ونصبوا الحق بين أعينهم عيانا، وسنن رسول الله صلي الله عليه وسلم جنة وسلاحا، واتخذوا طريق الحق منهاجا، وجعلوه نورا وبرهانا.
وهذه وصية الخطاب بن المعلى لولده يعظه فيها باتباع السنة والعمل بالأحكام، وهي وصية نافعة جامعة في معاني الإسلام، فقال: يا بني عليك بتقوى الله وطاعته، واجتناب محارمه، باتباع سنته ومعالمه، حتى تصحَ عيوبُك، وتقرَّ عينُك، فانها لا تخفي على الله خافيه، إياك وهذر الكلام، وكثرة الضحكك والمزاح، ومهازلة الإخوان، فإن ذلك يذهب البهاء، ويوقع الشحناء، وينمي الخيلاء، وعليك بالرزانة والوقار، من غير علو أو استكبار، وقابل صديقك وعدوك بوجه الرضي، وكَفِّ الأذي، من غير ذلة لهم، ولا هيبة منهم، وكن في جميع أمورك في أوسطها، فإن خير الأمور أوسطها، وقلل الكلام وأفش السلام، ولا تكثر المراء، ولا تنازع السفهاء، فإن تكلمت فاختصر، وإن مزحت فاقتصر، وغض الطرف عن الفكاهات وأنواع المضاحكات وطول الحكايات، ولا تحدث الناس عن إعجابك بولدك ولا جاريتك، ولا عن فرسك ولا عن سفيك، ولا تُعْلمْ أهلك وولدَك فضلا عن غيرهم عدد مالك، فإنهم إن رأوه قليلا هنت عليهم، وإن كان كثيرا لم تبلغ به رضاهم، وأخفهم من غير عنف، ولن لهم من غير ضعف.
وإذا وعدت فحقق وإذا حدثت فاصدق، وتخير محاسن القول بالحديث المقبول وإذا حدثت بسماع، فانسبه إلي أهله، ولا تمسك في الإنفاق إمساك المثبور، ولا تبذر تبذير السفيه المغرور، وإياك وإخوان السوء فإنهم يخونون من رافقهم، يحزنون من صادقهم، قربهم أعدي من الجرب ورفضهم استكمال للأدب، والإخوان إثنان فمحافظ عليك عند البلاء، وصديق لك في الرخاء، فاحفظ صديق البلاء وتجنب صديق العافية، فإنهم أعدي الأعداء، وذَمُّ الجاهل إياك أفضلُ من ثنائه عليك، وعليك بمعرفة الحق من أخلاق الصدق، واعلم أن السماجة سفاهة، وأن السكران شيطان، وكلامُه هذيان، والشعر من السحر والتهديد من الهجر، والشح شقاء والشجاعة بقاء.
يا بني إن زوجة الرجل سكن له، ولا عيش له مع منازعتها، فإذا هممت بنكاح امرأة فسل عن أهلها، فإن العروق الطيبة تنبت الثمار الطيبة، واعلم أن النساء أشد اختلافا من أصابع الكف، فمنهن المعجبة بنفسها، ومنهن المزرية ببعلها، إن أكرمهتا نسبت الفضل لنفسها، لا تشكر على جميل، ولا ترضي منه بقليل، لسانها عليه سيف صقيل، قد كشفت ستر الحياء عن وجهها، فلا تستحي من عيوبها، وجه زوجها مكلوم، وعِرضُه مشتوم، يصبح كئيبا ويمسي كئيبا، شرابه مر وطعامه مر، نهاره ليل، وليله ويل، تلدغه مثلُ الحية العقارة، وتلسعه مثلُ العقرب الجرارة، إن قال زوجها لا قالت نعم، وإن قال نعم قالت لا، كأنها مولدة لمخازيه، محتقرة لما هو فيه، ومنهن الورهاء الحمقاء، الماضغة للسانها، الآخذة في غير شأنها، قد قنعت بحبه ورضيت بكسبه، تأكل كالحمار الراتع، تنتشر الشمس ولما يسمع لها صوت، ولم يكنس لها بيت، طعامها بائت وعجينها حامض وماؤها فاتر، ومتاعها مزروع وماعونها ممنوع وخادمها مضروب وجارها مغلوب، ومنهن العطوف الودود المباركة الولود، المحبوبة في جيرانها، المحمودة في سرها وإعلانها، كريمة التبعل كثيرة التفضل، خافضة صوتها، نظيفة في بيتها، خيرها دائم وزوجها ناعم، محبوبة مألوفه، وبالعفاف موصوفة، جوهرة مثمرة، وذكرها مفخرة، حريصة على عرضها، أمينة على بيتها، تحفظ زوجها في غيبته ويأنس بها في حضرته، فلتكن زوجتك من هذا الصنف تسعد بها في دنياك وأخراك.