فهرس الكتاب
الصفحة 71 من 85

الإخلاص والتوحيد فإن لم يشهد اللسان بها مع علمه بصدقها، ظهر النوع الثالث من أنواع الكفر وهو كفر الجحود، فكفر الجحود له ركنان، وجود علم القلب وامتناع اللسان، ككفر فرعون، فإنه استيقن في الجنان بصدق بموسي وهارون، وجحد باللسان أن يوافقهم فيما يقولون، فقال تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُفْسِدِينَ) النمل/14، وقال جل جلاله: (وَلقَدْ آتَيْنَا مُوسَي تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأل بَنِي إِسْرَائِيل إِذْ جَاءَهُمْ فَقَال لهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يَامُوسَي مَسْحُورًا قَال لقَدْ عَلمْتَ مَا أَنزَل هَؤُلاء إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنْ الأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا) .

ومن أمثلة كفر الجحود كفر اليهود، فإنهم كانوا يعرفون النبي صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ كمعرفتهم لأبنائهم، وكانوا قبل مبعثه يفخرون على العرب باتباعهم له وانتمائهم، يقول تعالى: (الذِينَ آتَيْنَاهُمْ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ ليَكْتُمُونَ الحَقَّ وَهُمْ يَعْلمُونَ) ، (وَلمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ على الذِينَ كَفَرُوا فَلمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلعْنَةُ اللهِ على الكَافِرِينَ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَل اللهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّل اللهُ مِنْ فَضْلهِ أَنْ يُنَزِّل اللهُ مِنْ فَضْلهِ على مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ على غَضَبٍ وَللكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ) .

روي البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللهم عَنْه أنه قَال: بَلغَ عَبْد الله بْنَ سَلامٍ مَقْدَمُ رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ المَدِينَةَ فَأَتَاهُ وقال له: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاثٍ لا يَعْلمُهُنَّ إِلا نَبِيٌّ، قَال: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَاكُلُهُ أَهْلُ الجَنَّةِ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ الوَلدُ إلي أَبِيهِ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ إلي أَخْوَالهِ؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ خَبَّرَنِي بِهِنَّ آنِفًا جِبْرِيلُ، قَال عَبْد الله بْنُ سَلامٍ: جِبْرِيلُ؟ قَال: نَعَمْ، قَال: ذَاكَ عَدُوُّ اليَهُودِ مِنَ المَلائِكَةِ فَقَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ:

(قُل مَنْ كَانَ عَدُوًّا لجِبْرِيل فَإِنَّهُ نَزَّلهُ على قَلبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقًا لمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًي وَبُشْرَي للمُؤْمِنِينَ مَنْ كَانَ عَدُوًّا للهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلهِ وَجِبْرِيل وَمِيكَال فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ للكَافِرِينَ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ المَشْرِقِ إلي المَغْرِبِ وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَاكُلُهُ أَهْلُ الجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ الحُوتٍ، وَأَمَّا الشَّبَهُ فِي الوَلدِ فَإِنَّ الرَّجُل إِذَا غَشِيَ المَرْأَةَ فَسَبَقَهَا مَاؤُهُ كَانَ الشَّبَهُ لهُ، وَإِذَا سَبَقَ مَاؤُهَا كَانَ الشَّبَهُ لهَا، قَال: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، ثُمَّ قَال: يَا رَسُول اللهِ إِنَّ اليَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ إِنْ عَلمُوا بِإِسْلامِي قَبْل أَنْ تَسْأَلهُمْ بَهَتُونِي عِنْدَكَ، فَجَاءَتِ اليَهُودُ وَدَخَل عَبْدُ اللهِ البَيْتَ ليختبئ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ أَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ؟ قَالُوا: أَعْلمُنَا وَابْنُ أَعْلمِنَا وَأَخْبَرُنَا وَابْنُ أَخْيَرِنَا، فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ: أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلمَ عَبْدُ اللهِ؟ قَالُوا: أَعَاذَهُ اللهُ مِنْ ذَلكَ، فَخَرَجَ عَبْد الله إِليْهِمْ فَقَال: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَقَالُوا هو شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا وَوَقَعُوا فِيهِ وَانْتَقَصُوهُ، قَال: فَهَذَا الذِي كُنْتُ أَخَافه يَا رَسُول اللهِ.

ومن أمثلة كفر الجحود كذلك كفر هرقل ملك الروم، فعند البخاري من حديث ابن عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْل أَرْسَل إِليْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانُوا تِجَارًا بِالشَّامِ، فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلسِهِ وَحَوْلهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، ثُمَّ دَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَقَال: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُل الذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فَقَال أَبُو سُفْيَانَ فَقُلتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا، فَقَال أَدْنُوهُ مِنِّي وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ، فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ، ثُمَّ قَال لتَرْجُمَانِهِ قُل لهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُل، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ،

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام