فهرس الكتاب
الصفحة 246 من 284

كاذبا لحصول الخارق للعادة على يده وعلى وفق دعواه من غير أن يعارضه معارض واقتران هذه المعاني معا يستعقب علما ضروريا بصدقه فيدعي الضرورة هاهنا لا في أول الدعوى وإن عددناه من جنس العلوم الحاصلة بوجه دليل التخصيص بالتصديق فالعلم الحاصل به كالعلم الحاصل بكونه مريدا فإن التخصيص يدل على أنه مريد وهذا التخصيص بعينه يدل على أنه مريد هذا المراد بعينه وكون المنازع على رأس الإنكار لا يدفع الضرورة الواقعة في العلم فإنه بعد ظهور الآية معاند عنادا ظاهرا واعلم أن النبوة والرسالة إنما يمكن إثباتها بعد إثبات كون الباري تعالى آمرا ناهيا مكلفا واجب الطاعة ومن لم يثبت كونه آمرا ناهيا لم يمكنه إثبات النبوة وأول أمر يتوجه منه تعالى على عباده فإنما يتوجه أولا على رسوله بالدعوة إلى التوحيد بأنه لا إله غيره أي لا خالق ولا آمر غيره على عباده باستماع دعوته والنظر في معجزته والنبي يصح أولا صدقه في جميع أقواله ثم يؤدي رسالته ولا يتصور نبي قط إلا وأن تكون آية الصدق معه لأن حقيقة النبوة هو صدق القول مع ثبوت الآية فلو قدر نبي خاليا عن الآية فكأنه لا نبوة له بعد لكن الآيات قد تكون آيات مخصوصة على كل مسألة وقول يدعي ذلك وذلك مثل دلالته على التوحيد بأن الإله واحد في خلقه وأمره لا شريك له وقد تكون الآيات عامة تدل على صدق قوله في جميع أقواله وأحواله وتلك الآيات قد تكون من جنس الأقوال كآيات الكتاب وقد تكون من جنس الأفعال كآيات الإحياء وقلب الجماد حيوانا وبالجملة فدلالة الصدق لا تنفك عن حالة ومقالة طرفة عين وذلك هو المعني بالعصمة الواجبة للأنبياء عليهم السلام، لأن العصمة لو ارتفعت بطلت الدلالة وتناقضت الدعوى خصوصا فيما أرسلوا به إليهم وكلف الناس تصديقه في أقواله ومتابعته في أفعاله والأصح أنهم معصومون عن الصغائر عصمتهم عن الكبائر فإن الصغائر إذا توالت صارت بالاتفاق كبائر وما أسكر كثيرة فقليله حرام لكن المجوز عليهم عقلا وشرعا مثل ترك الأولى من الأمرين المتقابلين جوازا وجوازا وحظرا وحظرا، ولكن التشديد عليهم في ذلك القدر يوازي التشديد على غيرهم في كبائر الأمور وحسنات الأبرار سيئات المقربين وتحت كل زلة يجري عليهم سر عظيم، فلا تلتفت إلى ظواهر الأحوال وانظر إلى سرائر المآل.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام