كفراً لمخالفته للشرع، وكان مطابقاً لما وقر في قلبه من الكفر به، فهو الكفر الاعتقادي، وهو الكفر الذي لا يغفره الله، ويخلد صاحبه في النار أبداً .. وأما إذا كان مخالفاً لما وقر في قلبه، فهو مؤمن بحكم ربه، ولكنه يخالفه بعمله، فكفره كفر عملي فقط، وليس كفراً اعتقادياً، فهو تحت مشيئة الله تعالى إن شاء عذّبه، وإن شاء غفر له) ا. هـ
أقول: وهذا التقسيم للكفر المذكور أعلاه، يدل على أن الرجل يحصر الكفر المخرج من الملة بكفر الاعتقاد، وأن ما دون ذلك من الأعمال والأقوال هي كفر عملي عنده، لا تخرج إلى الكفر الأكبر حتى يقترن بها الاعتقاد، وهذا عين قول المرجئة الذين حصروا الكفر بالتكذيب والاستحلال، ومن أعظم الأدلة التي تبين تناقض المرجئة في ذلك، أنهم إذا أورد عليهم مسألة الاستهزاء بالدين، أو سب الله أو رسوله، أو إلقاء القرآن في الحش، أو غير ذلك مما اتفقت الأمة الإسلامية على كفر الواقع في هذه الأعمال الشنيعة، قالوا هذا دليل على أنه مكذب في الباطن أو مستحل لمثل هذه الأمور، فهم يجعلون مثل هذه الأعمال مستلزمة لكفر الباطن بمعنى الاستحلال أو التكذيب، وهذا خلاف ما نطق به القرآن، مثل قوله: (قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ، لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ... ) ، فأثبت الله لهم الإيمان، وفي هذا رد على المرجئة وأمثالهم ممن ذهب إلى أن هؤلاء كانوا منافقين في الباطن، فهؤلاء المستهزئون بآيات الله قد أثبت لهم القرآن الكفر بنفس الاستهزاء، ولم يجعله دليلاً على الكفر، كما تقوله المرجئة، وهذا من أعظم الفارق بينهم وبين أهل السنة، الذين يجعلون هذه الأعمال والأقوال من الاستهزاء والشتم أو رمي القرآن في الحش كفراً بذاتها، وهذا من أعظم ما يميزهم عن المرجئة في أن الإيمان قول وعمل.
فإذا أورد هذا السؤال على الشيخ الألباني وهو: هل الاستهزاء الذي جاء بقوله تعالى: (قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ، لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) ؟
نقول: إذا قيل له ذلك هل هذا الكفر اعتقادي أو عملي، فجوابه عن ذلك هو الذي سيكشف لنا عن مذهب الرجل أكان مرجئاً أو هو على مذهب السلف