فهرس الكتاب
الصفحة 241 من 284

مزاولة فعل وقول من جهة المدعي بحيث يتبين للناظر أن ذلك ليس فعلا للّه تعالى أنشأه في الحال تصديقا لدعوته بخلاف المعجزة، فإن كل عاقل يعلم بالضرورة أن عظاما رفاتا رماما تجتمع فتحيا شخصا وتتشخص حيا من غير معالجة من جهة المتحدي ولا مزاولة أمر عنه لا يكون ذلك إلا فعلا وصنعا من اللّه تعالى يظهر منه قصده إلى تصديق رسوله فإنا قد ذكرنا أن الفعل بتخصيصه ببعض الجائزات يدل على إرادة الفاعل، فإذا فعله عقيب دعوته مقترنا بدعواه وهو صادق في نفسه دل على قصده إلى تصديقه وتخصيصه لرسالته، ولو قدر ظهور مثل تلك المعجزة على يد كاذب لم يجز أن تقترن بدعواه النبوة، بل يصرف عنه داعيه الدعوى ضرورة حتى لا ينقلب الدليل شبهة ولا ينحسم الطريق على قدرة اللّه تعالى في إظهار التصديق بالآيات وكما إذا اختص الفعل بوقت وقدر وشكل دل على إرادة مخصصة بذلك الوقت والقدر والشكل، ولن يقدر وقوعه اتفاقا، كذلك إذا اختص الفعل بوقت تحدي المتحدي دل ذلك على أنه إنما أراد تخصيصه بالصدق، وكما لم يختلف وجه الدليل العقلي على أصل الإرادة بأصل التخصيص لم يختلف وجه الدليل على وجه تعلق الإرادة بتخصيص التصديق فافهم هذه الدقيقة، هذا كمن علم أن له عند اللّه دعوة مستجابة فدعا واستجيب له علم ضرورة أن المجيب أراد تخصيصه بتلك الإجابة كرامة له وإنعاما عليه، ولم يقدح في علمه ذلك تجويز المجوز، إن ذلك ربما يقع اتفاقا بسبب آخر فإذا كان مثل ذلك معلوما في الجزئيات لكل شخص شخص عرف مواقع نعم اللّه تعالى على عبده وكان بصيرا بزمانه مقبلا على شأنه، فما ظنك بحال من اصطفاه اللّه تعالى من خليقته واجتباه من بريته وقد تبين أنه يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [القصص: 68] .

قال المنكرون: ولنا أسئلة أخرى وجب عليكم الجواب عنها.

منها أن الخارق للعادة إذا تكرر وتوالى صار معتادا بالاتفاق فما يؤمنكم في الحالة الأولى أنه من المتكررات المعتادة في ثاني الحال، وإن لم يوجد في سابق الأحوال، أ لستم تشترطون أن يكون الخارق في زمن التكليف فإن في آخر الزمان تنخرق العادات كلها فتتكور الشمس وتتكدر النجوم وتسير الجبال وتنشق السماء وتزلزل الأرض فلو ادعى مدع أن هذه وأمثالها معجزاتي وهي بالاتفاق خوارق لا تندرج تحت قوة البشر ولا يتوصل إليه بالحيل، بل تمحضت فعلا للّه تعالى فلا يكون ذلك دليلا على دعوى هذا المدعي فالعاقل في زمن التكليف، ربما يتوقع أن تتوالى الآيات فلا يحصل له العلم بكونها آية على صدقه ما لم يأمن التوالي والتعاقب، بل

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام