فخرج الحجاج قاصدا نحو العراق فصعد المنبر ونهض قائما فكان أول شيء نطق به أن قال والله إني لأري رؤسا قد أينعت وحان وقت قطافها وإني لصاحبها، وإني لأري الدماء تترقرق بين العمائم واللحي، ثم قال: يا غلام اقرأ كتاب أمير المؤمنين فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عبد الملك بن مروان إلي من بالكوفة من المسلمين سلام عليكم، فلم يرد أحد من الجالسين فقال الحجاج أيسلم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون، أهذا أدبكم الذي تأدبتم به أما والله لأودبنكم أدبا غير هذا الأدب، اقرأ يا غلام فقرأ حتى بلغ قوله سلام عليكم فلم يبق أحد إلا قال وعلى أمير المؤمنين السلام.
فهذا انقياد المخلوق للملوك فأولي بالمسلم العاقل أن ينقاد لملك الملوك، ويكفينا ما رواه البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النبي صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال: (كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلا مَنْ أبي قَالُوا يَا رَسُول اللهِ وَمَنْ يَأبي قَال مَنْ أَطَاعَنِي دَخَل الجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أبي) .
واعلم أن الانقياد المنافي للترك يُلزِمُكَ باتباع السنة ويمنعك من إظهار البدعة، فإن الله عز وجل قال: (لقَدْ مَنَّ اللهُ على المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَليْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلمُهُمْ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) آل عمران /164، وقال: (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُول وَأُوْلي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلي اللهِ وَالرَّسُول إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ذَلكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَاوِيل) وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال كان رسول الله صلي الله عليه وسلم في خطبته يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول: من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وقد سمي الإسلام إسلاما لأن من دخل فيه استسلم لله وأحسن الانقياد وأسلم وجهه لرب العباد، واتبع كل ما جاء عن الله ورسوله من أحكام , وقد كان السلف الصالح يتبعون السنة ويجتنبون البدعة، ويعذر بعضهم بعضا، أما الآن فإلي الله المشتكي من تغير الزمان وانتكاسه، وتقلبه وانعكاسه، ودثور السنة وخمولها، وظهور البدعة وشمولها، وما يحدث بين الإخوان والجماعات من التناكر والتحاسد، والتدابر والتباعد، وما يقارب هذه الأفعال ويدانيها، ويناسبها ويضاهيها، فإنها مصيبة ظهرت في سائر الأقطار وبلية انتشرت في سائر القرى والأمصار، فنسأل الله للجميع الهداية، ونسأله الحماية من هوى النفس الذي يزيغ بقلب الإنسان، ونعوذ به من وسواس الشيطان.
ومن حديث العرباض بن سارية قال صلي بنا رسول الله صلي الله عليه وسلم صلاة الصبح ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا قال أوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع والطاعة وإن أمر عليكم عبد فإنه من يعيش منكم فسيري اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها).
فعليك بالانقياد للسنة وترك البدعة فإن البدعة هي كل ما أحدث على غير مثال سابق، فالبدعة التي تتعلق بالمعاملات وشؤون الدنيا كاختراع الآلات ووسائل النقل والمواصلات، كالطائرات والسيارات، وأدوات الطهي وغيرها من الأجهزة والمصنوعات، إلي غير ذلك مما يرجع إلي مصالح الفرد والجماعات، فهذه في نفسها لا حرج فيها ولا إثم في