فهرس الكتاب
الصفحة 38 من 85

وطعمت بيسراك طعامهم، وشاهدت في التلفاز فسقهم، ونشرت بجهلك فكرهم، وقلدت بغبائك أفعالهم، وخرجت عن وصفك، وواليتهم على بني جنسك، ثم سميت ذلك حضارة، وتحررا واستنارة، ثم تأتي وتقول أنا مسلم أشهد ألا إله إلا الله، ولن أغير حيأتي وسأبقي على هذا إلي يوم وفأتي، أتكذب على نفسك، أين الصدق في عهدك لربك؟ لا إله إلا الله ليست مجردَ كلمة خرجت من اللسان، لا شروط لها ولا أركان، إن عبدا قلبه عامر بالإيمان، وقع في شيء من العصيان، خاصمه المصطفي عليه الصلاة والسلام قرابة الشهرين حتى صدق في توبته، وكفر عن ذنبه وخطيئته، روي البخاري بسنده من حديث كَعْبِ بْنَ مَالكٍ رضي الله عنه حِينَ تَخَلفَ عَنْ غزوة تَبُوكَ، قَال كَعْبٌ:

لمْ أَتَخَلفْ عَنْ رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَلمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلفَ عَنْهَا، إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حتى جَمَعَ اللهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ على غَيْرِ مِيعَادٍ، وَلقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ ليْلةَ العَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا على الإِسْلامِ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا، كَانَ مِنْ خَبَرِي أَنِّي لمْ أَكُنْ قَطُّ، أَقْوَي وَلا أَيْسَرَ حِينَ تَخَلفْتُ عَنْهُ فِي تِلكَ الغَزَاةِ، وَاللهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلهُ رَاحِلتَانِ قَطُّ، حتى جَمَعْتُهُمَا فِي تِلكَ الغَزْوَةِ، وَلمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ يُرِيدُ غَزْوَةً، إِلا وَرَّي بِغَيْرِهَا حتى كَانَتْ تِلكَ الغَزْوَةُ، غَزَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَل سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا وَعَدُوًّا كَثِيرًا، فَجَلي للمُسْلمِينَ أَمْرَهُمْ، ليَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ، فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الذِي يُرِيدُ، وَالمُسْلمُونَ مَعَ رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ كَثِيرٌ، وَلا يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ - يُرِيدُ الدِّيوَانَ ديوان الجند - قَال كَعْبٌ:

فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلا ظَنَّ أَنْ سَيَخْفي مَا لمْ يَنْزِل فِيهِ وَحْيُ اللهِ، وَغَزَا رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ تِلكَ الغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلالُ، وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ وَالمُسْلمُونَ مَعَهُ، فَطَفِقْتُ أَغْدُو لكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ فَأَرْجِعُ وَلمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي أَنَا قَادِرٌ عَليْهِ، َلمْ يَزَل يَتَمَادَي - الوسواس - بِي حتى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الجِدُّ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ وَالمُسْلمُونَ مَعَهُ، وَلمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا، فَقُلتُ أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَلحَقُهُمْ، فَغَدَوْتُ بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا لأَتَجَهَّزَ، فَرَجَعْتُ وَلمْ أَقْضِ شَيْئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ وَلمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَلمْ يَزَل بِي حتى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الغَزْوُ، وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِل فَأُدْرِكَهُمْ وَليْتَنِي فَعَلتُ، فَلمْ يُقَدَّرْ لي ذَلكَ، فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ، فَطُفْتُ فِيهِمْ، أَحْزَنَنِي أَنِّي لا أَرَي إِلا رَجُلا مَغْمُوصًا عَليْهِ النِّفَاقُ، أَوْ رَجُلا مِمَّنْ عَذَرَ اللهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ، وَلمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ حتى بَلغَ تَبُوكَ، فَقَال وَهُوَ جَالسٌ فِي القَوْمِ بِتَبُوكَ مَا فَعَل كَعْبٌ، فَقَال رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلمَةَ يَا رَسُول اللهِ حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَنَظَرُهُ فِي عِطْفِهِ، فَقَال مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ:

بِئْسَ مَا قُلتَ، وَاللهِ يَا رَسُول اللهِ مَا عَلمْنَا عَليْهِ إِلا خَيْرًا، فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ، قَال كَعْبُ بْنُ مَالكٍ: فَلمَّا بَلغَنِي أَنَّهُ تَوَجَّهَ قَافِلا، حَضَرَنِي هَمِّي وَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الكَذِبَ، وَأَقُولُ بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا، وَاسْتَعَنْتُ على ذَلكَ بِكُل ذِي رَايٍ مِنْ أَهْلي، فَلمَّا قِيل إِنَّ رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ قَدْ أَظَل قَادِمًا، زَاحَ عَنِّي البَاطِلُ وَعَرَفْتُ أَنِّي لنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَيْءٍ فِيهِ كَذِبٌ، فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ قَادِمًا، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالمَسْجِدِ، فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلسَ للنَّاسِ فَلمَّا فَعَل ذَلكَ جَاءَهُ المُخَلفُونَ، فَطَفِقُوا

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام