بسم الله الرحمن الرحيم
الافتتاحية:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، المتفرد بتشريع الأحكام، وحَلِّ الحلال وتحريم الحرام، الآمر عباده باتباع السنة والقرآن، في كل زمان ومكان، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فتح الله به أعينا عميا وآذانا صما، وقلوبا غلفا، أدى الأمانة وبلّغ الرسالة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، وترك لأمته كتاب الله السراج المنير والنور المبين، وسنته الحصن الحصين، وأصحابه الحبل المتين، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته، وبعد:
فإن"الرسالة"للإمام القدوة المحقق، والعالم الهمام المدقق أبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني المالكي رحمه الله (ت 386 هـ) مع صغر حجمها اشتملت على كثير من مسائل الدين من عقيدة وأحكام وآداب بألفاظ وجيزة تؤدي المعاني الكثيرة، وقد سار ذكرها في الأقطار مسير القمر في الليل والشمس في النهار، وانتشرت في جميع الأمصار، واقتناها الناس وتلقوها بالقبول في سائر الأعصار، واهتم بها العلماء الكبار فضلا عن طلبة العلم الصغار، فأول من شرحها تلميذ ابن أبي زيد القيرواني الشيخ الفقيه المحدث أبو بكر محمد بن موهب القبري التميمي القرطبي المالكي رحمه الله (ت 406 هـ) ، وشرحها بعده القاضي الفقيه الأصولي أبو محمد عبد الوهاب علي بن نصر البغدادي المالكي رحمه الله (ت 422 هـ) ، ثم تعاقبت عليها الشروح عبر العصور والدهور، إلى أن جاء الإمام الفقيه المحدث ذو الفنون تاج الدين عمر بن علي الفاكهاني الإسكندري المالكي رحمه الله (ت 734 هـ) فشرحها شرحا حسنا مفيدا للغاية في هذا الكتاب الموسوم بـ"التحرير والتحبير شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني"فقمت بتحقيق جزء منه، لكثرة فوائده الحسان التي تسير بها وإليها الركبان، وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى الصواب وإليه المرجع والمآب.