فهرس الكتاب
الصفحة 73 من 85

، جحد رسول الله وكلمة التوحيد وقَال رُدُّوهُمْ على، إِنِّي قُلتُ مَقَالتِي آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ على دِينِكُمْ، وَقَدْ رَأَيْتُ فَسَجَدُوا لهُ وَرَضُوا عَنْهُ فَكَانَ ذَلكَ آخِرَ شَانِه وجحوده وكفره.

ومن أمثلة كفر الجحود أيضا كفرُ أبي طالب عم النبي صلي الله عليه وسلم حيث قال له رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ عند الوفاة: يَا عَمِّ قُل لا إِلهَ إِلا اللهُ كَلمَةً أَشْهَدُ لكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ، فَقَال أنا على مِلةِ عَبْد ِالمُطَّلبِ وَأبي أَنْ يَقُول لا إِلهَ إِلا اللهُ، وقد كان يعلم صدق رسول الله صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ فهو القائل:

ولقد علمت بأن دين محمد: من خير أديان البرية دينا

لولا الملامة أو حذار مسبة: لوجدتني سمحا بذاك مبينا

فكفر الجحود مبني على عدم قبول اللسان مع اعتقاد الجنان، فإذا وجد علم القلب وامتنع اللسان، انتفي أيضا عمل القلب على الإيمان، لوجود الكبر والكفران، وكذلك امتنعت حركة الأبدان عن الطاعة والإيمان.

أما الركن الربع من القبول بلا إله إلا الله وتحقيق أركان الإيمان فهو عمل الجوارح وطاعة الأبدان، فالجوارح هي أدوات الاستطاعة التي تحول عمل القلب إلي فعل خارجي مرئي ملموس، يكتسبه الإنسان ويحاسب عليه، وعمل الجوارح مقسم على الحواس، السمع والبصر وبقية الحواس، وعمل الجوارح في الطاعة من علامات القبول، أما إذا امتنع الإنسان بجوارحه عن تنفيذ أمر الله بإصرار، ووقر في قلبه العلو والاستكبار ظهر النوع الرابع من أنواع الكفر، وهو كفر العناد والاستكبار، فكفر العناد مبني على علم القلب بلا إله إلا الله، وإقرار باللسان أنه لا معبود بحق سواه، وامتناع الجوارح من الطاعة والاستسلام، ورد ما جاء عن الله من أحكام، وذلك لامتناع عمل القلب عن القبول والإيمان، ووجود العناد والكبر، والعزم على عدم الفعل، ومثال كفر العناد والاستكبار، كفرُ إبليس لعنه الله، ومن لم يحكم بما أنزل الله، وكفرُ المواظبِ على ترك الصلاة.

فإن الله تعالى: (قَال يَا إِبْليسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لمَا خَلقْتُ بِيَدَيَّ أَاسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ العَالينَ) فحصر السبب في أمرين وجعل العلة في سببين، إما كبرياء أو استعلاء، (فَسَجَدَ المَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلا إِبْليسَ أبي أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قَال يا إبليس مَا لكَ أَلا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قَال لمْ أَكُنْ لأَسْجُدَ لبَشَرٍ خَلقْتَهُ مِنْ صَلصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ قَال فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَليْكَ اللعْنَةَ إلي يَوْمِ الدِّينِ) .

وقال تعالى فيمن لم يقبل حكم الله ولم يرض بحكم رسول الله: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلمُوا تَسْليمًا) ، روي البخاري أَنَّ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ خَاصَمَ الزبيرَ بن العوام رضي الله عنه 2187 فِي شِرَاجِ الحَرَّةِ التِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْل، اختلفا على قناة الماء التي تروي أرضهما، فَقَال الأَنصارى سَرِّحِ المَاءَ يَمُرُّ فَأبي عَليْهِ ? وكانت أرض الزبير قبل أرضه والماء يمر أولا على نخله - فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ، فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ للزُّبَيْرِ اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِل المَاءَ إلي جَارِكَ، فَغَضِبَ الأَنصارى وَقَال أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ - أي حكمت لصالحه من أجل قرابته - فَتَلوَّنَ وَجْهُ رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ وغضب، فقَال اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسِ المَاءَ حتى يَرْجِعَ إلي الجَدْرِ ? اسق حتى يغطي الماء أصول نخلك ويبلغ إلي مقدار الكَعْبَيْنِ ولا عليك منه - فاسْتَوْعَي للزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الحُكْمِ، فَنزل قول الله تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلمُوا تَسْليمًا) ،

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام