فهرس الكتاب
الصفحة 72 من 85

يقول أبو سفيان: فَوَاللهِ لوْلا الحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَاثِرُوا على كَذِبًا لكَذَبْتُ عَليه، ثُمَّ كَانَ أَوَّل مَا سَأَلنِي عَنْهُ أَنْ قَال: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قُلتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ، قَال: فَهَل قَال هَذَا القَوْل مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلهُ قُلتُ: لا، قَال: فَهَل كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلكٍ؟ قُلتُ: لا، قَال: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟

فَقُلتُ: بَل ضُعَفَاؤُهُمْ، قَال: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ قُلتُ: بَل يَزِيدُونَ، قَال: فَهَل يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُل فِيهِ؟ قُلتُ: لا، قَال: فَهَل كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْل أَنْ يَقُول مَا قَال؟ قُلتُ: لا، قَال: فَهَل يَغْدِرُ؟ قُلتُ لا، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا، يقول أبو سفيان: وَلمْ تُمْكِنِّي كَلمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الكَلمَةِ، قَال هرقل: فَهَل قَاتَلتُمُوهُ؟ قُلتُ: نَعَمْ، قَال: فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ قُلتُ: الحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ، قَال: مَاذَا يَامُرُكُمْ؟ قُلتُ: يَقُولُ اعْبُدُوا اللهَ وَحْدَهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ وَيَامُرُنَا بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ وَالعَفَافِ وَالصِّلةِ.

فَقَال للتَّرْجُمَانِ: قُل لهُ سَأَلتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ فَكَذَلكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا، وَسَأَلتُكَ هَل قَال أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا القَوْل، فَذَكَرْتَ أَنْ لا فَقُلتُ لوْ كَانَ أَحَدٌ قَال هَذَا القَوْل قَبْلهُ لقُلتُ رَجُلٌ يَاتَسِي بِقَوْلٍ قِيل قَبْلهُ، وَسَأَلتُكَ هَل كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلكٍ فَذَكَرْتَ أَنْ لا، قُلتُ فَلوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلكٍ قُلتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلكَ أَبِيهِ، وَسَأَلتُكَ هَل كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْل أَنْ يَقُول مَا قَال فَذَكَرْتَ أَنْ لا، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لمْ يَكُنْ ليَذَرَ الكَذِبَ على النَّاسِ وَيَكْذِبَ على اللهِ، وَسَأَلتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمِ اتَّبَعُوهُ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُل، وَسَأَلتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ وَكَذَلكَ أَمْرُ الإيمان حتى يَتِمَّ، وَسَأَلتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُل فِيهِ فَذَكَرْتَ أَنْ لا، وَكَذَلكَ الإيمان حِينَ تُخَالطُ بَشَاشَتُهُ القُلُوبَ، وَسَأَلتُكَ هَل يَغْدِرُ فَذَكَرْتَ أَنْ لا وَكَذَلكَ الرُّسُلُ لا تَغْدِرُ، وَسَأَلتُكَ بِمَا يَامُرُكُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَامُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ وَيَامُرُكُمْ بِالصَّلاةِ وَالصِّدْقِ وَالعَفَافِ، فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلمُ أَنَّهُ خَارِجٌ لمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، فَلوْ أَنِّي أَعْلمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِليْهِ لتَجَشَّمْتُ لقَاءَهُ، وَلوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لغَسَلتُ عَنْ قَدَمِهِ.

ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ الذِي بَعَثَ بِهِ إليه، فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ: بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ وَرَسُولهِ إلي هِرَقْل عَظِيمِ الرُّومِ سَلامٌ على مَنِ اتَّبَعَ الهُدَي أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلامِ أَسْلمْ تَسْلمْ يُؤْتِكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَليْتَ فَإِنَّ عَليْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ ? والأريسيون هم عامة الناس من الفلاحين والحرفيين والبسطاء وَ (يَا أَهْل الكِتَابِ تَعَالوْا إلي كَلمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لا نَعْبُدَ إِلا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلمُونَ) .

قَال أَبُو سُفْيَانَ: فَلمَّا قَال مَا قَال وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا، فَقُلتُ لأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا لقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلكُ بَنِي الأَصْفَرِ، فَمَا زِلتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حتى أَدْخَل اللهُ على الإِسْلامَ، وقد جمَعَ هِرَقْلُ عُظَمَاء َالرُّومِ فِي وَقَال لهم: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ هَل لكُمْ فِي الفَلاحِ وَالرُّشْدِ وَأَنْ يَثْبُتَ مُلكُكُمْ فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِيَّ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الوَحْشِ إلي الأَبْوَابِ فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلقَتْ، فَلمَّا رَأي هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ وَأَيِسَ مِنَ إِيمَانِ

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام