إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ [الأنعام: 148] ، إذ لم يرد بذلك أمر ولا وجدوا في كتبهم بذلك تكليفا فرد عليهم بإثبات المشيئة بمعنى التخصيص بالوجود والتصريف للأمور فقال تعالى: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ [الأنعام: 149] .
وقد تمحل أبو الحسن وأصحابه أمثلة في جواز تعلق الإرادة على خلاف الأمر منها أن نبيا لو علم من أحد الأمة أنه لو أمر بعشر خصال من الخير توانى فيها، ولو أمر بعشرين خصلة ثم حط عشرة منها لم يقصر فيأمره بالعشرين على إرادة امتثال العشرة فهو مأمور بخلاف المراد ومراد بخلاف المأمور، ومثل هذا قد وقع ليلة المعراج حيث أمر النبي بخمسين صلاة ثم ردت إلى خمس ومنها أن رجلا لو اشتكى عند السلطان من عبيده بعصيانهم عليه، وقلة مبالاتهم فيستحضرهم الملك فيأمرهم المالك بشي ء فهو يريد مخالفتهم إياه تصديقا لمقاله فذلك أمر على خلاف الإرادة ومنها أن الرب تعالى أمر خليله إبراهيم بذبح الولد وهو يريد أن لا يحصل إذ لو أراد لحصل.
وللخصوم عن هذه الأمثلة اعتذارات، ولنا عنها غنية، وبما سبق من التحقيق كفاية ومن غرق في بحر الحقيقة لم يطمع في شط ومن تعالى إلى ذروة الكمال لم يخف من حط.
وقد تمسكت المعتزلة بكلمات من ظواهر الكتاب منها قوله تعالى: وَ لا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ [الزمر: 7] ، وقوله: وَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَ يُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً [النساء: 27] وقوله:
يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة: 185] وقوله:
تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَ اللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ [الأنفال: 67] وقوله: وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ [غافر: 31] ، وقوله: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [النساء: 148] ، وقوله: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا [الأنعام: 148] ، وقوله: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[الذاريات:
56]، وأجابت الأشعرية بتأويلات وتخصيصات.
وأحسن الأجوبة أن نقول: إرادة اللّه ومشيئته أو رضاه ومحبته لا تتعلق