فهرس الكتاب
الصفحة 63 من 85

اختراعها، أما بالنسبة للمقصد من اختراعها وما تستعمل فيه، فإن استعملت في الخير فهي خير ونعماء، وإن قصد بها شر فهي شر وبلاء، وقد تكون البدعة في الدين بدعة عقائدية أو بدعة في منهج العبودية، سواء كانت البدعة قولية أو فعلية، كبدعة نفي التقدير وما سبق في أم الكتاب من أنواع التدبير، وكبدعة بناء المساجد على القبور، وإقامةِ القباب على المقبور، وقراءةِ القرآن على الأموات، والتباهي بإقامة السُّرَادِقَات، والاحتفال بالموالد والمزارات، وإحياءِ ذكري الصالحين والوجهاء، والاستغاثة بهم في المدد والدعاء، فهذه وأمثالها كلها ضلال لقول النبي صلي الله عليه وسلم إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، لكن منها ما هو شرك أكبر يخرج من الإسلام، كالاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه، والذبحِ لغير الله وتقديمِ النذر إليه، إلي أمثال ذلك مما هو عبادة مختصة بالله، ومنها ما هو ذريعة إلي الشرك بالله، كالتوسل إلي الله بجاه الصالحين والحلفِ بسيد الأنبياء والمرسلين، وقول الشخص ما شاء الله وشئت، ما لي إلا الله وأنت، وغير ذلك من الألفاظ الشركية والأمور البدعية.

واعلم أيها المسلم أن الدين قد كمل فلا يحتاج إلي زيادة أو نقصان، وإنما يحتاج إلي شرحٍ وبيان وفتوةٍ ببرهان، والقرون الفاضلة هم خير الناس وأفضل الناس وأولاهم بالمتابعة، والبدعة اتهام لدين الله بالنقص والمذمة، لأنه إن ادعي صاحبُها أنها واجبة أو مستحبة، فلا يكون الدين صحيحا أو كاملا إلا بها، فالرسول صلي الله عليه وسلم ما ستر شيئا مما أمر الله به المسلمين في أمور الدين، ولم يدع إلي تلك البدعة، ولما قال تعالى: (اليَوْمَ أَكْمَلتُ لكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَليْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لكُمْ الإِسْلامَ دِينَا) (المائدة/3) علمنا أنه إما أن يكون الله تعالى هو الصادق في إكمال دينه أو أن المبتدع هو الصادق في نقصانه؟

ولما استحال الأمر الثاني ثبت الأمر الأول، ولو سُئل المبتدع عن بدعته، هل علمها رسول الله أم جهلها؟ فإن ادعي علم الرسول بها، فسيقال: إذا علمها ولم يثبت أنه دعي إليها بل سكت عنها، فنحن أولي بالسكوت عنها، وإذا قال: جهلها ادعي أنه أعلمُ من رسول الله صلي الله عليه وسلم بما ينفع الناس، ولا ينفع المبتدعَ في ترك السنة والتمسكَ بالبدعة حسنُ النية، فقد ثبت أن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنكر على المتشددين في العبادة، فعند البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:

(جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلي بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم فَلمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم قَدْ غُفِرَ لهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَال أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلّي الليْل أَبَدًا، وَقَال آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلا أُفْطِرُ، وَقَال آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم إِليْهِمْ، فَقَال: أَنْتُمُ الذِينَ قُلتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ للهِ وَأَتْقَاكُمْ لهُ لكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَليْسَ مِنِّي) ، وعند البخاري أيضا من حديث عائشة رضي الله عنها، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا ليْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ) .

ومن هنا فإن البدعة مرفوضة بكل سبيل، مهما بالغ صاحبها في التحليل والتعليل، فلا بد في كل طاعة من قيام الدليل، ولا يمكن التأخي بين الأمور البدعية وبين الأدلة القرآنية والنبوية، فالسلف اتخذوا كتاب الله إماما وآياته فرقانا،

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام