج الوسطية، الذي يمثل صورة الاعتدال المأمور بها في الإيمان بهم - صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين - فالإيمان بأنهم رسل من عند الله تعالى، قد اصطفاهم المولى تبارك وتعالى، وخصهم بالعصمة، وما انبنى عليها من وجوب الاتباع التام، حمل البعض من ضعاف البصيرة على الغلو في شأنهم؛ حتى رفعوهم عن مرتبة البشر، ولعل النصارى ومن شابههم من غلاة الصوفية، هم من مثلوا هذا الاتجاه المنحرف، والذي دفعهم إلى الوقوع في الشرك عند نهاية المطاف، قال تعالى مخبرًا عن هذه الحقيقة: يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا

(1) تفسير القرآن العظيم بتصريف يسير: (4/ 401) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام