فهرس الكتاب
الصفحة 148 من 284

وإلى شر مطلق وإلى خير ممزوج بشر والأخير إما أن يتساوى فيه الخير والشر أو يغلب أحدهما أما الخير المطلق الذي لا شر فيه فقد وجد في الطباع وفي الخلقة وأما الشر المطلق الذي لا خير فيه والغالب أو المساوئ فلا وجود له أصلا فبقي ما الغالب في وجوده الخير وليس يخلو عن شر فالأحرى به أن يوجد فإن لا يكون أعظم شرا من كونه فواجب أن يقتضي وجوده من حيث يقتضي منه الوجود لئلا يفوت الخير الكلي بوجود الشر الجزئي وأيضا لو امتنع وجود ذلك القدر من الشر امتنع وجود أسبابه التي تؤدي إليه بالعرض فكان منه أعظم حالا في نظام الخير الكلي كمثل النار فإن الكون إنما يتم بأن تكون فيه نار ولن يتصور وجودها إلا على وجه تحرق وتسخن ولم يكن بد من المصادفات الحادثة أن تصادف النار ثوب فقير ناسك فتحرقه فالأمر الدائم والأكثر حصول الخير من النار أما الدائم فلأن أنواعا كثيرة لا تستحفظ على الدوام إلا بالنار وأما الأكثر فإن أكثر أنواع الأشخاص في كنف السلامة عن الاحتراق، فما كان يحسن أن يترك المنافع الدائمة الأكثرية لأعراض شرية أقلية فإرادات الباري تعالى الخيرات الكائنة على مثال هذه الأشياء إرادة أولية على الوجه الذي يصلح أن يقال أرادها بالذات وبالقصد الأول وأراد الشرور الكائنة غير أولية على الوجه الذي يصلح أن يقال: أرادها إرادة بالعرض وبالقصد الثاني فالخير مقتضى بالذات والشر مقتضى بالعرض وكل يقدر ولو لم يقرر الأمر على ما قررناه للزم أن يكون مصدر الخير غير مصدر الشر وذاك مذهب الثنوية.

قال المتكلمون: لا تنازعكم في اصطلاحكم على أن الخير المحض ما هو أو أن الخير المحض ممن هو وأن النظام في العالم متوجه إلى كمال في الوجود وإنما النزاع بيننا في الخيرات التي تتعلق بأفعال العباد وإكسابهم مثل الاعتقادات الفاسدة والجهالات الباطلة والأخلاق الرديئة والأفعال القبيحة أ هي حاصلة بإرادتنا دون إرادة الباري أم هي مرادة له عز وجل وما سوى ذلك من الصور القبيحة والحيوانات المؤذية والآفات السماوية والعاهات الأرضية وما يتبعها من الهموم والغموم والآلام والأوجاع، فلا نزاع فيها أ هي خيرات أم شرور ولا نقول هي خيرات ومصالح وتحت كل منها شر ومع كل بلاء ومحنة لطف وفي كل فتنة وآفة صلاح ولكل حيوان يؤذي خاصية ومودع في كل جسم من الأجسام منفعة ومضرة وكل مضرة فبالنسبة إلى شي ء آخر منفعة لكنا نلزمكم أمرا كليا فإن عندكم الوجود كله بما فيه من الروحاني والجسماني صادر عن الأول على الترتيب المذكور صدور اللوازم عن الشي ء وما كان على سبيل اللوازم فهو بالقصد الثاني أشبه منه بالقصد الأول فما الفرق بين الشرور الواقعة في

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام