فهرس الكتاب
الصفحة 39 من 85

يَعْتَذِرُونَ إِليْهِ وَيَحْلفُونَ لهُ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلا، فَقَبِل مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ عَلانِيَتَهُمْ، وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لهُمْ، وَوَكَل سَرَائِرَهُمْ إِلي اللهِ، فَجِئْتُهُ، فَلمَّا سَلمْتُ عَليْهِ، تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ المُغْضَبِ، ثُمَّ قَال:

تَعَال، فَجِئْتُ أَمْشِي حتى جَلسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَال لي: مَا خَلفَكَ أَلمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ، فَقُلتُ بَلي: إِنِّي وَاللهِ لوْ جَلسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْل الدُّنْيَا، لرَأَيْتُ أَني سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ وَلقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلا، وَلكِنِّي وَاللهِ لقَدْ عَلمْتُ، أنني إن حَدَّثْتُكَ اليَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ، تَرضي بِهِ عَنِّي، ليُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يُسْخِطَكَ على، وَلئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ على فِيهِ، إِنِّي لأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللهِ، لا وَاللهِ يا رسول الله، مَا كَانَ لي مِنْ عُذْرٍ، وَاللهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَي وَلا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلفْتُ عَنْكَ، فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حتى يَقْضِيَ اللهُ فِيكَ، فَقُمْتُ وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلمَةَ فَاتَّبَعُونِي، فَقَالُوا لي:

وَاللهِ مَا عَلمْنَاكَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْل هَذَا، وَلقَدْ عَجَزْتَ أَنْ تعتذر إِلي رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ بِمَا اعْتَذَرَ إِليْهِ المُتَخَلفُونَ، قدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ، اسْتِغْفَارُ رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ لكَ، فَوَاللهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حتى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ، فَأُكَذِّبَ نَفْسِي، ثُمَّ قُلتُ لهُمْ هَل لقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، رَجُلانِ قَالا مِثْل مَا قُلتَ، فَقِيل لهُمَا مِثْلُ مَا قِيل لكَ، فَقُلتُ: مَنْ هُمَا؟

قَالُوا: مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ العَمْرِيُّ وَهِلالُ بْنُ أُمَيَّةَ الوَاقِفِيُّ، فَذَكَرُوا لي رَجُليْنِ صَالحَيْنِ، قَدْ شَهِدَا بَدْرًا، فِيهِمَا أُسْوَةٌ، فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لي، وَنَهي رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ المُسْلمِينَ عَنْ كَلامِنَا، نحن الثَّلاثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلفَ عَنْهُ، فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لنَا، حتى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي الأَرْضُ، فَمَا هِيَ التِي أَعْرِفها، فَلبِثْنَا على ذَلكَ خَمْسِينَ ليْلةً، فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ، وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ القَوْمِ وَأَجْلدَهُمْ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلاةَ مَعَ المُسْلمِينَ، وَأَطُوفُ فِي الأَسْوَاقِ وَلا يُكَلمُنِي أَحَدٌ، وَآتِي رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ فَأُسَلمُ عَليْهِ وَهُوَ فِي مَجْلسِهِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي هَل حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلامِ على أَمْ لا، ثُمَّ أُصَلي قَرِيبًا مِنْهُ فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلتُ على صَلاتِي أَقْبَل إِليَّ، وَإِذَا التَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي، حتى إِذَا طَال على ذَلكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ، مَشَيْتُ حتى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِليَّ فَسَلمْتُ عَليْهِ، فَوَاللهِ مَا رَدَّ على السَّلامَ.

فَقُلتُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ أَنْشُدُكَ بِاللهِ هَل تَعْلمُنِي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولهُ؟ فَسَكَتَ فَعُدْتُ لهُ فَنَشَدْتُهُ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لهُ فَنَشَدْتُهُ، فَقَال: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلمُ، فَفَاضَتْ عَيْنَايَ وَتَوَليْتُ حتى تَسَوَّرْتُ الجِدَارَ، قَال: فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ المَدِينَةِ، إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْل الشَّامِ، مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالمَدِينَةِ، يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ على كَعْبِ بْنِ مَالكٍ، فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لهُ، حتى إِذَا جَاءَنِي دَفَعَ إِليَّ كِتَابًا مِنْ مَلكِ غَسَّانَ، فَإِذَا فِيهِ أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلمْ يَجْعَلكَ اللهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلا مَضْيَعَةٍ، فَالحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ فَقُلتُ لمَّا قَرَاتُهَا:

وَهَذَا أَيْضًا مِنَ البَلاءِ، فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِهَا، حتى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ ليْلةً مِنَ الخَمْسِينَ، إِذَا رَسُولُ رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ يَاتِينِي، فَقَال إِنَّ رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ يَامُرُكَ أَنْ تَعْتَزِل امْرَأَتَكَ، فَقُلتُ: أُطَلقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَال: لا بَل اعْتَزِلهَا وَلا تَقْرَبْهَا؟ وَأَرْسَل إِلي صَاحِبَيَّ مِثْل ذَلكَ، فَقُلتُ لامْرَأَتِي: الحَقِي بِأَهْلكِ فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ، حتى يَقْضِيَ اللهُ فِي هَذَا الأَمْرِ، قَال كَعْبٌ: فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلال بْنِ أُمَيَّةَ رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ، فَقَالتْ: يَا رَسُول اللهِ إِنَّ هِلال بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ، ليْسَ لهُ خَادِمٌ، فَهَل تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ؟

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام