تلك الحال، وليس يدعي النبي على أصلكم هذه الدعوى التي قدرتموها فإنه يحيل خلق الآيات على مشيئة اللّه تعالى كما أخبر كتابكم قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَ ما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ [الأنعام: 109] ، وكم من نبي سئل إظهار الآية، فلم يظهر في الحال على يده، فلئن كان ظهور الآية في بعض الأوقات دليلا على صدقه، فعدم ظهورها في بعض الأوقات يجب أن يكون أيضا دليلا على كذبه، وليس الأمر كذلك على أصلكم، فإذا قال واحد من عرض الناس وهو مجهول الحال عند الكل: إني رسول اللّه إليكم فطولب بالآية وجب عليه التضرع إلى اللّه في استدعاء الآية الخارقة للعادة على مقتضى الدعوى ووجب على اللّه إجابته في الحال إلى ذلك كان الإيجاب أولى على اللّه ورسوله من الخلق وهو عكس ما رمتم إثباته ثم مسألة النظر والاستمهال فيه يفضي إلى إفحام الأنبياء فإنه إذا ادعى الرسالة فقال المدعو العلم بالرسول يترتب على العلم بالمرسل والعلم به ليس يقع بديهة وضرورة فلا بد من نظر واستدلال في أفعاله استدلالا بتغيرها على حدوثها وبحدوثها على ثبوت محدثها ثم النظر في قدمه ثم النظر في وحدانيته ثم النظر في صفاته الواجبة له والجائزة عليه وما يستحيل في صفته وبعد ذلك ينظر في جواز انبعاث الرسل ثم في معجزة هذا المدعي بعينه.
فيقول: أمهلني حتى أنظر في هذه الأبواب وأقطع هذه المراتب فهل يجب على النبي إمهاله أم لا فإن لم يمهل فقد ظلمه إذ كلفه ما لا يطيق وذلك أن العلم إذا لم يحصل إلا بالنظر والنظر يستدعي مهلة وزمانا ولم يمهله فقد ظلمه وأمره بمجرد التقليد والتقليد إما كفر وإما قبيح وإذا أمهله فيلزمه أن لا يعود إليه حتى ينتهي النظر نهايته ولا يتقرر ذلك بزمان معين بل يختلف الحال باختلاف الأشخاص وأذهانهم وكياستهم في مدارج النظر وأيضا فمن استمهل ووجب إمهاله يعطل النبي عن الدعوة فإن عاد إليهم قالوا نحن بعد في مهلة النظر فليس لك علينا حكم بعد الإمهال ولم يثبت عندنا صدقك فنتبعك ثم إذا كان النبي مبلغا عن اللّه تعالى فلا بد وأن يسمع أمره وكلامه أولا ثم يبلغ عنه أو يسمع من سمع منه فبم عرف النبي بأن المتكلم هو اللّه أو بم عرف أن المتوسط ملك يوحي إليه وبم عرف ذلك الملك أن الرب هو الآمر المتكلم فما الجواب عن هذه المسألة هذا كلامنا على نفس الدعوى.
أما الكلام على بينة الدعوى فنحن أولا ننكر ما حكيتموه عن الأنبياء من قلب العصا حية وإحياء الموتى وفلق البحر وخروج الناقة من الصخرة الصماء وتسبيح الحصا وانشقاق القمر فإن جنس ذلك مستحيل الوجود، فنحن أولا نمنع حصولها