• 797
  • عَنْ عَلْقَمَةَ ، قَالَ : قَدِمْتُ الشَّأْمَ ، فَقُلْتُ : مَنْ هَا هُنَا ؟ قَالُوا أَبُو الدَّرْدَاءِ ، قَالَ : " أَفِيكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ "

    حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ ، عَنِ المُغِيرَةِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ ، قَالَ : قَدِمْتُ الشَّأْمَ ، فَقُلْتُ : مَنْ هَا هُنَا ؟ قَالُوا أَبُو الدَّرْدَاءِ ، قَالَ : أَفِيكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ؟ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ مُغِيرَةَ ، وَقَالَ : الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَعْنِي عَمَّارًا

    لا توجد بيانات
    أَفِيكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى
    حديث رقم: 3565 في صحيح البخاري كتاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب مناقب عمار وحذيفة رضي الله عنهما
    حديث رقم: 3566 في صحيح البخاري كتاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب مناقب عمار وحذيفة رضي الله عنهما
    حديث رقم: 3585 في صحيح البخاري كتاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب مناقب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
    حديث رقم: 4679 في صحيح البخاري كتاب تفسير القرآن باب {والنهار إذا تجلى} [الليل: 2]
    حديث رقم: 4680 في صحيح البخاري كتاب تفسير القرآن باب {وما خلق الذكر والأنثى} [الليل: 3]
    حديث رقم: 5947 في صحيح البخاري كتاب الاستئذان باب من ألقي له وسادة
    حديث رقم: 1406 في صحيح مسلم كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا بَابُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِرَاءَاتِ
    حديث رقم: 1407 في صحيح مسلم كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا بَابُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِرَاءَاتِ
    حديث رقم: 2999 في جامع الترمذي أبواب القراءات باب: ومن سورة الليل
    حديث رقم: 26934 في مسند أحمد ابن حنبل مِنْ مُسْنَدِ الْقَبَائِلِ بَقِيَّةُ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 26937 في مسند أحمد ابن حنبل مِنْ مُسْنَدِ الْقَبَائِلِ بَقِيَّةُ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 26944 في مسند أحمد ابن حنبل مِنْ مُسْنَدِ الْقَبَائِلِ بَقِيَّةُ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 26949 في مسند أحمد ابن حنبل مِنْ مُسْنَدِ الْقَبَائِلِ بَقِيَّةُ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 6436 في صحيح ابن حبان كِتَابُ التَّارِيخِ ذِكْرُ قِرَاءَةِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى
    حديث رقم: 6437 في صحيح ابن حبان كِتَابُ التَّارِيخِ ذِكْرُ الْخَبَرِ الْمُدْحِضِ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ تَفَرَّدَ بِهِ
    حديث رقم: 7250 في صحيح ابن حبان كِتَابُ إِخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَنَاقِبِ الصَّحَابَةِ ، رِجَالِهُمْ ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ حُذَيْفَةَ كَانَ صَاحِبَ سِرِّ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
    حديث رقم: 11230 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ التَّفْسِيرِ سُورَةُ اللَّيْلِ
    حديث رقم: 8027 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ الْمَنَاقِبِ مَنَاقِبُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ
    حديث رقم: 11231 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ التَّفْسِيرِ سُورَةُ اللَّيْلِ
    حديث رقم: 5390 في المستدرك على الصحيحين كِتَابُ مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ذِكْرُ مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 6212 في المعجم الأوسط للطبراني بَابُ الْمِيمِ بَابُ الْمِيمِ مَنِ اسْمُهُ : مُحَمَّدٌ
    حديث رقم: 389 في مسند الحميدي مسند الحميدي أَحَادِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 1055 في مسند الطيالسي وَأَحَادِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَحَادِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ
    حديث رقم: 68 في أمالي المحاملي أمالي المحاملي مَجْلِسٌ آخَرُ إِمْلَاءً لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ رَجَبٍ
    حديث رقم: 126 في جزء قراءات النبي لحفص بن عمر جزء قراءات النبي لحفص بن عمر وَمِنْ سُورَةِ وَاللَّيْلِ
    حديث رقم: 25 في مسند ابن أبي شيبة مَا رَوَاهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
    حديث رقم: 25 في مسند ابن أبي شيبة ابْنُ سِيلَانَ
    حديث رقم: 3213 في مستخرج أبي عوانة مُبْتَدَأُ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ بَابُ ذِكْرِ سُورَةِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى
    حديث رقم: 377 في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء حلية الأولياء وطبقات الأصفياء
    حديث رقم: 125 في جزء قراءات النبي لحفص بن عمر جزء قراءات النبي لحفص بن عمر وَمِنْ سُورَةِ وَاللَّيْلِ
    حديث رقم: 3210 في مستخرج أبي عوانة مُبْتَدَأُ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ بَابُ ذِكْرِ سُورَةِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى
    حديث رقم: 3211 في مستخرج أبي عوانة مُبْتَدَأُ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ بَابُ ذِكْرِ سُورَةِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى
    حديث رقم: 3212 في مستخرج أبي عوانة مُبْتَدَأُ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ بَابُ ذِكْرِ سُورَةِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى
    حديث رقم: 3214 في مستخرج أبي عوانة مُبْتَدَأُ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ بَابُ ذِكْرِ سُورَةِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى
    حديث رقم: 69 في أمالي المحاملي أمالي المحاملي مَجْلِسٌ آخَرُ إِمْلَاءً لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ رَجَبٍ

    [3287] قَوْلُهُ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ لَهُ مَزِيَّةٌ بِذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ لِلشَّيْطَانِ تَسَلُّطًا عَلَى مَنْ لَمْ يُجِرْهُ اللَّهُ مِنْهُ الْحَدِيثُ الْعشْرُونَ حَدِيث عَائِشَةَ فِي ذِكْرِ الْكُهَّانِ أَوْرَدَهُ مُعَلَّقًا عَنِ اللَّيْثِ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي صِفَةِ الْمَلَائِكَةِ وَقَدْ وَصَلَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ عَنْهُ وَقَالَ يُقَالُ إِنَّ الْبُخَارِيَّ حَمَلَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي التَّثَاؤُبِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي الْأَدَبِ وَبَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِيهِ عَلَى سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ هَلْ هُوَ عِنْدَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَا وَاسِطَةٍ أَوْ بِوَاسِطَةِ أَبِيهِ الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ قَتْلِ وَالِدِ حُذَيْفَةَ وَسَيَأْتِي شَرْحُهَا فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ حَدِيثُهَا فِي الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الصَّلَاةِ الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ الْحَدِيثَ وَأَوْرَدَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي التَّعْبِيرِ وَفَائِدَةُ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ كَانَتِ الْأُولَى أَعْلَى مِنْهَا التَّصْرِيحُ فِيهَا بِتَحْدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ لِيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي فَضْلِ قَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي الدَّعَوَاتِ الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ حَدِيثُ سعد اسْتَأْذنعُمَرُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي الْمَنَاقِبِ الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْأَمْرِ بِالِاسْتِنْثَارِ وَفِيهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ وَالْخَيْشُومُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِسُكُونِ الْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ وَضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ هُوَ الْأَنْفُ وَقِيلَ الْمَنْخِرُ وَقَوْلُهُ فَلْيَسْتَنْثِرْ أَكْثَرُ فَائِدَةً مِنْ قَوْلِهِ فَلْيَسْتَنْشِقْ لِأَنَّ الِاسْتِنْثَارَ يَقَعُ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ بِغَيْرِ عَكْسٍ فَقَدْ يَسْتَنْشِقُ وَلَا يَسْتَنْثِرُ وَالِاسْتِنْثَارُ مِنْ تَمَامِ فَائِدَةِ الِاسْتِنْشَاقِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الِاسْتِنْشَاقِ جَذْبُ الْمَاءِ بِرِيحِ الْأَنْفِ إِلَى أَقْصَاهُ وَالِاسْتِنْثَارُ إِخْرَاجُ ذَلِكَ الْمَاءِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الِاسْتِنْشَاقِ تَنْظِيفُ دَاخِلِ الْأَنْفِ وَالِاسْتِنْثَارُ يُخْرِجُ ذَلِكَ الْوَسَخَ مَعَ الْمَاءِ فَهُوَ مِنْ تَمَامِ الِاسْتِنْشَاقِ وَقِيلَ إِنَّ الِاسْتِنْثَارَ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّثْرَةِ وَهِيَ طَرَفُ الْأَنْفِ وَقِيلَ الْأَنْفُ نَفْسُهُ فَعَلَى هَذَا فَمَنِ اسْتَنْشَقَ فَقَدِ اسْتَنْثَرَ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهُ تَنَاوَلَ الْمَاءَ بِأَنْفِهِ أَوْ بِطَرَفِ أَنْفِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ ثُمَّ إِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا يَقَعُ لِكُلِّ نَائِمٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِمَنْ لَمْ يَحْتَرِسْ مِنَ الشَّيْطَانِ بِشَيْءٍ مِنَ الذِّكْرِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ قَبْلَ حَدِيثِ سَعْدٍ فَإِنَّ فِيهِ فَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ وَكَذَلِكَ آيَةُ الْكُرْسِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِنَفْيِ الْقُرْبِ هُنَا أَنَّهُ لَا يَقْرَبُ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِيهِ وَهُوَ الْقَلْبُ فَيَكُونُ مَبِيتُهُ عَلَى الْأَنْفِ لِيَتَوَصَّلَ مِنْهُ إِلَى الْقَلْبِ إِذَا اسْتَيْقَظَ فَمَنِ اسْتَنْثَرَ مَنَعَهُ مِنَ التَّوَصُّلِ إِلَى مَا يَقْصِدُ مِنَ الْوَسْوَسَةِ فَحِينَئِذٍ فَالْحَدِيثُ مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ مُسْتَيْقِظٍ ثُمَّ إِنَّ الِاسْتِنْشَاقَ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ اتِّفَاقًا لِكُلِّ مَنِ اسْتَيْقَظَ أَوْ كَانَ مُسْتَيْقِظًا وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِوُجُوبِهِ فِي الْغُسْلِ وَطَائِفَةٌ بِوُجُوبِهِ فِي الْوُضُوءِ أَيْضًا وَهَلْ تَتَأَدَّى السُّنَّةُ بِمُجَرَّدِهِ بِغَيْرِ اسْتِنْثَارٍ أَمْ لَا خِلَافَ وَهُوَ مَحَلُّ بَحْثٍ وَتَأَمُّلٍ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا لَا تَتِمُّ الا بِهِ لما تقدم وَالله أعلم (قَوْلُهُ بَابُ ذِكْرِ الْجِنِّ وَثَوَابِهِمْ وَعِقَابِهِمْ) أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى إِثْبَاتِ وُجُودِ الْجِنِّ وَإِلَى كَوْنِهِمْ مُكَلَّفِينَ فَأَمَّا إِثْبَاتُ وُجُودِهِمْ فَقَدْ نَقَلَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الشَّامِلِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ وَالزَّنَادِقَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا وُجُودَهُمْ رَأْسًا قَالَ وَلَا يُتَعَجَّبُ مِمَّنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْمُشَرِّعِينَ إِنَّمَا الْعَجَبُ مِنَ الْمُشَرِّعِينَ مَعَ نُصُوصِ الْقُرْآنِ وَالْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ قَالَ وَلَيْسَ فِي قَضِيَّةِ الْعَقْلِ مَا يَقْدَحُ فِي إِثْبَاتِهِمْ قَالَ وَأَكْثَرُ مَا اسْتَرْوَحَ إِلَيْهِ مَنْ نَفَاهُمْ حُضُورُهُمْعِنْدَ الْإِنْسِ بِحَيْثُ لَا يَرَوْنَهُمْ وَلَوْ شَاءُوا لَأَبْدَوْا أَنْفُسَهُمْ قَالَ وَإِنَّمَا يَسْتَبْعِدُ ذَلِكَ مَنْ لَمْ يُحِطْ عِلْمًا بِعَجَائِبِ الْمَقْدُورَاتِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يُثْبِتُونَ وُجُودَهُمْ وَيَنْفُونَهُ الْآنَ وَمِنْهُمْ مَنْ يُثْبِتُهُمْ وَيَنْفِي تَسَلُّطَهُمْ عَلَى الْإِنْسِ وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ الْمُعْتَزِلِيُّ الدَّلِيلُ عَلَى إِثْبَاتِهِمُ السَّمْعُ دُونَ الْعَقْلِ إِذْ لَا طَرِيقَ إِلَى إِثْبَاتِ أَجْسَامٍ غَائِبَةٍ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَدُلُّ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا تَعَلُّقٌ وَلَوْ كَانَ إِثْبَاتُهُمْ بِاضْطِرَارٍ لَمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ إِلَّا أَنَّا قَدْ عَلِمْنَا بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَدَيَّنُ بِإِثْبَاتِهِمْ وَذَلِكَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُتَشَاغَلَ بِإِيرَادِهِ وَإِذَا ثَبَتَ وُجُودُهُمْ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ صِفَةِ النَّارِ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَاخْتُلِفَ فِي صِفَتِهِمْ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ قَالَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ الْجِنُّ أَجْسَادٌ رَقِيقَةٌ بَسِيطَةٌ قَالَ وَهَذَا عِنْدَنَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ إِنْ ثَبَتَ بِهِ سَمْعٌ وَقَالَ أَبُو يَعْلَى بْنُ الْفَرَّاءِ الْجِنُّ أَجْسَامٌ مُؤَلَّفَةٌ وَأَشْخَاصٌ مُمَثَّلَةٌ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ رَقِيقَةً وَأَنْ تَكُونَ كَثِيفَةً خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّهَا رَقِيقَةٌ وَأَنَّ امْتِنَاعَ رُؤْيَتِنَا لَهُمْ مِنْ جِهَةِ رِقَّتِهَا وَهُوَ مَرْدُودٌ فَإِنَّ الرِّقَّةَ لَيْسَتْ بِمَانِعَةٍ عَنِ الرُّؤْيَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَنْ رُؤْيَتِنَا بَعْضُ الْأَجْسَامِ الْكَثِيفَةِ إِذَا لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ فِينَا إِدْرَاكَهَا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الرَّبِيعِ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَرَى الْجِنَّ أَبْطَلْنَا شَهَادَتَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا انْتَهَى وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يَدَّعِي رُؤْيَتَهُمْ عَلَى صُوَرِهِمُ الَّتِي خُلِقُوا عَلَيْهَا وَأَمَّا مَنِ ادَّعَى أَنَّهُ يَرَى شَيْئًا مِنْهُمْ بَعْدَ أَنْ يَتَطَوَّرَ عَلَى صُوَرٍ شَتَّى مِنَ الْحَيَوَانِ فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ وَقَدْ تَوَارَدَتِ الْأَخْبَارُ بِتَطَوُّرِهِمْ فِي الصُّوَرِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ هُوَ تَخْيِيلٌ فَقَطْ وَلَا يَنْتَقِلُ أَحَدٌ عَنْ صُورَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَقِيلَ بَلْ يَنْتَقِلُونَ لَكِنْ لَا بِاقْتِدَارِهِمْ عَلَى ذَلِكَ بَلْ بِضَرْبٍ مِنَ الْفِعْلِ إِذَا فَعَلَهُ انْتَقَلَ كَالسِّحْرِ وَهَذَا قَدْ يَرْجِعُ إِلَى الْأَوَّلِ وَفِيهِ أَثَرٌ عَنْ عُمَرَ أَخْرَجَهُ بن أبي شيبَة بِإِسْنَاد صَحِيح أَن الغيلان ذُكِرُوا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ إِنَّ أَحَدًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْ صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا وَلَكِنْ لَهُمْ سَحَرَةٌ كَسَحَرَتِكُمْ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَأَذِّنُوا وَإِذَا ثَبَتَ وُجُودُهُمْ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي أَصْلِهِمْ فَقِيلَ إِنَّ أَصْلَهُمْ مِنْ وَلَدِ إِبْلِيسَ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَافِرًا سُمِّيَ شَيْطَانًا وَقِيلَ إِنَّ الشَّيَاطِينَ خَاصَّةً أَوْلَادُ إِبْلِيسَ وَمن عداهم لَيْسُوا من وَلَده وَحَدِيث بن عَبَّاسٍ الْآتِي فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْجِنِّ يُقَوِّي أَنَّهُمْ نَوْعٌ وَاحِدٌ مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ وَاخْتَلَفَ صِنْفُهُ فَمَنْ كَانَ كَافِرًا سُمِّيَ شَيْطَانًا وَإِلَّا قِيلَ لَهُ جِنِّيٌّ وَأَمَّا كَوْنُهُمْ مُكَلَّفِينَ فَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ الْجِنُّ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ مُكَلَّفُونَ وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ لَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ إِلَّا مَا حَكَى زَرْقَانُ عَنْ بَعْضِ الْحَشْوِيَّةِ أَنَّهُمْ مُضْطَرُّونَ إِلَى أَفْعَالِهِمْ وَلَيْسُوا بِمُكَلَّفِينَ قَالَ وَالدَّلِيلُ لِلْجَمَاعَةِ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذَمِّ الشَّيَاطِينِ وَالتَّحَرُّزِ مِنْ شَرِّهِمْ وَمَا أُعِدَّ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ وَهَذِهِ الْخِصَالُ لَا تَكُونُ إِلَّا لِمَنْ خَالَفَ الْأَمْرَ وَارْتَكَبَ النَّهْيَ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَنْ لَا يَفْعَلَ وَالْآيَاتُ وَالْأَخْبَارُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَإِذَا تَقَرَّرَ كَوْنُهُمْ مُكَلَّفِينَ فَقَدِ اخْتَلَفُوا هَلْ كَانَ فِيهِمْ نَبِيٌّ مِنْهُمْ أَمْ لَا فَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ إِثْبَاتَ ذَلِكَ قَالَ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِ الضَّحَّاكِ احْتَجَّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ رُسُلًا أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ فَلَوْ جَازَ أَنَّ الْمُرَادَ بِرُسُلِ الْجِنِّ رُسُلُ الْإِنْسِ لَجَازَ عَكْسُهُ وَهُوَ فَاسِدٌ انْتَهَى وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ رُسُلَ الْإِنْسِ رُسُلٌ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ إِلَيْهِمْ وَرُسُلُ الْجِنِّ بَثَّهُمُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ فَسَمِعُوا كَلَامَ الرُّسُلِ مِنَ الْإِنْسِ وَبَلَّغُوا قَوْمَهُمْ وَلِهَذَا قَالَ قَائِلُهُمْ إِنَّا سمعنَا كتابا أنزل من بعد مُوسَى الْآيَة وَاحْتج بن حَزْمٍ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَكَانَ النَّبِي يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ قَالَ وَلَيْسَ الْجِنُّ مِنْ قَوْمِ الْإِنْسِ فَثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ أَنْبِيَاءُ إِلَيْهِمْ قَالَ وَلَمْ يُبْعَثْ إِلَى الْجِنِّ مِنَ الْإِنْسِ نَبِيٌّ إِلَّا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمُومِ بَعْثَتِهِ إِلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ بِاتِّفَاقٍ انْتهى وَقَالَبن عَبْدِ الْبَرِّ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَهَذَا مِمَّا فُضِّلَ بِهِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَنُقِلَ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ غَافِرٍ وَلَقَد جَاءَكُم يُوسُف من قبل بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ هُوَ رَسُول الْجِنّ وَهَذَا ذكره وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْإِرْشَادِ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ مَعَ الْعِيسَوِيَّةِ وَقَدْ عَلِمْنَا ضَرُورَةً أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادَّعَى كَوْنَهُ مَبْعُوثًا إِلَى الثقلَيْن وَقَالَ بن تَيْمِيَةَ اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ قُلْتُ وَثَبَتَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ وَبُعِثْتُ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّار بِلَفْظ وَعَن بن الْكَلْبِيِّ كَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى الْإِنْسِ فَقَطْ وَبُعِثَ مُحَمَّدٌ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَإِذَا تَقَرَّرَ كَوْنُهُمْ مُكَلَّفِينَ فَهُمْ مُكَلَّفُونَ بِالتَّوْحِيدِ وَأَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا مَا عَدَاهُ مِنَ الْفُرُوعِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ لِمَا ثَبَتَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الرَّوْثِ وَالْعَظْمِ وَأَنَّهُمَا زَادُ الْجِنِّ وَسَيَأْتِي فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي آخِرِهِ فَقُلْتُ مَا بَالُ الرَّوْثِ وَالْعَظْمِ قَالَ هُمَا طَعَامُ الْجِنِّ الْحَدِيثَ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ تَنَاوُلِهِمْ لِلرَّوْثِ وَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى الْإِنْسِ وَكَذَلِكَ رَوَى أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ من طَرِيق عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ خَيْبَرَ فَتَبِعَهُ رَجُلَانِ وَآخَرُ يَتْلُوهُمَا يَقُولُ ارْجِعَا حَتَّى رَدَّهُمَا ثُمَّ لَحِقَهُ فَقَالَ لَهُ إِنَّ هَذَيْنِ شَيْطَانَانِ فَإِذَا أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْرَأْ عَلَيْهِ السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُ أَنَّا فِي جَمْعِ صَدَقَاتِنَا وَلَوْ كَانَتْ تَصْلُحُ لَهُ لَبَعَثْنَا بِهَا إِلَيْهِ فَلَمَّا قَدِمَ الرَّجُلُ الْمَدِينَةَ أَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَنَهَى عَنِ الْخَلْوَةِ أَيِ السَّفَرِ مُنْفَرِدًا وَاخْتُلِفَ أَيْضًا هَلْ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَنَاكَحُونَ أَمْ لَا فَقِيلَ بِالنَّفْيِ وَقِيلَ بِمُقَابِلِهِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ أَكْلُهُمْ وَشُرْبُهُمْ تَشَمُّمٌ وَاسْتِرْوَاحٌ لَا مَضْغٌ وَلَا بَلْعٌ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أُمَيَّةَ بْنِ مُخَشًّى قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا وَرَجُلٌ يَأْكُلُ وَلَمْ يُسَمِّ ثُمَّ سَمَّى فِي آخِرِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا زَالَ الشَّيْطَانُ يَأْكُلُ مَعَهُ فَلَمَّا سَمَّى اسْتَقَاءَ مَا فِي بَطْنِهِ وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْكُلَنَّ أَحَدُكُمْ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبْ بِشِمَالِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ وروى بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّ الْجِنَّ أَصْنَافٌ فَخَالِصُهُمْ رِيحٌ لَا يَأْكُلُونَ وَلَا يَشْرَبُونَ وَلَا يَتَوَالَدُونَ وَجِنْسٌ مِنْهُمْ يَقَعُ مِنْهُمْ ذَلِكَ وَمِنْهُمُ السَّعَالِي وَالْغُولُ وَالْقُطْرُبُ وَهَذَا إِنْ ثَبَتَ كَانَ جَامِعًا لِلْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا روى بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِنُّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ صِنْفٌ لَهُمْ أَجْنِحَةٌ يَطِيرُونَ فِي الْهَوَاءِ وَصِنْفٌ حَيَّاتٌ وَعَقَارِبُ وصنف يحلونَ ويظعنون وروى بن أَبِي الدُّنْيَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا نَحوه لَكِن قَالَ فِي الثَّالِث وصنف عليم الْحِسَابُ وَالْعِقَابُ وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ وروى بن أَبِي الدُّنْيَا مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدِ بْنِ جَابِرٍ أَحَدِ ثِقَاتِ الشَّامِيِّينَ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ قَالَ مَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ إِلَّا وَفِي سَقْفِ بَيْتِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَإِذَا وُضِعَ الْغَدَاءُ نَزَلُوا فَتَغَدَّوْا مَعَهُمْ وَالْعَشَاءُ كَذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُمْ يَتَنَاكَحُونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَمْ يطمثهن أنس قبلهم وَلَا جَان وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَالدَّلَالَةُ مِنْ ذَلِكَ ظَاهِرَةٌ وَاعْتَلَّ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ الْجَانَّ خُلِقَ مِنْ نَارٍ وَفِي النَّارِ مِنَ الْيُبُوسَةِ وَالْخِفَّةِ مَا يَمْنَعُ مَعَهُ التَّوَالُدَ وَالْجَوَابُ أَنَّ أَصْلَهُمْ مِنَ النَّارِ كَمَا أَنَّ أَصْلَ الْآدَمِيِّ مِنَ التُّرَابِ وَكَمَا أَنَّ الْآدَمِيَّ لَيْسَ طِينًا حَقِيقَةً كَذَلِكَ الْجِنِّيُّ لَيْسَ نَارًا حَقِيقَةً وَقَدْ وَقَعَ فِي الصَّحِيحِ فِي قِصَّةِ تَعَرُّضِ الشَّيْطَانِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فَأَخَذْتُهُ فَخَنَقْتُهُ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ رِيقِهِ عَلَى يَدَيَّ قُلْتُ وَبِهَذَا الْجَوَابِ يَنْدَفِعُ إِيرَادُ مَنِ اسْتَشْكَلَ قَوْلَهُ تَعَالَى إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثاقب فَقَالَ كَيْفَ تُحْرِقُ النَّارُ النَّارَ وَأَمَّا قَوْلُ المُصَنّف وثوابهموَعِقَابُهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ مَنْ أَثْبَتَ تَكْلِيفَهُمْ أَنَّهُمْ يُعَاقَبُونَ عَلَى الْمَعَاصِي وَاخْتُلِفَ هَلْ يُثَابُونَ فَرَوَى الطَّبَرِيّ وبن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ مَوْقُوفًا قَالَ إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ قَالَ اللَّهُ لِمُؤْمِنِ الْجِنِّ وَسَائِرِ الْأُمَمِ أَيْ مِنْ غَيْرِ الْإِنْسِ كُونُوا تُرَابًا فَحِينَئِذٍ يَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا وروى بن أَبِي الدُّنْيَا عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ قَالَ ثَوَابُ الْجِنِّ أَنْ يُجَارُوا مِنَ النَّارِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ كُونُوا تُرَابًا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَحْوُ هَذَا الْقَوْلِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُمْ يُثَابُونَ عَلَى الطَّاعَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِمْ ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ يَدْخُلُونَ مَدْخَلَ الْإِنْسِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا نَعَمْ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَثَانِيهَا يَكُونُونَ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ مَالِكٍ وَطَائِفَةٍ وَثَالِثُهَا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ وَرَابِعُهَا التَّوَقُّفُ عَنِ الْجَوَابِ فِي هَذَا وروى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي يُوسُفَ قَالَ قَالَ بن أَبِي لَيْلَى فِي هَذَا لَهُمْ ثَوَابٌ قَالَ فَوَجَدْنَا مِصْدَاقَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلكُل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا قُلْتُ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ قَبْلَهَا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ فَإِن قَوْله وَلكُل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا يَلِي الْآيَةَ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ وَاسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَة أَيْضا بن عبد الحكم وَاسْتدلَّ بن وَهْبٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ من قبلهم من الْجِنّ والأنس الْآيَةَ فَإِنَّ الْآيَةَ بَعْدَهَا أَيْضًا وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عمِلُوا وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ مُغِيثِ بْنِ سُمَيٍّ أَحَدِ التَّابِعِينَ قَالَ مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا وَهُوَ يَسْمَعُ زَفِيرَ جَهَنَّمَ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ الَّذِينَ عَلَيْهِمُ الْحِسَابُ وَالْعِقَابُ وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِمُ الْعِقَابَ وَلَهُمُ الثَّوَابَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ ربه جنتان ثمَّ قَالَ فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ وَالْخِطَابُ لِلْإِنْسِ وَالْجِنِّ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ فِيهِمْ مُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنُ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَخَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ثَبَتَ الْمَطْلُوبُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ بَخْسًا نُقْصَانًا يُرِيدُ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنِ الْجِنِّ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رهقا قَالَ يَحْيَى الْفَرَّاءُ الْبَخْسُ النَّقْصُ وَالرَّهَقُ الظُّلْمُ وَمَفْهُومُ الْآيَةِ أَنَّ مَنْ يَكْفُرُ فَإِنَّهُ يَخَافُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى ثُبُوتِ تَكْلِيفِهِمْ قَوْلُهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا إِلَخْ وَصله الْفرْيَابِيّ من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ بِهِ وَفِيهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فَمَنْ أُمَّهَاتُهُمْ قَالُوا بَنَاتُ سَرَوَاتِ الْجِنِّ إِلَخْ وَفِيهِ قَالَ عَلِمَتِ الْجِنُّ أَنَّهُمْ سَيَحْضُرُونَ لِلْحِسَابِ قُلْتُ وَهَذَا الْكَلَامُ الْأَخِيرُ هُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِالتَّرْجَمَةِ وَسَرَوَاتُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ جَمْعُ سَرِيَّة بتَخْفِيف الرَّاءِ أَيْ شَرِيفَةٍ وَوَقَعَ هُنَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَأُمَّهَاتُهُنَّ وَلِغَيْرِهِ وَأُمَّهَاتُهُمْ وَهُوَ أَصْوَبُ وَوَقع أَيْضا لغير الْكشميهني جند محضرون بالافراد رِوَايَته أَشْبَهُ قَوْلُهُ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ عِنْدَ الْحِسَابِ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ أَيْضًا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ عَنْ مُجَاهِدٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَشْرُوحًا فِي كِتَابِ الْأَذَانِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجِنَّ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْله أُولَئِكَ فِي ضلال مُبينمصرفا معدلا صرفنَا أَي وجهنا قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْك نَفرا من الْجِنّ إِلَى قَوْله أُولَئِكَ فِي ضلال مُبين سَيَأْتِي الْقَوْلُ فِي تَعْيِينِهِمْ وَتَعْيِينِ بَلَدِهِمْ فِي التَّفْسِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ صَرَفْنَا أَيْ وَجَّهْنَا هُوَ تَفْسِيرُ الْمُصَنِّفِ وَقَوْلُهُ مَصْرِفًا مَعْدِلًا هُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ أَبِي كَبِيرٍ بِالْمُوَحَّدَةِ الْهُذَلِيِّ أَزُهَيْرُ هَلْ عَنْ مَيْتَةٍ مِنْ مَصْرِفِ أَمْ لَا خُلُودَ لِبَاذِلٍ مُتَكَلِّفِ تَنْبِيهٌ لَمْ يَذْكُرِ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَاب حَدِيثا واللائق بِهِ حَدِيث بن عَبَّاسٍ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ فِي تَوَجُّهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُكَاظَ وَاسْتِمَاعِ الْجِنِّ لِقِرَاءَتِهِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ بِتَمَامِهِ فِي التَّفْسِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِالْآيَةِ الَّتِي صَدَّرَ بِهَا هَذَا الْبَابَ (قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَبث فِيهَا من كل دَابَّة) كَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى سَبْقِ خَلْقِ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ عَلَى الْحَيَوَانِ أَوْ سَبْقِ جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى خَلْقِ آدَمَ وَالدَّابَّةُ لُغَةً مَا دَبَّ مِنَ الْحَيَوَانِ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمُ الطَّيْرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بجناحيه وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى مَا مِنْ دَابَّةٍ الا هُوَ آخذ بناصيتها وَعُرْفًا ذَوَاتُ الْأَرْبَعِ وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِالْفَرَسِ وَقِيلَ بِالْحِمَارِ وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ خَلْقَ الدَّوَابِّ كَانَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ ذَلِك قبل خلق آدم قَوْله قَالَ بن عَبَّاس الثعبان الْحَيَّة الذّكر وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِهِ وَقِيلَ الثُّعْبَانُ الْكَبِيرُ مِنَ الْحَيَّاتِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى قَوْلُهُ يُقَالُ الْحَيَّاتُ أَجْنَاسٌ الْجَانُّ وَالْأَفَاعِي وَالْأَسَاوِدُ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ الْجَانُّ أَجْنَاسٌ قَالَ عِيَاضٌ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ قُلْتُ هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْقَصَصِ قَالَ فِي قَوْله كَأَنَّهَا جَان وَفِي قَوْله حَيَّة تسْعَى كَأَنَّهَا جَانٌّ مِنَ الْحَيَّاتِ أَوْ مِنْ حَيَّةِ الْجَانِّ فَجَرَى عَلَى أَنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَقِيلَ كَانَتِ الْعَصَا فِي أَوَّلِ الْحَالِ جَانًّا وَهِيعُمَرُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي الْمَنَاقِبِ الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْأَمْرِ بِالِاسْتِنْثَارِ وَفِيهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ وَالْخَيْشُومُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِسُكُونِ الْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ وَضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ هُوَ الْأَنْفُ وَقِيلَ الْمَنْخِرُ وَقَوْلُهُ فَلْيَسْتَنْثِرْ أَكْثَرُ فَائِدَةً مِنْ قَوْلِهِ فَلْيَسْتَنْشِقْ لِأَنَّ الِاسْتِنْثَارَ يَقَعُ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ بِغَيْرِ عَكْسٍ فَقَدْ يَسْتَنْشِقُ وَلَا يَسْتَنْثِرُ وَالِاسْتِنْثَارُ مِنْ تَمَامِ فَائِدَةِ الِاسْتِنْشَاقِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الِاسْتِنْشَاقِ جَذْبُ الْمَاءِ بِرِيحِ الْأَنْفِ إِلَى أَقْصَاهُ وَالِاسْتِنْثَارُ إِخْرَاجُ ذَلِكَ الْمَاءِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الِاسْتِنْشَاقِ تَنْظِيفُ دَاخِلِ الْأَنْفِ وَالِاسْتِنْثَارُ يُخْرِجُ ذَلِكَ الْوَسَخَ مَعَ الْمَاءِ فَهُوَ مِنْ تَمَامِ الِاسْتِنْشَاقِ وَقِيلَ إِنَّ الِاسْتِنْثَارَ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّثْرَةِ وَهِيَ طَرَفُ الْأَنْفِ وَقِيلَ الْأَنْفُ نَفْسُهُ فَعَلَى هَذَا فَمَنِ اسْتَنْشَقَ فَقَدِ اسْتَنْثَرَ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهُ تَنَاوَلَ الْمَاءَ بِأَنْفِهِ أَوْ بِطَرَفِ أَنْفِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ ثُمَّ إِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا يَقَعُ لِكُلِّ نَائِمٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِمَنْ لَمْ يَحْتَرِسْ مِنَ الشَّيْطَانِ بِشَيْءٍ مِنَ الذِّكْرِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ قَبْلَ حَدِيثِ سَعْدٍ فَإِنَّ فِيهِ فَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ وَكَذَلِكَ آيَةُ الْكُرْسِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِنَفْيِ الْقُرْبِ هُنَا أَنَّهُ لَا يَقْرَبُ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِيهِ وَهُوَ الْقَلْبُ فَيَكُونُ مَبِيتُهُ عَلَى الْأَنْفِ لِيَتَوَصَّلَ مِنْهُ إِلَى الْقَلْبِ إِذَا اسْتَيْقَظَ فَمَنِ اسْتَنْثَرَ مَنَعَهُ مِنَ التَّوَصُّلِ إِلَى مَا يَقْصِدُ مِنَ الْوَسْوَسَةِ فَحِينَئِذٍ فَالْحَدِيثُ مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ مُسْتَيْقِظٍ ثُمَّ إِنَّ الِاسْتِنْشَاقَ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ اتِّفَاقًا لِكُلِّ مَنِ اسْتَيْقَظَ أَوْ كَانَ مُسْتَيْقِظًا وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِوُجُوبِهِ فِي الْغُسْلِ وَطَائِفَةٌ بِوُجُوبِهِ فِي الْوُضُوءِ أَيْضًا وَهَلْ تَتَأَدَّى السُّنَّةُ بِمُجَرَّدِهِ بِغَيْرِ اسْتِنْثَارٍ أَمْ لَا خِلَافَ وَهُوَ مَحَلُّ بَحْثٍ وَتَأَمُّلٍ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا لَا تَتِمُّ الا بِهِ لما تقدم وَالله أعلم (قَوْلُهُ بَابُ ذِكْرِ الْجِنِّ وَثَوَابِهِمْ وَعِقَابِهِمْ) أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى إِثْبَاتِ وُجُودِ الْجِنِّ وَإِلَى كَوْنِهِمْ مُكَلَّفِينَ فَأَمَّا إِثْبَاتُ وُجُودِهِمْ فَقَدْ نَقَلَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الشَّامِلِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ وَالزَّنَادِقَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا وُجُودَهُمْ رَأْسًا قَالَ وَلَا يُتَعَجَّبُ مِمَّنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْمُشَرِّعِينَ إِنَّمَا الْعَجَبُ مِنَ الْمُشَرِّعِينَ مَعَ نُصُوصِ الْقُرْآنِ وَالْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ قَالَ وَلَيْسَ فِي قَضِيَّةِ الْعَقْلِ مَا يَقْدَحُ فِي إِثْبَاتِهِمْ قَالَ وَأَكْثَرُ مَا اسْتَرْوَحَ إِلَيْهِ مَنْ نَفَاهُمْ حُضُورُهُمْعِنْدَ الْإِنْسِ بِحَيْثُ لَا يَرَوْنَهُمْ وَلَوْ شَاءُوا لَأَبْدَوْا أَنْفُسَهُمْ قَالَ وَإِنَّمَا يَسْتَبْعِدُ ذَلِكَ مَنْ لَمْ يُحِطْ عِلْمًا بِعَجَائِبِ الْمَقْدُورَاتِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يُثْبِتُونَ وُجُودَهُمْ وَيَنْفُونَهُ الْآنَ وَمِنْهُمْ مَنْ يُثْبِتُهُمْ وَيَنْفِي تَسَلُّطَهُمْ عَلَى الْإِنْسِ وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ الْمُعْتَزِلِيُّ الدَّلِيلُ عَلَى إِثْبَاتِهِمُ السَّمْعُ دُونَ الْعَقْلِ إِذْ لَا طَرِيقَ إِلَى إِثْبَاتِ أَجْسَامٍ غَائِبَةٍ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَدُلُّ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا تَعَلُّقٌ وَلَوْ كَانَ إِثْبَاتُهُمْ بِاضْطِرَارٍ لَمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ إِلَّا أَنَّا قَدْ عَلِمْنَا بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَدَيَّنُ بِإِثْبَاتِهِمْ وَذَلِكَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُتَشَاغَلَ بِإِيرَادِهِ وَإِذَا ثَبَتَ وُجُودُهُمْ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ صِفَةِ النَّارِ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَاخْتُلِفَ فِي صِفَتِهِمْ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ قَالَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ الْجِنُّ أَجْسَادٌ رَقِيقَةٌ بَسِيطَةٌ قَالَ وَهَذَا عِنْدَنَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ إِنْ ثَبَتَ بِهِ سَمْعٌ وَقَالَ أَبُو يَعْلَى بْنُ الْفَرَّاءِ الْجِنُّ أَجْسَامٌ مُؤَلَّفَةٌ وَأَشْخَاصٌ مُمَثَّلَةٌ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ رَقِيقَةً وَأَنْ تَكُونَ كَثِيفَةً خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّهَا رَقِيقَةٌ وَأَنَّ امْتِنَاعَ رُؤْيَتِنَا لَهُمْ مِنْ جِهَةِ رِقَّتِهَا وَهُوَ مَرْدُودٌ فَإِنَّ الرِّقَّةَ لَيْسَتْ بِمَانِعَةٍ عَنِ الرُّؤْيَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَنْ رُؤْيَتِنَا بَعْضُ الْأَجْسَامِ الْكَثِيفَةِ إِذَا لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ فِينَا إِدْرَاكَهَا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الرَّبِيعِ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَرَى الْجِنَّ أَبْطَلْنَا شَهَادَتَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا انْتَهَى وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يَدَّعِي رُؤْيَتَهُمْ عَلَى صُوَرِهِمُ الَّتِي خُلِقُوا عَلَيْهَا وَأَمَّا مَنِ ادَّعَى أَنَّهُ يَرَى شَيْئًا مِنْهُمْ بَعْدَ أَنْ يَتَطَوَّرَ عَلَى صُوَرٍ شَتَّى مِنَ الْحَيَوَانِ فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ وَقَدْ تَوَارَدَتِ الْأَخْبَارُ بِتَطَوُّرِهِمْ فِي الصُّوَرِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ هُوَ تَخْيِيلٌ فَقَطْ وَلَا يَنْتَقِلُ أَحَدٌ عَنْ صُورَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَقِيلَ بَلْ يَنْتَقِلُونَ لَكِنْ لَا بِاقْتِدَارِهِمْ عَلَى ذَلِكَ بَلْ بِضَرْبٍ مِنَ الْفِعْلِ إِذَا فَعَلَهُ انْتَقَلَ كَالسِّحْرِ وَهَذَا قَدْ يَرْجِعُ إِلَى الْأَوَّلِ وَفِيهِ أَثَرٌ عَنْ عُمَرَ أَخْرَجَهُ بن أبي شيبَة بِإِسْنَاد صَحِيح أَن الغيلان ذُكِرُوا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ إِنَّ أَحَدًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْ صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا وَلَكِنْ لَهُمْ سَحَرَةٌ كَسَحَرَتِكُمْ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَأَذِّنُوا وَإِذَا ثَبَتَ وُجُودُهُمْ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي أَصْلِهِمْ فَقِيلَ إِنَّ أَصْلَهُمْ مِنْ وَلَدِ إِبْلِيسَ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَافِرًا سُمِّيَ شَيْطَانًا وَقِيلَ إِنَّ الشَّيَاطِينَ خَاصَّةً أَوْلَادُ إِبْلِيسَ وَمن عداهم لَيْسُوا من وَلَده وَحَدِيث بن عَبَّاسٍ الْآتِي فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْجِنِّ يُقَوِّي أَنَّهُمْ نَوْعٌ وَاحِدٌ مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ وَاخْتَلَفَ صِنْفُهُ فَمَنْ كَانَ كَافِرًا سُمِّيَ شَيْطَانًا وَإِلَّا قِيلَ لَهُ جِنِّيٌّ وَأَمَّا كَوْنُهُمْ مُكَلَّفِينَ فَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ الْجِنُّ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ مُكَلَّفُونَ وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ لَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ إِلَّا مَا حَكَى زَرْقَانُ عَنْ بَعْضِ الْحَشْوِيَّةِ أَنَّهُمْ مُضْطَرُّونَ إِلَى أَفْعَالِهِمْ وَلَيْسُوا بِمُكَلَّفِينَ قَالَ وَالدَّلِيلُ لِلْجَمَاعَةِ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذَمِّ الشَّيَاطِينِ وَالتَّحَرُّزِ مِنْ شَرِّهِمْ وَمَا أُعِدَّ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ وَهَذِهِ الْخِصَالُ لَا تَكُونُ إِلَّا لِمَنْ خَالَفَ الْأَمْرَ وَارْتَكَبَ النَّهْيَ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَنْ لَا يَفْعَلَ وَالْآيَاتُ وَالْأَخْبَارُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَإِذَا تَقَرَّرَ كَوْنُهُمْ مُكَلَّفِينَ فَقَدِ اخْتَلَفُوا هَلْ كَانَ فِيهِمْ نَبِيٌّ مِنْهُمْ أَمْ لَا فَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ إِثْبَاتَ ذَلِكَ قَالَ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِ الضَّحَّاكِ احْتَجَّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ رُسُلًا أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ فَلَوْ جَازَ أَنَّ الْمُرَادَ بِرُسُلِ الْجِنِّ رُسُلُ الْإِنْسِ لَجَازَ عَكْسُهُ وَهُوَ فَاسِدٌ انْتَهَى وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ رُسُلَ الْإِنْسِ رُسُلٌ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ إِلَيْهِمْ وَرُسُلُ الْجِنِّ بَثَّهُمُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ فَسَمِعُوا كَلَامَ الرُّسُلِ مِنَ الْإِنْسِ وَبَلَّغُوا قَوْمَهُمْ وَلِهَذَا قَالَ قَائِلُهُمْ إِنَّا سمعنَا كتابا أنزل من بعد مُوسَى الْآيَة وَاحْتج بن حَزْمٍ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَكَانَ النَّبِي يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ قَالَ وَلَيْسَ الْجِنُّ مِنْ قَوْمِ الْإِنْسِ فَثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ أَنْبِيَاءُ إِلَيْهِمْ قَالَ وَلَمْ يُبْعَثْ إِلَى الْجِنِّ مِنَ الْإِنْسِ نَبِيٌّ إِلَّا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمُومِ بَعْثَتِهِ إِلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ بِاتِّفَاقٍ انْتهى وَقَالَبن عَبْدِ الْبَرِّ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَهَذَا مِمَّا فُضِّلَ بِهِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَنُقِلَ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ غَافِرٍ وَلَقَد جَاءَكُم يُوسُف من قبل بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ هُوَ رَسُول الْجِنّ وَهَذَا ذكره وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْإِرْشَادِ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ مَعَ الْعِيسَوِيَّةِ وَقَدْ عَلِمْنَا ضَرُورَةً أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادَّعَى كَوْنَهُ مَبْعُوثًا إِلَى الثقلَيْن وَقَالَ بن تَيْمِيَةَ اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ قُلْتُ وَثَبَتَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ وَبُعِثْتُ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّار بِلَفْظ وَعَن بن الْكَلْبِيِّ كَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى الْإِنْسِ فَقَطْ وَبُعِثَ مُحَمَّدٌ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَإِذَا تَقَرَّرَ كَوْنُهُمْ مُكَلَّفِينَ فَهُمْ مُكَلَّفُونَ بِالتَّوْحِيدِ وَأَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا مَا عَدَاهُ مِنَ الْفُرُوعِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ لِمَا ثَبَتَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الرَّوْثِ وَالْعَظْمِ وَأَنَّهُمَا زَادُ الْجِنِّ وَسَيَأْتِي فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي آخِرِهِ فَقُلْتُ مَا بَالُ الرَّوْثِ وَالْعَظْمِ قَالَ هُمَا طَعَامُ الْجِنِّ الْحَدِيثَ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ تَنَاوُلِهِمْ لِلرَّوْثِ وَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى الْإِنْسِ وَكَذَلِكَ رَوَى أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ من طَرِيق عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ خَيْبَرَ فَتَبِعَهُ رَجُلَانِ وَآخَرُ يَتْلُوهُمَا يَقُولُ ارْجِعَا حَتَّى رَدَّهُمَا ثُمَّ لَحِقَهُ فَقَالَ لَهُ إِنَّ هَذَيْنِ شَيْطَانَانِ فَإِذَا أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْرَأْ عَلَيْهِ السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُ أَنَّا فِي جَمْعِ صَدَقَاتِنَا وَلَوْ كَانَتْ تَصْلُحُ لَهُ لَبَعَثْنَا بِهَا إِلَيْهِ فَلَمَّا قَدِمَ الرَّجُلُ الْمَدِينَةَ أَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَنَهَى عَنِ الْخَلْوَةِ أَيِ السَّفَرِ مُنْفَرِدًا وَاخْتُلِفَ أَيْضًا هَلْ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَنَاكَحُونَ أَمْ لَا فَقِيلَ بِالنَّفْيِ وَقِيلَ بِمُقَابِلِهِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ أَكْلُهُمْ وَشُرْبُهُمْ تَشَمُّمٌ وَاسْتِرْوَاحٌ لَا مَضْغٌ وَلَا بَلْعٌ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أُمَيَّةَ بْنِ مُخَشًّى قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا وَرَجُلٌ يَأْكُلُ وَلَمْ يُسَمِّ ثُمَّ سَمَّى فِي آخِرِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا زَالَ الشَّيْطَانُ يَأْكُلُ مَعَهُ فَلَمَّا سَمَّى اسْتَقَاءَ مَا فِي بَطْنِهِ وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْكُلَنَّ أَحَدُكُمْ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبْ بِشِمَالِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ وروى بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّ الْجِنَّ أَصْنَافٌ فَخَالِصُهُمْ رِيحٌ لَا يَأْكُلُونَ وَلَا يَشْرَبُونَ وَلَا يَتَوَالَدُونَ وَجِنْسٌ مِنْهُمْ يَقَعُ مِنْهُمْ ذَلِكَ وَمِنْهُمُ السَّعَالِي وَالْغُولُ وَالْقُطْرُبُ وَهَذَا إِنْ ثَبَتَ كَانَ جَامِعًا لِلْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا روى بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِنُّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ صِنْفٌ لَهُمْ أَجْنِحَةٌ يَطِيرُونَ فِي الْهَوَاءِ وَصِنْفٌ حَيَّاتٌ وَعَقَارِبُ وصنف يحلونَ ويظعنون وروى بن أَبِي الدُّنْيَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا نَحوه لَكِن قَالَ فِي الثَّالِث وصنف عليم الْحِسَابُ وَالْعِقَابُ وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ وروى بن أَبِي الدُّنْيَا مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدِ بْنِ جَابِرٍ أَحَدِ ثِقَاتِ الشَّامِيِّينَ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ قَالَ مَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ إِلَّا وَفِي سَقْفِ بَيْتِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَإِذَا وُضِعَ الْغَدَاءُ نَزَلُوا فَتَغَدَّوْا مَعَهُمْ وَالْعَشَاءُ كَذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُمْ يَتَنَاكَحُونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَمْ يطمثهن أنس قبلهم وَلَا جَان وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَالدَّلَالَةُ مِنْ ذَلِكَ ظَاهِرَةٌ وَاعْتَلَّ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ الْجَانَّ خُلِقَ مِنْ نَارٍ وَفِي النَّارِ مِنَ الْيُبُوسَةِ وَالْخِفَّةِ مَا يَمْنَعُ مَعَهُ التَّوَالُدَ وَالْجَوَابُ أَنَّ أَصْلَهُمْ مِنَ النَّارِ كَمَا أَنَّ أَصْلَ الْآدَمِيِّ مِنَ التُّرَابِ وَكَمَا أَنَّ الْآدَمِيَّ لَيْسَ طِينًا حَقِيقَةً كَذَلِكَ الْجِنِّيُّ لَيْسَ نَارًا حَقِيقَةً وَقَدْ وَقَعَ فِي الصَّحِيحِ فِي قِصَّةِ تَعَرُّضِ الشَّيْطَانِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فَأَخَذْتُهُ فَخَنَقْتُهُ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ رِيقِهِ عَلَى يَدَيَّ قُلْتُ وَبِهَذَا الْجَوَابِ يَنْدَفِعُ إِيرَادُ مَنِ اسْتَشْكَلَ قَوْلَهُ تَعَالَى إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثاقب فَقَالَ كَيْفَ تُحْرِقُ النَّارُ النَّارَ وَأَمَّا قَوْلُ المُصَنّف وثوابهموَعِقَابُهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ مَنْ أَثْبَتَ تَكْلِيفَهُمْ أَنَّهُمْ يُعَاقَبُونَ عَلَى الْمَعَاصِي وَاخْتُلِفَ هَلْ يُثَابُونَ فَرَوَى الطَّبَرِيّ وبن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ مَوْقُوفًا قَالَ إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ قَالَ اللَّهُ لِمُؤْمِنِ الْجِنِّ وَسَائِرِ الْأُمَمِ أَيْ مِنْ غَيْرِ الْإِنْسِ كُونُوا تُرَابًا فَحِينَئِذٍ يَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا وروى بن أَبِي الدُّنْيَا عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ قَالَ ثَوَابُ الْجِنِّ أَنْ يُجَارُوا مِنَ النَّارِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ كُونُوا تُرَابًا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَحْوُ هَذَا الْقَوْلِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُمْ يُثَابُونَ عَلَى الطَّاعَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِمْ ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ يَدْخُلُونَ مَدْخَلَ الْإِنْسِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا نَعَمْ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَثَانِيهَا يَكُونُونَ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ مَالِكٍ وَطَائِفَةٍ وَثَالِثُهَا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ وَرَابِعُهَا التَّوَقُّفُ عَنِ الْجَوَابِ فِي هَذَا وروى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي يُوسُفَ قَالَ قَالَ بن أَبِي لَيْلَى فِي هَذَا لَهُمْ ثَوَابٌ قَالَ فَوَجَدْنَا مِصْدَاقَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلكُل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا قُلْتُ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ قَبْلَهَا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ فَإِن قَوْله وَلكُل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا يَلِي الْآيَةَ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ وَاسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَة أَيْضا بن عبد الحكم وَاسْتدلَّ بن وَهْبٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ من قبلهم من الْجِنّ والأنس الْآيَةَ فَإِنَّ الْآيَةَ بَعْدَهَا أَيْضًا وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عمِلُوا وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ مُغِيثِ بْنِ سُمَيٍّ أَحَدِ التَّابِعِينَ قَالَ مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا وَهُوَ يَسْمَعُ زَفِيرَ جَهَنَّمَ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ الَّذِينَ عَلَيْهِمُ الْحِسَابُ وَالْعِقَابُ وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِمُ الْعِقَابَ وَلَهُمُ الثَّوَابَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ ربه جنتان ثمَّ قَالَ فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ وَالْخِطَابُ لِلْإِنْسِ وَالْجِنِّ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ فِيهِمْ مُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنُ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَخَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ثَبَتَ الْمَطْلُوبُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ بَخْسًا نُقْصَانًا يُرِيدُ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنِ الْجِنِّ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رهقا قَالَ يَحْيَى الْفَرَّاءُ الْبَخْسُ النَّقْصُ وَالرَّهَقُ الظُّلْمُ وَمَفْهُومُ الْآيَةِ أَنَّ مَنْ يَكْفُرُ فَإِنَّهُ يَخَافُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى ثُبُوتِ تَكْلِيفِهِمْ قَوْلُهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا إِلَخْ وَصله الْفرْيَابِيّ من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ بِهِ وَفِيهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فَمَنْ أُمَّهَاتُهُمْ قَالُوا بَنَاتُ سَرَوَاتِ الْجِنِّ إِلَخْ وَفِيهِ قَالَ عَلِمَتِ الْجِنُّ أَنَّهُمْ سَيَحْضُرُونَ لِلْحِسَابِ قُلْتُ وَهَذَا الْكَلَامُ الْأَخِيرُ هُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِالتَّرْجَمَةِ وَسَرَوَاتُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ جَمْعُ سَرِيَّة بتَخْفِيف الرَّاءِ أَيْ شَرِيفَةٍ وَوَقَعَ هُنَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَأُمَّهَاتُهُنَّ وَلِغَيْرِهِ وَأُمَّهَاتُهُمْ وَهُوَ أَصْوَبُ وَوَقع أَيْضا لغير الْكشميهني جند محضرون بالافراد رِوَايَته أَشْبَهُ قَوْلُهُ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ عِنْدَ الْحِسَابِ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ أَيْضًا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ عَنْ مُجَاهِدٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَشْرُوحًا فِي كِتَابِ الْأَذَانِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجِنَّ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْله أُولَئِكَ فِي ضلال مُبينمصرفا معدلا صرفنَا أَي وجهنا قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْك نَفرا من الْجِنّ إِلَى قَوْله أُولَئِكَ فِي ضلال مُبين سَيَأْتِي الْقَوْلُ فِي تَعْيِينِهِمْ وَتَعْيِينِ بَلَدِهِمْ فِي التَّفْسِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ صَرَفْنَا أَيْ وَجَّهْنَا هُوَ تَفْسِيرُ الْمُصَنِّفِ وَقَوْلُهُ مَصْرِفًا مَعْدِلًا هُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ أَبِي كَبِيرٍ بِالْمُوَحَّدَةِ الْهُذَلِيِّ أَزُهَيْرُ هَلْ عَنْ مَيْتَةٍ مِنْ مَصْرِفِ أَمْ لَا خُلُودَ لِبَاذِلٍ مُتَكَلِّفِ تَنْبِيهٌ لَمْ يَذْكُرِ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَاب حَدِيثا واللائق بِهِ حَدِيث بن عَبَّاسٍ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ فِي تَوَجُّهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُكَاظَ وَاسْتِمَاعِ الْجِنِّ لِقِرَاءَتِهِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ بِتَمَامِهِ فِي التَّفْسِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِالْآيَةِ الَّتِي صَدَّرَ بِهَا هَذَا الْبَابَ (قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَبث فِيهَا من كل دَابَّة) كَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى سَبْقِ خَلْقِ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ عَلَى الْحَيَوَانِ أَوْ سَبْقِ جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى خَلْقِ آدَمَ وَالدَّابَّةُ لُغَةً مَا دَبَّ مِنَ الْحَيَوَانِ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمُ الطَّيْرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بجناحيه وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى مَا مِنْ دَابَّةٍ الا هُوَ آخذ بناصيتها وَعُرْفًا ذَوَاتُ الْأَرْبَعِ وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِالْفَرَسِ وَقِيلَ بِالْحِمَارِ وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ خَلْقَ الدَّوَابِّ كَانَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ ذَلِك قبل خلق آدم قَوْله قَالَ بن عَبَّاس الثعبان الْحَيَّة الذّكر وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِهِ وَقِيلَ الثُّعْبَانُ الْكَبِيرُ مِنَ الْحَيَّاتِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى قَوْلُهُ يُقَالُ الْحَيَّاتُ أَجْنَاسٌ الْجَانُّ وَالْأَفَاعِي وَالْأَسَاوِدُ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ الْجَانُّ أَجْنَاسٌ قَالَ عِيَاضٌ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ قُلْتُ هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْقَصَصِ قَالَ فِي قَوْله كَأَنَّهَا جَان وَفِي قَوْله حَيَّة تسْعَى كَأَنَّهَا جَانٌّ مِنَ الْحَيَّاتِ أَوْ مِنْ حَيَّةِ الْجَانِّ فَجَرَى عَلَى أَنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَقِيلَ كَانَتِ الْعَصَا فِي أَوَّلِ الْحَالِ جَانًّا وَهِيعُمَرُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي الْمَنَاقِبِ الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْأَمْرِ بِالِاسْتِنْثَارِ وَفِيهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ وَالْخَيْشُومُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِسُكُونِ الْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ وَضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ هُوَ الْأَنْفُ وَقِيلَ الْمَنْخِرُ وَقَوْلُهُ فَلْيَسْتَنْثِرْ أَكْثَرُ فَائِدَةً مِنْ قَوْلِهِ فَلْيَسْتَنْشِقْ لِأَنَّ الِاسْتِنْثَارَ يَقَعُ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ بِغَيْرِ عَكْسٍ فَقَدْ يَسْتَنْشِقُ وَلَا يَسْتَنْثِرُ وَالِاسْتِنْثَارُ مِنْ تَمَامِ فَائِدَةِ الِاسْتِنْشَاقِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الِاسْتِنْشَاقِ جَذْبُ الْمَاءِ بِرِيحِ الْأَنْفِ إِلَى أَقْصَاهُ وَالِاسْتِنْثَارُ إِخْرَاجُ ذَلِكَ الْمَاءِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الِاسْتِنْشَاقِ تَنْظِيفُ دَاخِلِ الْأَنْفِ وَالِاسْتِنْثَارُ يُخْرِجُ ذَلِكَ الْوَسَخَ مَعَ الْمَاءِ فَهُوَ مِنْ تَمَامِ الِاسْتِنْشَاقِ وَقِيلَ إِنَّ الِاسْتِنْثَارَ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّثْرَةِ وَهِيَ طَرَفُ الْأَنْفِ وَقِيلَ الْأَنْفُ نَفْسُهُ فَعَلَى هَذَا فَمَنِ اسْتَنْشَقَ فَقَدِ اسْتَنْثَرَ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهُ تَنَاوَلَ الْمَاءَ بِأَنْفِهِ أَوْ بِطَرَفِ أَنْفِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ ثُمَّ إِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا يَقَعُ لِكُلِّ نَائِمٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِمَنْ لَمْ يَحْتَرِسْ مِنَ الشَّيْطَانِ بِشَيْءٍ مِنَ الذِّكْرِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ قَبْلَ حَدِيثِ سَعْدٍ فَإِنَّ فِيهِ فَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ وَكَذَلِكَ آيَةُ الْكُرْسِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِنَفْيِ الْقُرْبِ هُنَا أَنَّهُ لَا يَقْرَبُ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِيهِ وَهُوَ الْقَلْبُ فَيَكُونُ مَبِيتُهُ عَلَى الْأَنْفِ لِيَتَوَصَّلَ مِنْهُ إِلَى الْقَلْبِ إِذَا اسْتَيْقَظَ فَمَنِ اسْتَنْثَرَ مَنَعَهُ مِنَ التَّوَصُّلِ إِلَى مَا يَقْصِدُ مِنَ الْوَسْوَسَةِ فَحِينَئِذٍ فَالْحَدِيثُ مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ مُسْتَيْقِظٍ ثُمَّ إِنَّ الِاسْتِنْشَاقَ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ اتِّفَاقًا لِكُلِّ مَنِ اسْتَيْقَظَ أَوْ كَانَ مُسْتَيْقِظًا وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِوُجُوبِهِ فِي الْغُسْلِ وَطَائِفَةٌ بِوُجُوبِهِ فِي الْوُضُوءِ أَيْضًا وَهَلْ تَتَأَدَّى السُّنَّةُ بِمُجَرَّدِهِ بِغَيْرِ اسْتِنْثَارٍ أَمْ لَا خِلَافَ وَهُوَ مَحَلُّ بَحْثٍ وَتَأَمُّلٍ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا لَا تَتِمُّ الا بِهِ لما تقدم وَالله أعلم (قَوْلُهُ بَابُ ذِكْرِ الْجِنِّ وَثَوَابِهِمْ وَعِقَابِهِمْ) أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى إِثْبَاتِ وُجُودِ الْجِنِّ وَإِلَى كَوْنِهِمْ مُكَلَّفِينَ فَأَمَّا إِثْبَاتُ وُجُودِهِمْ فَقَدْ نَقَلَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الشَّامِلِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ وَالزَّنَادِقَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا وُجُودَهُمْ رَأْسًا قَالَ وَلَا يُتَعَجَّبُ مِمَّنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْمُشَرِّعِينَ إِنَّمَا الْعَجَبُ مِنَ الْمُشَرِّعِينَ مَعَ نُصُوصِ الْقُرْآنِ وَالْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ قَالَ وَلَيْسَ فِي قَضِيَّةِ الْعَقْلِ مَا يَقْدَحُ فِي إِثْبَاتِهِمْ قَالَ وَأَكْثَرُ مَا اسْتَرْوَحَ إِلَيْهِ مَنْ نَفَاهُمْ حُضُورُهُمْعِنْدَ الْإِنْسِ بِحَيْثُ لَا يَرَوْنَهُمْ وَلَوْ شَاءُوا لَأَبْدَوْا أَنْفُسَهُمْ قَالَ وَإِنَّمَا يَسْتَبْعِدُ ذَلِكَ مَنْ لَمْ يُحِطْ عِلْمًا بِعَجَائِبِ الْمَقْدُورَاتِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يُثْبِتُونَ وُجُودَهُمْ وَيَنْفُونَهُ الْآنَ وَمِنْهُمْ مَنْ يُثْبِتُهُمْ وَيَنْفِي تَسَلُّطَهُمْ عَلَى الْإِنْسِ وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ الْمُعْتَزِلِيُّ الدَّلِيلُ عَلَى إِثْبَاتِهِمُ السَّمْعُ دُونَ الْعَقْلِ إِذْ لَا طَرِيقَ إِلَى إِثْبَاتِ أَجْسَامٍ غَائِبَةٍ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَدُلُّ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا تَعَلُّقٌ وَلَوْ كَانَ إِثْبَاتُهُمْ بِاضْطِرَارٍ لَمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ إِلَّا أَنَّا قَدْ عَلِمْنَا بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَدَيَّنُ بِإِثْبَاتِهِمْ وَذَلِكَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُتَشَاغَلَ بِإِيرَادِهِ وَإِذَا ثَبَتَ وُجُودُهُمْ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ صِفَةِ النَّارِ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَاخْتُلِفَ فِي صِفَتِهِمْ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ قَالَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ الْجِنُّ أَجْسَادٌ رَقِيقَةٌ بَسِيطَةٌ قَالَ وَهَذَا عِنْدَنَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ إِنْ ثَبَتَ بِهِ سَمْعٌ وَقَالَ أَبُو يَعْلَى بْنُ الْفَرَّاءِ الْجِنُّ أَجْسَامٌ مُؤَلَّفَةٌ وَأَشْخَاصٌ مُمَثَّلَةٌ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ رَقِيقَةً وَأَنْ تَكُونَ كَثِيفَةً خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّهَا رَقِيقَةٌ وَأَنَّ امْتِنَاعَ رُؤْيَتِنَا لَهُمْ مِنْ جِهَةِ رِقَّتِهَا وَهُوَ مَرْدُودٌ فَإِنَّ الرِّقَّةَ لَيْسَتْ بِمَانِعَةٍ عَنِ الرُّؤْيَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَنْ رُؤْيَتِنَا بَعْضُ الْأَجْسَامِ الْكَثِيفَةِ إِذَا لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ فِينَا إِدْرَاكَهَا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الرَّبِيعِ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَرَى الْجِنَّ أَبْطَلْنَا شَهَادَتَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا انْتَهَى وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يَدَّعِي رُؤْيَتَهُمْ عَلَى صُوَرِهِمُ الَّتِي خُلِقُوا عَلَيْهَا وَأَمَّا مَنِ ادَّعَى أَنَّهُ يَرَى شَيْئًا مِنْهُمْ بَعْدَ أَنْ يَتَطَوَّرَ عَلَى صُوَرٍ شَتَّى مِنَ الْحَيَوَانِ فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ وَقَدْ تَوَارَدَتِ الْأَخْبَارُ بِتَطَوُّرِهِمْ فِي الصُّوَرِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ هُوَ تَخْيِيلٌ فَقَطْ وَلَا يَنْتَقِلُ أَحَدٌ عَنْ صُورَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَقِيلَ بَلْ يَنْتَقِلُونَ لَكِنْ لَا بِاقْتِدَارِهِمْ عَلَى ذَلِكَ بَلْ بِضَرْبٍ مِنَ الْفِعْلِ إِذَا فَعَلَهُ انْتَقَلَ كَالسِّحْرِ وَهَذَا قَدْ يَرْجِعُ إِلَى الْأَوَّلِ وَفِيهِ أَثَرٌ عَنْ عُمَرَ أَخْرَجَهُ بن أبي شيبَة بِإِسْنَاد صَحِيح أَن الغيلان ذُكِرُوا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ إِنَّ أَحَدًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْ صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا وَلَكِنْ لَهُمْ سَحَرَةٌ كَسَحَرَتِكُمْ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَأَذِّنُوا وَإِذَا ثَبَتَ وُجُودُهُمْ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي أَصْلِهِمْ فَقِيلَ إِنَّ أَصْلَهُمْ مِنْ وَلَدِ إِبْلِيسَ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَافِرًا سُمِّيَ شَيْطَانًا وَقِيلَ إِنَّ الشَّيَاطِينَ خَاصَّةً أَوْلَادُ إِبْلِيسَ وَمن عداهم لَيْسُوا من وَلَده وَحَدِيث بن عَبَّاسٍ الْآتِي فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْجِنِّ يُقَوِّي أَنَّهُمْ نَوْعٌ وَاحِدٌ مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ وَاخْتَلَفَ صِنْفُهُ فَمَنْ كَانَ كَافِرًا سُمِّيَ شَيْطَانًا وَإِلَّا قِيلَ لَهُ جِنِّيٌّ وَأَمَّا كَوْنُهُمْ مُكَلَّفِينَ فَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ الْجِنُّ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ مُكَلَّفُونَ وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ لَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ إِلَّا مَا حَكَى زَرْقَانُ عَنْ بَعْضِ الْحَشْوِيَّةِ أَنَّهُمْ مُضْطَرُّونَ إِلَى أَفْعَالِهِمْ وَلَيْسُوا بِمُكَلَّفِينَ قَالَ وَالدَّلِيلُ لِلْجَمَاعَةِ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذَمِّ الشَّيَاطِينِ وَالتَّحَرُّزِ مِنْ شَرِّهِمْ وَمَا أُعِدَّ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ وَهَذِهِ الْخِصَالُ لَا تَكُونُ إِلَّا لِمَنْ خَالَفَ الْأَمْرَ وَارْتَكَبَ النَّهْيَ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَنْ لَا يَفْعَلَ وَالْآيَاتُ وَالْأَخْبَارُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَإِذَا تَقَرَّرَ كَوْنُهُمْ مُكَلَّفِينَ فَقَدِ اخْتَلَفُوا هَلْ كَانَ فِيهِمْ نَبِيٌّ مِنْهُمْ أَمْ لَا فَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ إِثْبَاتَ ذَلِكَ قَالَ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِ الضَّحَّاكِ احْتَجَّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ رُسُلًا أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ فَلَوْ جَازَ أَنَّ الْمُرَادَ بِرُسُلِ الْجِنِّ رُسُلُ الْإِنْسِ لَجَازَ عَكْسُهُ وَهُوَ فَاسِدٌ انْتَهَى وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ رُسُلَ الْإِنْسِ رُسُلٌ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ إِلَيْهِمْ وَرُسُلُ الْجِنِّ بَثَّهُمُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ فَسَمِعُوا كَلَامَ الرُّسُلِ مِنَ الْإِنْسِ وَبَلَّغُوا قَوْمَهُمْ وَلِهَذَا قَالَ قَائِلُهُمْ إِنَّا سمعنَا كتابا أنزل من بعد مُوسَى الْآيَة وَاحْتج بن حَزْمٍ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَكَانَ النَّبِي يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ قَالَ وَلَيْسَ الْجِنُّ مِنْ قَوْمِ الْإِنْسِ فَثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ أَنْبِيَاءُ إِلَيْهِمْ قَالَ وَلَمْ يُبْعَثْ إِلَى الْجِنِّ مِنَ الْإِنْسِ نَبِيٌّ إِلَّا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمُومِ بَعْثَتِهِ إِلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ بِاتِّفَاقٍ انْتهى وَقَالَبن عَبْدِ الْبَرِّ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَهَذَا مِمَّا فُضِّلَ بِهِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَنُقِلَ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ غَافِرٍ وَلَقَد جَاءَكُم يُوسُف من قبل بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ هُوَ رَسُول الْجِنّ وَهَذَا ذكره وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْإِرْشَادِ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ مَعَ الْعِيسَوِيَّةِ وَقَدْ عَلِمْنَا ضَرُورَةً أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادَّعَى كَوْنَهُ مَبْعُوثًا إِلَى الثقلَيْن وَقَالَ بن تَيْمِيَةَ اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ قُلْتُ وَثَبَتَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ وَبُعِثْتُ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّار بِلَفْظ وَعَن بن الْكَلْبِيِّ كَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى الْإِنْسِ فَقَطْ وَبُعِثَ مُحَمَّدٌ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَإِذَا تَقَرَّرَ كَوْنُهُمْ مُكَلَّفِينَ فَهُمْ مُكَلَّفُونَ بِالتَّوْحِيدِ وَأَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا مَا عَدَاهُ مِنَ الْفُرُوعِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ لِمَا ثَبَتَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الرَّوْثِ وَالْعَظْمِ وَأَنَّهُمَا زَادُ الْجِنِّ وَسَيَأْتِي فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي آخِرِهِ فَقُلْتُ مَا بَالُ الرَّوْثِ وَالْعَظْمِ قَالَ هُمَا طَعَامُ الْجِنِّ الْحَدِيثَ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ تَنَاوُلِهِمْ لِلرَّوْثِ وَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى الْإِنْسِ وَكَذَلِكَ رَوَى أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ من طَرِيق عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ خَيْبَرَ فَتَبِعَهُ رَجُلَانِ وَآخَرُ يَتْلُوهُمَا يَقُولُ ارْجِعَا حَتَّى رَدَّهُمَا ثُمَّ لَحِقَهُ فَقَالَ لَهُ إِنَّ هَذَيْنِ شَيْطَانَانِ فَإِذَا أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْرَأْ عَلَيْهِ السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُ أَنَّا فِي جَمْعِ صَدَقَاتِنَا وَلَوْ كَانَتْ تَصْلُحُ لَهُ لَبَعَثْنَا بِهَا إِلَيْهِ فَلَمَّا قَدِمَ الرَّجُلُ الْمَدِينَةَ أَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَنَهَى عَنِ الْخَلْوَةِ أَيِ السَّفَرِ مُنْفَرِدًا وَاخْتُلِفَ أَيْضًا هَلْ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَنَاكَحُونَ أَمْ لَا فَقِيلَ بِالنَّفْيِ وَقِيلَ بِمُقَابِلِهِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ أَكْلُهُمْ وَشُرْبُهُمْ تَشَمُّمٌ وَاسْتِرْوَاحٌ لَا مَضْغٌ وَلَا بَلْعٌ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أُمَيَّةَ بْنِ مُخَشًّى قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا وَرَجُلٌ يَأْكُلُ وَلَمْ يُسَمِّ ثُمَّ سَمَّى فِي آخِرِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا زَالَ الشَّيْطَانُ يَأْكُلُ مَعَهُ فَلَمَّا سَمَّى اسْتَقَاءَ مَا فِي بَطْنِهِ وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْكُلَنَّ أَحَدُكُمْ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبْ بِشِمَالِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ وروى بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّ الْجِنَّ أَصْنَافٌ فَخَالِصُهُمْ رِيحٌ لَا يَأْكُلُونَ وَلَا يَشْرَبُونَ وَلَا يَتَوَالَدُونَ وَجِنْسٌ مِنْهُمْ يَقَعُ مِنْهُمْ ذَلِكَ وَمِنْهُمُ السَّعَالِي وَالْغُولُ وَالْقُطْرُبُ وَهَذَا إِنْ ثَبَتَ كَانَ جَامِعًا لِلْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا روى بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِنُّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ صِنْفٌ لَهُمْ أَجْنِحَةٌ يَطِيرُونَ فِي الْهَوَاءِ وَصِنْفٌ حَيَّاتٌ وَعَقَارِبُ وصنف يحلونَ ويظعنون وروى بن أَبِي الدُّنْيَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا نَحوه لَكِن قَالَ فِي الثَّالِث وصنف عليم الْحِسَابُ وَالْعِقَابُ وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ وروى بن أَبِي الدُّنْيَا مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدِ بْنِ جَابِرٍ أَحَدِ ثِقَاتِ الشَّامِيِّينَ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ قَالَ مَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ إِلَّا وَفِي سَقْفِ بَيْتِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَإِذَا وُضِعَ الْغَدَاءُ نَزَلُوا فَتَغَدَّوْا مَعَهُمْ وَالْعَشَاءُ كَذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُمْ يَتَنَاكَحُونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَمْ يطمثهن أنس قبلهم وَلَا جَان وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَالدَّلَالَةُ مِنْ ذَلِكَ ظَاهِرَةٌ وَاعْتَلَّ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ الْجَانَّ خُلِقَ مِنْ نَارٍ وَفِي النَّارِ مِنَ الْيُبُوسَةِ وَالْخِفَّةِ مَا يَمْنَعُ مَعَهُ التَّوَالُدَ وَالْجَوَابُ أَنَّ أَصْلَهُمْ مِنَ النَّارِ كَمَا أَنَّ أَصْلَ الْآدَمِيِّ مِنَ التُّرَابِ وَكَمَا أَنَّ الْآدَمِيَّ لَيْسَ طِينًا حَقِيقَةً كَذَلِكَ الْجِنِّيُّ لَيْسَ نَارًا حَقِيقَةً وَقَدْ وَقَعَ فِي الصَّحِيحِ فِي قِصَّةِ تَعَرُّضِ الشَّيْطَانِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فَأَخَذْتُهُ فَخَنَقْتُهُ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ رِيقِهِ عَلَى يَدَيَّ قُلْتُ وَبِهَذَا الْجَوَابِ يَنْدَفِعُ إِيرَادُ مَنِ اسْتَشْكَلَ قَوْلَهُ تَعَالَى إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثاقب فَقَالَ كَيْفَ تُحْرِقُ النَّارُ النَّارَ وَأَمَّا قَوْلُ المُصَنّف وثوابهموَعِقَابُهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ مَنْ أَثْبَتَ تَكْلِيفَهُمْ أَنَّهُمْ يُعَاقَبُونَ عَلَى الْمَعَاصِي وَاخْتُلِفَ هَلْ يُثَابُونَ فَرَوَى الطَّبَرِيّ وبن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ مَوْقُوفًا قَالَ إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ قَالَ اللَّهُ لِمُؤْمِنِ الْجِنِّ وَسَائِرِ الْأُمَمِ أَيْ مِنْ غَيْرِ الْإِنْسِ كُونُوا تُرَابًا فَحِينَئِذٍ يَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا وروى بن أَبِي الدُّنْيَا عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ قَالَ ثَوَابُ الْجِنِّ أَنْ يُجَارُوا مِنَ النَّارِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ كُونُوا تُرَابًا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَحْوُ هَذَا الْقَوْلِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُمْ يُثَابُونَ عَلَى الطَّاعَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِمْ ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ يَدْخُلُونَ مَدْخَلَ الْإِنْسِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا نَعَمْ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَثَانِيهَا يَكُونُونَ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ مَالِكٍ وَطَائِفَةٍ وَثَالِثُهَا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ وَرَابِعُهَا التَّوَقُّفُ عَنِ الْجَوَابِ فِي هَذَا وروى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي يُوسُفَ قَالَ قَالَ بن أَبِي لَيْلَى فِي هَذَا لَهُمْ ثَوَابٌ قَالَ فَوَجَدْنَا مِصْدَاقَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلكُل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا قُلْتُ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ قَبْلَهَا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ فَإِن قَوْله وَلكُل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا يَلِي الْآيَةَ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ وَاسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَة أَيْضا بن عبد الحكم وَاسْتدلَّ بن وَهْبٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ من قبلهم من الْجِنّ والأنس الْآيَةَ فَإِنَّ الْآيَةَ بَعْدَهَا أَيْضًا وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عمِلُوا وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ مُغِيثِ بْنِ سُمَيٍّ أَحَدِ التَّابِعِينَ قَالَ مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا وَهُوَ يَسْمَعُ زَفِيرَ جَهَنَّمَ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ الَّذِينَ عَلَيْهِمُ الْحِسَابُ وَالْعِقَابُ وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِمُ الْعِقَابَ وَلَهُمُ الثَّوَابَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ ربه جنتان ثمَّ قَالَ فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ وَالْخِطَابُ لِلْإِنْسِ وَالْجِنِّ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ فِيهِمْ مُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنُ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَخَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ثَبَتَ الْمَطْلُوبُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ بَخْسًا نُقْصَانًا يُرِيدُ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنِ الْجِنِّ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رهقا قَالَ يَحْيَى الْفَرَّاءُ الْبَخْسُ النَّقْصُ وَالرَّهَقُ الظُّلْمُ وَمَفْهُومُ الْآيَةِ أَنَّ مَنْ يَكْفُرُ فَإِنَّهُ يَخَافُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى ثُبُوتِ تَكْلِيفِهِمْ قَوْلُهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا إِلَخْ وَصله الْفرْيَابِيّ من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ بِهِ وَفِيهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فَمَنْ أُمَّهَاتُهُمْ قَالُوا بَنَاتُ سَرَوَاتِ الْجِنِّ إِلَخْ وَفِيهِ قَالَ عَلِمَتِ الْجِنُّ أَنَّهُمْ سَيَحْضُرُونَ لِلْحِسَابِ قُلْتُ وَهَذَا الْكَلَامُ الْأَخِيرُ هُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِالتَّرْجَمَةِ وَسَرَوَاتُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ جَمْعُ سَرِيَّة بتَخْفِيف الرَّاءِ أَيْ شَرِيفَةٍ وَوَقَعَ هُنَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَأُمَّهَاتُهُنَّ وَلِغَيْرِهِ وَأُمَّهَاتُهُمْ وَهُوَ أَصْوَبُ وَوَقع أَيْضا لغير الْكشميهني جند محضرون بالافراد رِوَايَته أَشْبَهُ قَوْلُهُ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ عِنْدَ الْحِسَابِ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ أَيْضًا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ عَنْ مُجَاهِدٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَشْرُوحًا فِي كِتَابِ الْأَذَانِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجِنَّ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْله أُولَئِكَ فِي ضلال مُبينمصرفا معدلا صرفنَا أَي وجهنا قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْك نَفرا من الْجِنّ إِلَى قَوْله أُولَئِكَ فِي ضلال مُبين سَيَأْتِي الْقَوْلُ فِي تَعْيِينِهِمْ وَتَعْيِينِ بَلَدِهِمْ فِي التَّفْسِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ صَرَفْنَا أَيْ وَجَّهْنَا هُوَ تَفْسِيرُ الْمُصَنِّفِ وَقَوْلُهُ مَصْرِفًا مَعْدِلًا هُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ أَبِي كَبِيرٍ بِالْمُوَحَّدَةِ الْهُذَلِيِّ أَزُهَيْرُ هَلْ عَنْ مَيْتَةٍ مِنْ مَصْرِفِ أَمْ لَا خُلُودَ لِبَاذِلٍ مُتَكَلِّفِ تَنْبِيهٌ لَمْ يَذْكُرِ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَاب حَدِيثا واللائق بِهِ حَدِيث بن عَبَّاسٍ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ فِي تَوَجُّهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُكَاظَ وَاسْتِمَاعِ الْجِنِّ لِقِرَاءَتِهِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ بِتَمَامِهِ فِي التَّفْسِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِالْآيَةِ الَّتِي صَدَّرَ بِهَا هَذَا الْبَابَ (قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَبث فِيهَا من كل دَابَّة) كَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى سَبْقِ خَلْقِ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ عَلَى الْحَيَوَانِ أَوْ سَبْقِ جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى خَلْقِ آدَمَ وَالدَّابَّةُ لُغَةً مَا دَبَّ مِنَ الْحَيَوَانِ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمُ الطَّيْرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بجناحيه وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى مَا مِنْ دَابَّةٍ الا هُوَ آخذ بناصيتها وَعُرْفًا ذَوَاتُ الْأَرْبَعِ وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِالْفَرَسِ وَقِيلَ بِالْحِمَارِ وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ خَلْقَ الدَّوَابِّ كَانَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ ذَلِك قبل خلق آدم قَوْله قَالَ بن عَبَّاس الثعبان الْحَيَّة الذّكر وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِهِ وَقِيلَ الثُّعْبَانُ الْكَبِيرُ مِنَ الْحَيَّاتِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى قَوْلُهُ يُقَالُ الْحَيَّاتُ أَجْنَاسٌ الْجَانُّ وَالْأَفَاعِي وَالْأَسَاوِدُ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ الْجَانُّ أَجْنَاسٌ قَالَ عِيَاضٌ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ قُلْتُ هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْقَصَصِ قَالَ فِي قَوْله كَأَنَّهَا جَان وَفِي قَوْله حَيَّة تسْعَى كَأَنَّهَا جَانٌّ مِنَ الْحَيَّاتِ أَوْ مِنْ حَيَّةِ الْجَانِّ فَجَرَى عَلَى أَنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَقِيلَ كَانَتِ الْعَصَا فِي أَوَّلِ الْحَالِ جَانًّا وَهِيعُمَرُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي الْمَنَاقِبِ الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْأَمْرِ بِالِاسْتِنْثَارِ وَفِيهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ وَالْخَيْشُومُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِسُكُونِ الْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ وَضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ هُوَ الْأَنْفُ وَقِيلَ الْمَنْخِرُ وَقَوْلُهُ فَلْيَسْتَنْثِرْ أَكْثَرُ فَائِدَةً مِنْ قَوْلِهِ فَلْيَسْتَنْشِقْ لِأَنَّ الِاسْتِنْثَارَ يَقَعُ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ بِغَيْرِ عَكْسٍ فَقَدْ يَسْتَنْشِقُ وَلَا يَسْتَنْثِرُ وَالِاسْتِنْثَارُ مِنْ تَمَامِ فَائِدَةِ الِاسْتِنْشَاقِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الِاسْتِنْشَاقِ جَذْبُ الْمَاءِ بِرِيحِ الْأَنْفِ إِلَى أَقْصَاهُ وَالِاسْتِنْثَارُ إِخْرَاجُ ذَلِكَ الْمَاءِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الِاسْتِنْشَاقِ تَنْظِيفُ دَاخِلِ الْأَنْفِ وَالِاسْتِنْثَارُ يُخْرِجُ ذَلِكَ الْوَسَخَ مَعَ الْمَاءِ فَهُوَ مِنْ تَمَامِ الِاسْتِنْشَاقِ وَقِيلَ إِنَّ الِاسْتِنْثَارَ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّثْرَةِ وَهِيَ طَرَفُ الْأَنْفِ وَقِيلَ الْأَنْفُ نَفْسُهُ فَعَلَى هَذَا فَمَنِ اسْتَنْشَقَ فَقَدِ اسْتَنْثَرَ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهُ تَنَاوَلَ الْمَاءَ بِأَنْفِهِ أَوْ بِطَرَفِ أَنْفِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ ثُمَّ إِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا يَقَعُ لِكُلِّ نَائِمٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِمَنْ لَمْ يَحْتَرِسْ مِنَ الشَّيْطَانِ بِشَيْءٍ مِنَ الذِّكْرِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ قَبْلَ حَدِيثِ سَعْدٍ فَإِنَّ فِيهِ فَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ وَكَذَلِكَ آيَةُ الْكُرْسِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِنَفْيِ الْقُرْبِ هُنَا أَنَّهُ لَا يَقْرَبُ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِيهِ وَهُوَ الْقَلْبُ فَيَكُونُ مَبِيتُهُ عَلَى الْأَنْفِ لِيَتَوَصَّلَ مِنْهُ إِلَى الْقَلْبِ إِذَا اسْتَيْقَظَ فَمَنِ اسْتَنْثَرَ مَنَعَهُ مِنَ التَّوَصُّلِ إِلَى مَا يَقْصِدُ مِنَ الْوَسْوَسَةِ فَحِينَئِذٍ فَالْحَدِيثُ مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ مُسْتَيْقِظٍ ثُمَّ إِنَّ الِاسْتِنْشَاقَ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ اتِّفَاقًا لِكُلِّ مَنِ اسْتَيْقَظَ أَوْ كَانَ مُسْتَيْقِظًا وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِوُجُوبِهِ فِي الْغُسْلِ وَطَائِفَةٌ بِوُجُوبِهِ فِي الْوُضُوءِ أَيْضًا وَهَلْ تَتَأَدَّى السُّنَّةُ بِمُجَرَّدِهِ بِغَيْرِ اسْتِنْثَارٍ أَمْ لَا خِلَافَ وَهُوَ مَحَلُّ بَحْثٍ وَتَأَمُّلٍ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا لَا تَتِمُّ الا بِهِ لما تقدم وَالله أعلم (قَوْلُهُ بَابُ ذِكْرِ الْجِنِّ وَثَوَابِهِمْ وَعِقَابِهِمْ) أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى إِثْبَاتِ وُجُودِ الْجِنِّ وَإِلَى كَوْنِهِمْ مُكَلَّفِينَ فَأَمَّا إِثْبَاتُ وُجُودِهِمْ فَقَدْ نَقَلَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الشَّامِلِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ وَالزَّنَادِقَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا وُجُودَهُمْ رَأْسًا قَالَ وَلَا يُتَعَجَّبُ مِمَّنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْمُشَرِّعِينَ إِنَّمَا الْعَجَبُ مِنَ الْمُشَرِّعِينَ مَعَ نُصُوصِ الْقُرْآنِ وَالْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ قَالَ وَلَيْسَ فِي قَضِيَّةِ الْعَقْلِ مَا يَقْدَحُ فِي إِثْبَاتِهِمْ قَالَ وَأَكْثَرُ مَا اسْتَرْوَحَ إِلَيْهِ مَنْ نَفَاهُمْ حُضُورُهُمْعِنْدَ الْإِنْسِ بِحَيْثُ لَا يَرَوْنَهُمْ وَلَوْ شَاءُوا لَأَبْدَوْا أَنْفُسَهُمْ قَالَ وَإِنَّمَا يَسْتَبْعِدُ ذَلِكَ مَنْ لَمْ يُحِطْ عِلْمًا بِعَجَائِبِ الْمَقْدُورَاتِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يُثْبِتُونَ وُجُودَهُمْ وَيَنْفُونَهُ الْآنَ وَمِنْهُمْ مَنْ يُثْبِتُهُمْ وَيَنْفِي تَسَلُّطَهُمْ عَلَى الْإِنْسِ وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ الْمُعْتَزِلِيُّ الدَّلِيلُ عَلَى إِثْبَاتِهِمُ السَّمْعُ دُونَ الْعَقْلِ إِذْ لَا طَرِيقَ إِلَى إِثْبَاتِ أَجْسَامٍ غَائِبَةٍ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَدُلُّ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا تَعَلُّقٌ وَلَوْ كَانَ إِثْبَاتُهُمْ بِاضْطِرَارٍ لَمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ إِلَّا أَنَّا قَدْ عَلِمْنَا بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَدَيَّنُ بِإِثْبَاتِهِمْ وَذَلِكَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُتَشَاغَلَ بِإِيرَادِهِ وَإِذَا ثَبَتَ وُجُودُهُمْ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ صِفَةِ النَّارِ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَاخْتُلِفَ فِي صِفَتِهِمْ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ قَالَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ الْجِنُّ أَجْسَادٌ رَقِيقَةٌ بَسِيطَةٌ قَالَ وَهَذَا عِنْدَنَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ إِنْ ثَبَتَ بِهِ سَمْعٌ وَقَالَ أَبُو يَعْلَى بْنُ الْفَرَّاءِ الْجِنُّ أَجْسَامٌ مُؤَلَّفَةٌ وَأَشْخَاصٌ مُمَثَّلَةٌ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ رَقِيقَةً وَأَنْ تَكُونَ كَثِيفَةً خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّهَا رَقِيقَةٌ وَأَنَّ امْتِنَاعَ رُؤْيَتِنَا لَهُمْ مِنْ جِهَةِ رِقَّتِهَا وَهُوَ مَرْدُودٌ فَإِنَّ الرِّقَّةَ لَيْسَتْ بِمَانِعَةٍ عَنِ الرُّؤْيَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَنْ رُؤْيَتِنَا بَعْضُ الْأَجْسَامِ الْكَثِيفَةِ إِذَا لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ فِينَا إِدْرَاكَهَا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الرَّبِيعِ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَرَى الْجِنَّ أَبْطَلْنَا شَهَادَتَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا انْتَهَى وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يَدَّعِي رُؤْيَتَهُمْ عَلَى صُوَرِهِمُ الَّتِي خُلِقُوا عَلَيْهَا وَأَمَّا مَنِ ادَّعَى أَنَّهُ يَرَى شَيْئًا مِنْهُمْ بَعْدَ أَنْ يَتَطَوَّرَ عَلَى صُوَرٍ شَتَّى مِنَ الْحَيَوَانِ فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ وَقَدْ تَوَارَدَتِ الْأَخْبَارُ بِتَطَوُّرِهِمْ فِي الصُّوَرِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ هُوَ تَخْيِيلٌ فَقَطْ وَلَا يَنْتَقِلُ أَحَدٌ عَنْ صُورَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَقِيلَ بَلْ يَنْتَقِلُونَ لَكِنْ لَا بِاقْتِدَارِهِمْ عَلَى ذَلِكَ بَلْ بِضَرْبٍ مِنَ الْفِعْلِ إِذَا فَعَلَهُ انْتَقَلَ كَالسِّحْرِ وَهَذَا قَدْ يَرْجِعُ إِلَى الْأَوَّلِ وَفِيهِ أَثَرٌ عَنْ عُمَرَ أَخْرَجَهُ بن أبي شيبَة بِإِسْنَاد صَحِيح أَن الغيلان ذُكِرُوا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ إِنَّ أَحَدًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْ صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا وَلَكِنْ لَهُمْ سَحَرَةٌ كَسَحَرَتِكُمْ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَأَذِّنُوا وَإِذَا ثَبَتَ وُجُودُهُمْ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي أَصْلِهِمْ فَقِيلَ إِنَّ أَصْلَهُمْ مِنْ وَلَدِ إِبْلِيسَ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَافِرًا سُمِّيَ شَيْطَانًا وَقِيلَ إِنَّ الشَّيَاطِينَ خَاصَّةً أَوْلَادُ إِبْلِيسَ وَمن عداهم لَيْسُوا من وَلَده وَحَدِيث بن عَبَّاسٍ الْآتِي فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْجِنِّ يُقَوِّي أَنَّهُمْ نَوْعٌ وَاحِدٌ مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ وَاخْتَلَفَ صِنْفُهُ فَمَنْ كَانَ كَافِرًا سُمِّيَ شَيْطَانًا وَإِلَّا قِيلَ لَهُ جِنِّيٌّ وَأَمَّا كَوْنُهُمْ مُكَلَّفِينَ فَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ الْجِنُّ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ مُكَلَّفُونَ وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ لَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ إِلَّا مَا حَكَى زَرْقَانُ عَنْ بَعْضِ الْحَشْوِيَّةِ أَنَّهُمْ مُضْطَرُّونَ إِلَى أَفْعَالِهِمْ وَلَيْسُوا بِمُكَلَّفِينَ قَالَ وَالدَّلِيلُ لِلْجَمَاعَةِ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذَمِّ الشَّيَاطِينِ وَالتَّحَرُّزِ مِنْ شَرِّهِمْ وَمَا أُعِدَّ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ وَهَذِهِ الْخِصَالُ لَا تَكُونُ إِلَّا لِمَنْ خَالَفَ الْأَمْرَ وَارْتَكَبَ النَّهْيَ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَنْ لَا يَفْعَلَ وَالْآيَاتُ وَالْأَخْبَارُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَإِذَا تَقَرَّرَ كَوْنُهُمْ مُكَلَّفِينَ فَقَدِ اخْتَلَفُوا هَلْ كَانَ فِيهِمْ نَبِيٌّ مِنْهُمْ أَمْ لَا فَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ إِثْبَاتَ ذَلِكَ قَالَ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِ الضَّحَّاكِ احْتَجَّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ رُسُلًا أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ فَلَوْ جَازَ أَنَّ الْمُرَادَ بِرُسُلِ الْجِنِّ رُسُلُ الْإِنْسِ لَجَازَ عَكْسُهُ وَهُوَ فَاسِدٌ انْتَهَى وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ رُسُلَ الْإِنْسِ رُسُلٌ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ إِلَيْهِمْ وَرُسُلُ الْجِنِّ بَثَّهُمُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ فَسَمِعُوا كَلَامَ الرُّسُلِ مِنَ الْإِنْسِ وَبَلَّغُوا قَوْمَهُمْ وَلِهَذَا قَالَ قَائِلُهُمْ إِنَّا سمعنَا كتابا أنزل من بعد مُوسَى الْآيَة وَاحْتج بن حَزْمٍ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَكَانَ النَّبِي يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ قَالَ وَلَيْسَ الْجِنُّ مِنْ قَوْمِ الْإِنْسِ فَثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ أَنْبِيَاءُ إِلَيْهِمْ قَالَ وَلَمْ يُبْعَثْ إِلَى الْجِنِّ مِنَ الْإِنْسِ نَبِيٌّ إِلَّا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمُومِ بَعْثَتِهِ إِلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ بِاتِّفَاقٍ انْتهى وَقَالَبن عَبْدِ الْبَرِّ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَهَذَا مِمَّا فُضِّلَ بِهِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَنُقِلَ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ غَافِرٍ وَلَقَد جَاءَكُم يُوسُف من قبل بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ هُوَ رَسُول الْجِنّ وَهَذَا ذكره وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْإِرْشَادِ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ مَعَ الْعِيسَوِيَّةِ وَقَدْ عَلِمْنَا ضَرُورَةً أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادَّعَى كَوْنَهُ مَبْعُوثًا إِلَى الثقلَيْن وَقَالَ بن تَيْمِيَةَ اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ قُلْتُ وَثَبَتَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ وَبُعِثْتُ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّار بِلَفْظ وَعَن بن الْكَلْبِيِّ كَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى الْإِنْسِ فَقَطْ وَبُعِثَ مُحَمَّدٌ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَإِذَا تَقَرَّرَ كَوْنُهُمْ مُكَلَّفِينَ فَهُمْ مُكَلَّفُونَ بِالتَّوْحِيدِ وَأَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا مَا عَدَاهُ مِنَ الْفُرُوعِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ لِمَا ثَبَتَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الرَّوْثِ وَالْعَظْمِ وَأَنَّهُمَا زَادُ الْجِنِّ وَسَيَأْتِي فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي آخِرِهِ فَقُلْتُ مَا بَالُ الرَّوْثِ وَالْعَظْمِ قَالَ هُمَا طَعَامُ الْجِنِّ الْحَدِيثَ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ تَنَاوُلِهِمْ لِلرَّوْثِ وَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى الْإِنْسِ وَكَذَلِكَ رَوَى أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ من طَرِيق عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ خَيْبَرَ فَتَبِعَهُ رَجُلَانِ وَآخَرُ يَتْلُوهُمَا يَقُولُ ارْجِعَا حَتَّى رَدَّهُمَا ثُمَّ لَحِقَهُ فَقَالَ لَهُ إِنَّ هَذَيْنِ شَيْطَانَانِ فَإِذَا أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْرَأْ عَلَيْهِ السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُ أَنَّا فِي جَمْعِ صَدَقَاتِنَا وَلَوْ كَانَتْ تَصْلُحُ لَهُ لَبَعَثْنَا بِهَا إِلَيْهِ فَلَمَّا قَدِمَ الرَّجُلُ الْمَدِينَةَ أَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَنَهَى عَنِ الْخَلْوَةِ أَيِ السَّفَرِ مُنْفَرِدًا وَاخْتُلِفَ أَيْضًا هَلْ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَنَاكَحُونَ أَمْ لَا فَقِيلَ بِالنَّفْيِ وَقِيلَ بِمُقَابِلِهِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ أَكْلُهُمْ وَشُرْبُهُمْ تَشَمُّمٌ وَاسْتِرْوَاحٌ لَا مَضْغٌ وَلَا بَلْعٌ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أُمَيَّةَ بْنِ مُخَشًّى قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا وَرَجُلٌ يَأْكُلُ وَلَمْ يُسَمِّ ثُمَّ سَمَّى فِي آخِرِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا زَالَ الشَّيْطَانُ يَأْكُلُ مَعَهُ فَلَمَّا سَمَّى اسْتَقَاءَ مَا فِي بَطْنِهِ وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْكُلَنَّ أَحَدُكُمْ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبْ بِشِمَالِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ وروى بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّ الْجِنَّ أَصْنَافٌ فَخَالِصُهُمْ رِيحٌ لَا يَأْكُلُونَ وَلَا يَشْرَبُونَ وَلَا يَتَوَالَدُونَ وَجِنْسٌ مِنْهُمْ يَقَعُ مِنْهُمْ ذَلِكَ وَمِنْهُمُ السَّعَالِي وَالْغُولُ وَالْقُطْرُبُ وَهَذَا إِنْ ثَبَتَ كَانَ جَامِعًا لِلْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا روى بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِنُّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ صِنْفٌ لَهُمْ أَجْنِحَةٌ يَطِيرُونَ فِي الْهَوَاءِ وَصِنْفٌ حَيَّاتٌ وَعَقَارِبُ وصنف يحلونَ ويظعنون وروى بن أَبِي الدُّنْيَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا نَحوه لَكِن قَالَ فِي الثَّالِث وصنف عليم الْحِسَابُ وَالْعِقَابُ وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ وروى بن أَبِي الدُّنْيَا مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدِ بْنِ جَابِرٍ أَحَدِ ثِقَاتِ الشَّامِيِّينَ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ قَالَ مَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ إِلَّا وَفِي سَقْفِ بَيْتِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَإِذَا وُضِعَ الْغَدَاءُ نَزَلُوا فَتَغَدَّوْا مَعَهُمْ وَالْعَشَاءُ كَذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُمْ يَتَنَاكَحُونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَمْ يطمثهن أنس قبلهم وَلَا جَان وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَالدَّلَالَةُ مِنْ ذَلِكَ ظَاهِرَةٌ وَاعْتَلَّ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ الْجَانَّ خُلِقَ مِنْ نَارٍ وَفِي النَّارِ مِنَ الْيُبُوسَةِ وَالْخِفَّةِ مَا يَمْنَعُ مَعَهُ التَّوَالُدَ وَالْجَوَابُ أَنَّ أَصْلَهُمْ مِنَ النَّارِ كَمَا أَنَّ أَصْلَ الْآدَمِيِّ مِنَ التُّرَابِ وَكَمَا أَنَّ الْآدَمِيَّ لَيْسَ طِينًا حَقِيقَةً كَذَلِكَ الْجِنِّيُّ لَيْسَ نَارًا حَقِيقَةً وَقَدْ وَقَعَ فِي الصَّحِيحِ فِي قِصَّةِ تَعَرُّضِ الشَّيْطَانِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فَأَخَذْتُهُ فَخَنَقْتُهُ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ رِيقِهِ عَلَى يَدَيَّ قُلْتُ وَبِهَذَا الْجَوَابِ يَنْدَفِعُ إِيرَادُ مَنِ اسْتَشْكَلَ قَوْلَهُ تَعَالَى إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثاقب فَقَالَ كَيْفَ تُحْرِقُ النَّارُ النَّارَ وَأَمَّا قَوْلُ المُصَنّف وثوابهموَعِقَابُهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ مَنْ أَثْبَتَ تَكْلِيفَهُمْ أَنَّهُمْ يُعَاقَبُونَ عَلَى الْمَعَاصِي وَاخْتُلِفَ هَلْ يُثَابُونَ فَرَوَى الطَّبَرِيّ وبن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ مَوْقُوفًا قَالَ إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ قَالَ اللَّهُ لِمُؤْمِنِ الْجِنِّ وَسَائِرِ الْأُمَمِ أَيْ مِنْ غَيْرِ الْإِنْسِ كُونُوا تُرَابًا فَحِينَئِذٍ يَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا وروى بن أَبِي الدُّنْيَا عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ قَالَ ثَوَابُ الْجِنِّ أَنْ يُجَارُوا مِنَ النَّارِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ كُونُوا تُرَابًا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَحْوُ هَذَا الْقَوْلِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُمْ يُثَابُونَ عَلَى الطَّاعَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِمْ ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ يَدْخُلُونَ مَدْخَلَ الْإِنْسِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا نَعَمْ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَثَانِيهَا يَكُونُونَ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ مَالِكٍ وَطَائِفَةٍ وَثَالِثُهَا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ وَرَابِعُهَا التَّوَقُّفُ عَنِ الْجَوَابِ فِي هَذَا وروى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي يُوسُفَ قَالَ قَالَ بن أَبِي لَيْلَى فِي هَذَا لَهُمْ ثَوَابٌ قَالَ فَوَجَدْنَا مِصْدَاقَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلكُل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا قُلْتُ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ قَبْلَهَا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ فَإِن قَوْله وَلكُل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا يَلِي الْآيَةَ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ وَاسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَة أَيْضا بن عبد الحكم وَاسْتدلَّ بن وَهْبٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ من قبلهم من الْجِنّ والأنس الْآيَةَ فَإِنَّ الْآيَةَ بَعْدَهَا أَيْضًا وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عمِلُوا وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ مُغِيثِ بْنِ سُمَيٍّ أَحَدِ التَّابِعِينَ قَالَ مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا وَهُوَ يَسْمَعُ زَفِيرَ جَهَنَّمَ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ الَّذِينَ عَلَيْهِمُ الْحِسَابُ وَالْعِقَابُ وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِمُ الْعِقَابَ وَلَهُمُ الثَّوَابَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ ربه جنتان ثمَّ قَالَ فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ وَالْخِطَابُ لِلْإِنْسِ وَالْجِنِّ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ فِيهِمْ مُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنُ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَخَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ثَبَتَ الْمَطْلُوبُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ بَخْسًا نُقْصَانًا يُرِيدُ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنِ الْجِنِّ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رهقا قَالَ يَحْيَى الْفَرَّاءُ الْبَخْسُ النَّقْصُ وَالرَّهَقُ الظُّلْمُ وَمَفْهُومُ الْآيَةِ أَنَّ مَنْ يَكْفُرُ فَإِنَّهُ يَخَافُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى ثُبُوتِ تَكْلِيفِهِمْ قَوْلُهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا إِلَخْ وَصله الْفرْيَابِيّ من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ بِهِ وَفِيهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فَمَنْ أُمَّهَاتُهُمْ قَالُوا بَنَاتُ سَرَوَاتِ الْجِنِّ إِلَخْ وَفِيهِ قَالَ عَلِمَتِ الْجِنُّ أَنَّهُمْ سَيَحْضُرُونَ لِلْحِسَابِ قُلْتُ وَهَذَا الْكَلَامُ الْأَخِيرُ هُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِالتَّرْجَمَةِ وَسَرَوَاتُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ جَمْعُ سَرِيَّة بتَخْفِيف الرَّاءِ أَيْ شَرِيفَةٍ وَوَقَعَ هُنَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَأُمَّهَاتُهُنَّ وَلِغَيْرِهِ وَأُمَّهَاتُهُمْ وَهُوَ أَصْوَبُ وَوَقع أَيْضا لغير الْكشميهني جند محضرون بالافراد رِوَايَته أَشْبَهُ قَوْلُهُ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ عِنْدَ الْحِسَابِ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ أَيْضًا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ عَنْ مُجَاهِدٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَشْرُوحًا فِي كِتَابِ الْأَذَانِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجِنَّ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْله أُولَئِكَ فِي ضلال مُبينمصرفا معدلا صرفنَا أَي وجهنا قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْك نَفرا من الْجِنّ إِلَى قَوْله أُولَئِكَ فِي ضلال مُبين سَيَأْتِي الْقَوْلُ فِي تَعْيِينِهِمْ وَتَعْيِينِ بَلَدِهِمْ فِي التَّفْسِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ صَرَفْنَا أَيْ وَجَّهْنَا هُوَ تَفْسِيرُ الْمُصَنِّفِ وَقَوْلُهُ مَصْرِفًا مَعْدِلًا هُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ أَبِي كَبِيرٍ بِالْمُوَحَّدَةِ الْهُذَلِيِّ أَزُهَيْرُ هَلْ عَنْ مَيْتَةٍ مِنْ مَصْرِفِ أَمْ لَا خُلُودَ لِبَاذِلٍ مُتَكَلِّفِ تَنْبِيهٌ لَمْ يَذْكُرِ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَاب حَدِيثا واللائق بِهِ حَدِيث بن عَبَّاسٍ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ فِي تَوَجُّهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُكَاظَ وَاسْتِمَاعِ الْجِنِّ لِقِرَاءَتِهِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ بِتَمَامِهِ فِي التَّفْسِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِالْآيَةِ الَّتِي صَدَّرَ بِهَا هَذَا الْبَابَ (قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَبث فِيهَا من كل دَابَّة) كَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى سَبْقِ خَلْقِ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ عَلَى الْحَيَوَانِ أَوْ سَبْقِ جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى خَلْقِ آدَمَ وَالدَّابَّةُ لُغَةً مَا دَبَّ مِنَ الْحَيَوَانِ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمُ الطَّيْرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بجناحيه وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى مَا مِنْ دَابَّةٍ الا هُوَ آخذ بناصيتها وَعُرْفًا ذَوَاتُ الْأَرْبَعِ وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِالْفَرَسِ وَقِيلَ بِالْحِمَارِ وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ خَلْقَ الدَّوَابِّ كَانَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ ذَلِك قبل خلق آدم قَوْله قَالَ بن عَبَّاس الثعبان الْحَيَّة الذّكر وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِهِ وَقِيلَ الثُّعْبَانُ الْكَبِيرُ مِنَ الْحَيَّاتِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى قَوْلُهُ يُقَالُ الْحَيَّاتُ أَجْنَاسٌ الْجَانُّ وَالْأَفَاعِي وَالْأَسَاوِدُ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ الْجَانُّ أَجْنَاسٌ قَالَ عِيَاضٌ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ قُلْتُ هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْقَصَصِ قَالَ فِي قَوْله كَأَنَّهَا جَان وَفِي قَوْله حَيَّة تسْعَى كَأَنَّهَا جَانٌّ مِنَ الْحَيَّاتِ أَوْ مِنْ حَيَّةِ الْجَانِّ فَجَرَى عَلَى أَنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَقِيلَ كَانَتِ الْعَصَا فِي أَوَّلِ الْحَالِ جَانًّا وَهِيكُلُّ سَوَادٍ وَلِهَذَا قَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فَمَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ قَالَ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ وَأَغْلِقْ بَابَكَ هُوَ خِطَابٌ لِمُفْرَدٍ وَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ أَحَدٍ فَهُوَ عَامٌّ بِحَسَبِ الْمَعْنَى وَلَا شَكَّ أَنَّ مُقَابَلَةَ الْمُفْرَدِ بِالْمُفْرَدِ تُفِيدُ التَّوْزِيعَ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الثَّالِثَ عَشَرَ حَدِيثُ صَفِيَّةَ تَقَدَّمَ فِي الِاعْتِكَافِ وَفِيهِ إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِلشَّيْطَانِ قُوَّةً عَلَى التَّوَصُّلِ إِلَى بَاطِنِ الْإِنْسَانِ وَقِيلَ وَرَدَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ أَيْ أَنَّ وَسْوَسَتَهُ تَصِلُ فِي مَسَامِّ الْبَدَنِ مِثْلَ جَرْيِ الدَّمِ مِنَ الْبَدَنِ الرَّابِعَ عَشَرَ حَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدَ فِي الِاسْتِعَاذَةِ يَأْتِي فِي الْأَدَبِ وَالْوَدَجُ بِفَتْحِ الدَّالِ وَبِالْجِيمِ عِرْقٌ فِي الْعُنُق الْخَامِس عشر حَدِيث بن عَبَّاسٍ تَقَدَّمَ فِي الرَّابِعِ وَقَوْلُهُ


    [ رقم الحديث عند عبدالباقي:3138 ... ورقمه عند البغا: 3287 ]
    - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: "قَدِمْتُ الشَّأْمَ، قَالُوا: أَبُو الدَّرْدَاءِ، قَالَ: أَفِيكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد بن درهم أبو غسان النهدي الكوفي قال:(حدّثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن المغيرة) بن مقسم الضبي (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس النخعي الكوفي أنه (قال: قدمت الشام قالوا أبو الدرداء) اسمه عويمر بن مالك الأنصاري الخزرجي وفي نسخة بهامش الفرع فقلت من هاهنا؟ قالوا أبو الدرداء (قال): أي أبو الدرداء بعد مجيئه (أفيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟) قيل بقوله عليه الصلاة والسلام "ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى
    النار" أو بقوله عليه الصلاة والسلام المروي في الترمذي من حديث عائشة "ما خير عمار بين أمرين إلاّ اختار أرشدهما" فكونه يختار الأرشد يقتضي أنه أجير من الشيطان الذي من شأنه أن يأمر بالغي.


    [ رقم الحديث عند عبدالباقي:3138 ... ورقمه عند البغا:3287 ]
    - حدَّثنا مالِكُ بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا إسْرَائِيلُ عنِ المُغِيرَةِ عنْ إبْرَاهِيمَ عنْ عَلْقَمَةَ قَالَ قَدِمْتُ الشَّأمَ فَقُلْتُ منْ هاهُنَا قالُوا أبُو الدَّرْدَاءَ قَالَ أفِيكُمُ الَّذِي أجارَهُ الله مِنَ الشِّيْطَانِ علَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. .مَالك بن إِسْمَاعِيل بن زِيَاد أَبُو غَسَّان النَّهْدِيّ الْكُوفِي، وَإِسْرَائِيل بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي، والمغيرة بن مقسم الضَّبِّيّ، وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وعلقمة بن قيس النَّخعِيّ الْكُوفِي، وَاسم أبي الدَّرْدَاء عُوَيْمِر بن مَالك الْأنْصَارِيّ الخزرجي.والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ هُنَا مُخْتَصرا جدا، وَأخرجه بأتم مِنْهُ فِي فضل عمار وَحُذَيْفَة عَن مَالك بن إِسْمَاعِيل أَيْضا، وَأخرجه أَيْضا عَن سُلَيْمَان بن حَرْب على مَا يَجِيء عَن قريب فِي هَذَا الْبابُُ. وَفِي الاسْتِئْذَان عَن أبي الْوَلِيد وَعَن يحيى بن جَعْفَر وَعَن يزِيد بن هَارُون وَفِي مَنَاقِب ابْن مَسْعُود عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب وَفِي التَّفْسِير عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان. قَوْله: (أفيكم؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار، أَي: أَفِي الْعرَاق؟ قَوْله: (الَّذِي أجاره الله) ، أَي: مَنعه وحماه من الشَّيْطَان، وَهُوَ عمار بن يَاسر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وسيصرح بِهِ البُخَارِيّ فِي الحَدِيث الَّذِي بعده، وَفِي التَّوْضِيح يجوز أَن يكون قَالَه أَبُو الدَّرْدَاء لقَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يَدعُوهُم إِلَى الْجنَّة ويدعونه إِلَى النَّار) ، أَو يكون شهد لَهُ: أَن الله أجاره من الشَّيْطَان.حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ مُغِيرَةَ وَقَالَ الَّذِي أجارَهُ الله علىَ لِسانِ نَبِيِّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي عَمَّارَاًبِهَذَا بَين البُخَارِيّ أَن المُرَاد من قَول أبي الدَّرْدَاء: أفيكم الَّذِي أجاره الله من الشَّيْطَان؟ أَنه عمار بن يَاسر الَّذِي هُوَ من السَّابِقين فِي الْإِسْلَام الْمنزل فِيهِ: {{إلاَّ من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان}} (النَّحْل: 601) . وَقد قَالَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ: مرْحَبًا بالطيب المطيب.

    حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ قَدِمْتُ الشَّأْمَ ‏{‏فَقُلْتُ مَنْ هَا هُنَا‏}‏ قَالُوا أَبُو الدَّرْدَاءِ قَالَ أَفِيكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُغِيرَةَ وَقَالَ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ يَعْنِي عَمَّارًا‏.‏

    Narrated Alqama:I went to Sham (and asked. "Who is here?"), The people said, "Abu Ad-Darda." Abu Darda said, "Is the person whom Allah has protected against Satan, (as Allah's Messenger (ﷺ) said) amongst you". The subnarrator, Mughira said that the person who was given Allah's Refuge through the tongue of the Prophet was `Ammar (bin Yasir)

    Alkame anlatıyor: "Şam'a gelmiştim. Mescidde iken birisi geldi. Onun kim olduğunu sorduğumda: Ebü'd-Derda diye cevap verdiler. Ebü'd-Derda bana: İçinizde Allah tarafından şeytandan korunduğu Resulullah Sallallahu Aleyhi ve Sellem'in diliyle bildirilen zat yok mu? dedi." Ravilerden Muğire ed-Dabbı'nin naklettiğine göre ayrıca Ammar'ı kasdederek: "O, Allah tarafından korunduğu Resulullahlın Sallallahu Aleyhi ve Sellem diliyle bildirilen kişidir" demiştir. Tekrar:

    ہم سے مالک بن اسماعیل نے بیان کیا، کہا ہم سے اسرائیل نے بیان کیا، ان سے مغیرہ نے، ان سے ابراہیم نے اور ان سے علقمہ نے بیان کیا کہ میں شام پہنچا تو لوگوں نے کہا، ابودرداء آئے انہوں نے کہا، کیا تم لوگوں میں وہ شخص ہے جس کو اللہ تعالیٰ نے اپنے رسول کی زبان پر ( یعنی آپ کے زمانے سے ) شیطان سے بچا رکھا ہے۔ ہم سے سلیمان بن حرب نے بیان کیا، کہا ہم سے شعبہ نے بیان کیا اور ان سے مغیرہ نے یہی حدیث، اس میں یہ ہے، جنہیں اللہ تعالیٰ نے اپنے نبی کی زبانی شیطان سے اپنی پناہ میں لینے کا اعلان کیا تھا، آپ کی مراد عمار رضی اللہ عنہ سے تھی۔

    ‘আলকামাহ (রহ.) হতে বর্ণিত। তিনি বলেন, আমি সিরিয়ায় গেলাম, লোকেরা বলল, ইনি আবূ দারদা (রাঃ)। তিনি জিজ্ঞেস করলেন, ‘তোমাদের মধ্যে কি সে ব্যক্তি আছে, যাকে নবী সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম-এর মৌখিক দু‘আয় আল্লাহ্ শয়তান হতে রক্ষা করেছেন?’ মুগীরাহ (রাঃ) হতে বর্ণিত। তিনি বলেন, সেই ব্যক্তি যাঁকে আল্লাহ তাঁর নবী সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম-এর মৌখিক দু‘আয় শয়তান হতে রক্ষা করেছেন, তিনি হলেন, আম্মার (রাঃ)। (৩৭৪২, ৩৭৪৩, ৩৭৬১, ৪৯৪৩, ৪৯৪৪, ৬২৭৮) (আধুনিক প্রকাশনীঃ ৩০৪৫, ইসলামিক ফাউন্ডেশনঃ)

    அல்கமா பின் கைஸ் (ரஹ்) அவர்கள் கூறியதாவது: நான் ஷாம் (சிரியா) நாட்டிற்குச் சென்றேன். அங்கிருந்த மக்கள், ‘‘அபுத் தர்தா (ரலி) அவர்கள் (இங்கு) வந்து, ‘அல்லாஹ் தன் தூதர் (ஸல்) அவர்களின் நாவால் ஷைத்தானிடமிருந்து எவரைக் காப்பாற்றினானோ அவர் உங்களிடையே இருக்கின்றாரா?› என்று கேட்டார்” எனச் சொன்னார்கள். முஃகீரா பின் மிக்ஸம் (ரஹ்) அவர்கள், ‘‘அல்லாஹ் தன் தூதர் (ஸல்) அவர்களின் நாவால் ஷைத்தானிடமிருந்து எவரைக் காப்பாற்றினானோ அவர்” என்று அபுத் தர்தா (ரலி) அவர்கள் குறிப்பிட்டது அம்மார் பின் யாசிர் (ரலி) அவர்களைத் தான்” என்று கூறினார்கள்.90 அத்தியாயம் :