سَمِعْتُ عُمَرَ الْبَنَّاءَ الْمُزَوِّقَ الْبَغْدَادِيَّ ، بِمَكَّةَ يَقُولُ : سَمِعْتُ الشِّبْلِيَّ ، يَقُولُ : لَيْسَ مَنِ احْتَجَبَ بِالْخَلْقِ عَنِ الْحَقِّ ، كَمَنِ احْتَجَبَ بِالْحَقِّ عَنِ الْخَلْقِ وَلَيْسَ مَنْ جَذْبَتْهُ أَنْوَارُ قُدُسِهِ إِلَى أُنْسِهِ كَمَنْ جَذْبَتْهُ أَنْوَارُ رَحْمَتِهِ إِلَى مَغْفِرَتِهِ
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ حُبَيْشٍ ، يَقُولُ : أُدْخِلَ الشِّبْلِيُّ دَارَ الْمَرْضَى لِيُعَالَجَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْوَزِيرُ عَائِدًا فَأَقْبَلَ عَلَى الْوَزِيرِ فَقَالَ : مَا فَعَلَ رَبُّكَ ؟ فَقَالَ الْوَزِيرُ : فِي السَّمَاءِ يَقْضِي وَيُمْضِي فَقَالَ : سَأَلْتُكَ عَنِ الرَّبِّ الَّذِي تَعْبُدَهُ لَا عَنِ الرَّبِّ الَّذِي لَا تَعْبُدَهُ يُرِيدُ الْخَلِيفَةَ الْمُقْتَدِرَ فَقَالَ عَلِيٌّ لِبَعْضِ حَاضِرِيهِ نَاظِرْهُ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا أَبَا بَكْرٍ سَمِعْتُكَ تَقُولُ فِي حَالِ صِحَّتِكَ : كُلُّ صِدِّيقٍ بِلَا مُعْجِزَةٍ كَذَّابٌ ، وَأَنْتَ صِدِّيقٌ فَمَا مُعْجِزَتُكَ ؟ قَالَ : مُعْجِزَتِي أَنْ تَعْرِضَ خَاطِرِي فِي حَالِ صَحْوِي عَلَى خَاطِرِي فِي حَالِ سُكْرِي فَلَا يَخْرُجَانِ عَنْ مُوَافَقَةِ اللَّهِ تَعَالَى
سَمِعْتُ أَبَا نَصْرٍ النَّيْسَابُورِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ الطَّبَرِيَّ ، يَحْكِي عَنْ خَيْرٍ النَّسَّاجِ قَالَ : كُنَّا فِي الْمَسْجِدِ فَجَاءَنَا الشِّبْلِيُّ وَهُوَ سَكْرَانُ فَنَظَرَنَا وَلَمْ يُكَلِّمْنَا فَانْهَجَمَ عَلَى الْجُنَيْدِ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ جَالِسٌ مَعَ امْرَأَتِهِ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ فَهَمَّتْ أَنْ تُغَطِّيَ رَأْسَهَا فَقَالَ لَهَا الْجُنَيْدُ : لَا عَلَيْكِ لَيْسَ هُوَ هُنَاكَ ، قَالَ : فَصَفَّقَ عَلَى رَأْسِ الْجُنَيْدِ ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ : عَوَّدُونِي الْوِصَالَ وَالْوِصَالُ عَذْبُ وَرَمَوْنِي بِالصَّدِّ وَالصَّدُّ صَعْبُ زَعَمُوا حِينَ عَاتَبُوا أَنَّ جُرْمِي فَرْطُ حُبِّي لَهُمْ وَمَا ذَاكَ ذَنْبُ لَا وَحُسْنُ الْخُضُوعِ عِنْدَ التَّلَاقِي مَا جَزَى مَنْ يُحِبُّ إِلَّا بِحُبِّ ثُمَّ وَلَّى الشِّبْلِيُّ فَضَرَبَ الْجُنَيْدُ رِجْلَيْهِ وَقَالَ : هُوَ ذَاكَ وَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ
أَنْشَدَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ قَالَ : أَنْشَدَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحِزْبِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ الشِّبْلِيَّ ، كَثِيرًا مَا يَتَمَثَّلُ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ : وَالْهَجْرُ لَوْ سَكَنَ الْجِنَانَ تَحَوَّلَتْ نِعَمُ الْجِنَانُ عَلَى الْعَبِيدِ جَحِيمَا وَالْوَصْلُ لَوْ سَكَنَ الْجَحِيمَ تَحَوَّلَتْ حَرُّ السَّعِيرِ عَلَى الْعِبَادِ نَعِيمَا
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الْمَالِكِيَّ ، بِطَرَسُوسَ يَقُولُ : اعْتَلَّ الشِّبْلِيُّ عِلَّةً شَدِيدَةً فَأَرْجَفُوا بِمَوْتِهِ فَبَادَرْنَا إِلَى دَارِهِ فَاتَّفَقَ عِنْدَهُ ابْنُ عَطَاءٍ ، وَجَعْفَرٌ الْخَلَدِيُّ ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ الْجُنَيْدِ قَالَ : فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ لَهُمْ : مَالَكُمْ ؟ إِيشِ الْقِصَّةُ ؟ قَالَ : فَقُلْتُ وَكُنْتُ أَجْرَأَهُمْ عَلَيْهِ : مَا لَنَا ؟ جِئْنَا إِلَى جِنَازَتِكَ فَاسْتَوَى جَالِسًا فَقَالَ : الْجِوَارَ أَمْوَاتٌ جَاءُوا إِلَى جِنَازَةِ حَيٍّ ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ : وَيْحَكُمْ : أَحْسَبُ أَنِّي قَدْ مُتُّ فِيكُمْ ، مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَحْمِلَ هَيْكَلِي ؟
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الشِّبْليَّ ، يَقُولُ : وَقَفْتُ بِعَرَفَةَ فَطَالَبْتُ الْوَقْتَ فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا لَهُ فِي التَّوْحِيدِ نَفْسٌ ، ثُمَّ رَحِمْتُهُمْ فَقُلْتُ : يَا سَيِّدِي إِنْ مَنَعْتَهُمْ إِرَادَتَكَ فِيهِمْ فَلَا تَمْنَعْهُمْ مُنَاهُمْ مِنْكَ
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ بْنَ يَعْقُوبَ الْوَرَّاقَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الشِّبْلِيَّ ، يَقُولُ : لَيْسَ لِلْمُرِيدِ فَتْرَةٌ وَلَا لِلْعَارِفِ مَعْرِفَةٌ وَلَا لِلْمَعْرِفَةِ عَلَاقَةٌ وَلَا لِلْمُحِبِّ سُكُونٌ وَلَا لِلصَّادِقِ دَعْوَى وَلَا لِلْخَائِفِ قَرَارٌ وَلَا لِلْخَلْقِ مِنَ اللَّهِ فِرَارٌ قَالَ : وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : اللَّحْظَةُ كُفْرٌ وَالْخَطْرَةُ شِرْكٌ ، وَالْإِشَارَةُ مَكْرٌ ، وَاللَّحْظَةُ حِرْمَانٌ وَالْخَطْرَةُ خُذْلَانٌ ، وَالْإِشَارَةُ هُجْرَانٌ
سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْعُثْمَانِيَّ ، يَقُولُ : قَالَ الشِّبْلِيُّ : مَنِ انْقَطَعَ اتَّصَلَ وَمَنِ اتَّصَلَ انْفَصَلَ
سَمِعْتُ أَبَا قَاسِمٍ عَبْدَ السَّلَامِ بْنَ مُحَمَّدٍ الْمُخَرِّمِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الشِّبْلِيَّ وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ : {{ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ }} ، قَالَ : ادْعُونِي بِلَا غَفْلَةٍ أَسْتَجِبْ لَكُمْ بِلَا مُهْلَةٍ
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الشِّبْلِيَّ ، يَقُولُ : اشْتَغَلَ النَّاسُ بِالْحُرُوفِ وَاشْتَغَلَ أَهْلُ الْحَقِّ بِالْحُدُودِ فَمَنِ اشْتَغَلَ بِالْحُرُوفِ اشْتَغَلَ بِهَا خَشْيَةَ الْغَلَبَةِ وَمَنِ اشْتَغَلَ بِالْحُدُودِ اشْتَغَلَ بِهَا خَشْيَةَ الْفَضِيحَةِ
سَمِعْتُ أَبَا نَصْرٍ النَّيْسَابُورِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ الشِّبْلِيَّ ، يَقُولُ : قَوْمٌ أَصِحَّاءُ جِئْتُمْ إِلَى مَجْنُونٍ ، أَيُّ فَائِدَةٍ لَكُمْ فِيَّ ؟ أُدْخِلْتُ الْمَارِسْتَانَ كَذَا وَكَذَا مَرَّةً وَأُسْقِيتُ مِنَ الدَّوَاءِ كَذَا وَكَذَا دَوَاءً فَلَمْ أَزْدَدْ إِلَّا جُنُونًا
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ الْوَرَّاقَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الشِّبْلِيَّ وَسُئِلَ عَنِ الْمَحَبَّةِ فَقَالَ : الْمَحَبَّةُ الْفَرَاغُ لِلْحَبِيبِ وَتَرْكُ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الرَّقِيبِ قَالَ : وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : إِذَا ظَنَنْتُ أَنِّي فَقَدْتُ فَحِينَئِذٍ قَدْ وَجَدْتُ وَإِذَا ظَنَنْتُ أَنِّي وَجَدْتُ فَهُنَاكَ فَقَدْتُ قَالَ : وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : صِرَاطُ الْأَوْلِيَاءِ الْمَحَبَّةُ ، وَقَالَ : الْمَحَبَّةُ الْكَامِلَةُ أَنْ تُحِبَّهُ مِنْ قَبْلِهِ وَقَالَ : مَنْ أَحَبِّ اللَّهَ مِنْ قَبْلِ بِرِّ اللَّهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ
سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ الْوَرَّاقَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الشِّبْلِيَّ ، يَقُولُ : صَاحِبُ الْهِمَّةِ لَا يَشْتَغِلُ بِشَيْءٍ وَصَاحِبُ الْإِرَادَةِ يَشْتَغِلُ بِشَيْءٍ ، وَقَالَ : الْهِمَّةُ لِلَّهِ وَمَا دُونَهُ لَيْسَ بَهِمَّةٍ قَالَ : وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : مَا مَيَّزْتُمُوهُ بِأَوْهَامِكُمْ وَأَدْرَكْتُمُوهُ بِعُقُولِكُمْ فِي أَتَمِّ مَعَانِيكُمْ فَهُوَ مَرْدُودٌ إِلَيْكُمْ مُحْدَثٌ مَصْنُوعٌ ، وَقَالَ : مَنْ قَالَ : اللَّهُ بِالْعَادَةِ فَهُوَ أَحْمَقُ وَمَنْ قَالَ بِالْعَرَضِ فَهُوَ أَخْرَقُ وَمَنْ قَالَ بِالْإِخْلَاصِ فَالشِّرْكُ وَطَنُهُ وَمَنْ قَالَ : اللَّهُ عَلَى أَنَّهَا حَقِيقَةٌ لِلْحَقِّ جَهِلَ بِاللَّهِ ظَنُّهُ وَمَنْ قَالَ : اللَّهُ مُعْتَصِمًا بِهَا فَقَدْ جَهِلَ أَوَّلِيَّتَهُ حَتَّى يَقُولَ : اللَّهُ بِاللَّهِ قَالَ : وَسَمِعْتُهُ يُنْشِدُ ، فِي مَجْلِسِهِ : الْغَيْبُ رَطْبٌ يُنَادِي يَا غَافِلِينَ الصَّبُوحُ فَقُلْتُ : أَهْلًا وَسَهْلًا مَا دَامَ فِي الْجِسْمِ رُوحُ
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى ، يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الشِّبْلِيَّ ، يَقُولُ : الْأَرْوَاحُ تَلَطَّفَتْ فَتَعَلَّقَتْ عِنْدَ لَدَغَاتِ الْحَقِيقَةِ فَلَمْ تَرَ غَيْرَ الْحَقِّ مَعْبُودًا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ فَأَيْقَنَتْ أَنَّ الْمُحْدَثَ لَا يُدْرِكُ الْقَدِيمَ بِصِفَاتٍ مَعْلُولَةٍ فَإِذَا صَفَّاهُ الْحَقُّ أَوْصَلَهُ إِلَيْهِ ، لَا وَصَلَ هُوَ
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ أَبَا طَاهِرٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الشِّبْلِيَّ ، يَقُولُ : تَاهَتِ الْخَلِيقَةُ فِي الْعِلْمِ وَتَاهَ الْعِلْمُ فِي الِاسْمِ وَتَاهَ الِاسْمُ فِي الذَّاتِ ، وَسَمِعْتُهُ كَثِيرًا يُنْشِدُ : وِدَادُكُمْ هَجْرٌ وَحُبُّكُمْ قِلًى وَوَصْلُكُمْ صَرْمٌ وَسِلْمُكُمْ حَرْبُ وَسَمِعْتُهُ يُنْشِدُ كَثِيرًا : لَمَّا بَدَا طَالِعًا غَابَتْ لِهَيْبَتِهِ شَمْسُ النَّهَارِ وَلَمْ يَطْلُعْ لَنَا قَمَرُ
سَمِعْتُ أَبَا نَصْرٍ النَّيْسَابُورِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ بُكَيْرًا ، تِلْمِيذَ الشِّبْلِيِّ يَقُولُ لَهُ : يَا أَسْتَاذُ ، أَيْنَ أَبْغِيهِ ؟ فَقَالَ لَهُ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكُ ، وَهَلْ يَبْغِي مَنْ يَأْخُذُ السَّمَاوَاتِ عَلَى أُصْبُعٍ ، وَالْأَرَضِينَ عَلَى أُصْبُعٍ فَيَهُزُّهُمَا وَيَقُولُ : أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْمُلُوكُ ؟ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَحْتَجِبْ عَنْ خَلْقِهِ وَإِنَّمَا الْخَلْقُ احْتَجَبُوا عَنْهُ بِحُبِّ الدُّنْيَا
سَمِعْتُ أَبَا نَصْرٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدٍ النَّهَاوَنْدِيَّ ، يَقُولُ : مَاتَ لِلشِّبْلِيِّ ابْنٌ كَانَ اسْمُهُ غَالِبًا فَجَزَّتْ أُمُّهُ شَعْرَهَا عَلَيْهِ وَكَانَ لِلشِّبْلِيِّ لِحْيَةٌ كَبِيرَةٌ فَأَمَرَ بِحَلْقِ الْجَمِيعِ ، فَقِيلَ لَهُ : يَا أَسْتَاذُ ، مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا ؟ فَقَالَ : جَزَّتْ هَذِهِ شَعْرَهَا عَلَى مَفْقُودٍ ، فَكَيْفَ لَا أَحْلِقُ لِحْيَتِي أَنَا عَلَى مَوْجُودٍ ؟
سَمِعْتُ أَبَا نَصْرٍ النَّيْسَابُورِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الشِّبْلِيَّ ، يَقُولُ : مَنِ اطَّلَعَ عَلَى ذَرَّةٍ مِنْ عِلْمِ التَّوْحِيدِ حَمَلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ عَلَى شَعْرَةٍ مِنْ جَفْنِ عَيْنَيْهِ
سَمِعْتُ أَبَا نَصْرٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ ، يَقُولُ : حَضَرْتُ الشِّبْلِيَّ وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ : لَا تَغُرَّنَّكُمْ هَذِهِ الْقُبُورُ وَهُدُوءُهَا فَكَمْ مِنْ فَرِحٍ مَسْرُورٍ وَدَاعٍ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ ، فَقَالَ : أَيُّمَا هِيَ الْقُبُورُ عِنْدَكَ ؟ قَالَ : قُبُورُ الْأَمْوَاتِ ، فَقَالَ : لَا بَلْ أَنْتُمُ الْقُبُورُ : كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَدْفُونٌ ، فَالْمُعْرِضُ عَنِ اللَّهِ دَاعٍ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ ، وَالْمُقْبِلُ عَلَى اللَّهِ الْفَرِحُ الْمَسْرُورُ ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ : قُبُورُ الْوُرَى تَحْتَ التُّرَابِ وَلِلْهَوَى رِجَالٌ لَهُمْ تَحْتَ الثِّيَابِ قُبُورُ فَقُلْتُ لَهُ : يَا سَيِّدِي وَنُعَدُّ فِي الْمَوْتَى ؟ فَقَالَ : يُحِبُّكَ قَلْبِي مَا حَيِيتُ فَإِنْ أَمُتْ يُحِبُّكُ عَظْمٌ فِي التُّرَابُ رَمِيمُ
سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الرَّازِيَّ ، بِنَيْسَابُورَ يَقُولُ : سَمِعْتُ الشِّبْلِيَّ وَسُئِلَ عَنِ الزُّهْدِ ، فَقَالَ : تَحْوِيلُ الْقَلْبِ مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَى رَبِّ الْأَشْيَاءِ وَقَالَ : مَنْ عَرَفَ اللَّهَ ، خَضَعَ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ عَايَنَ أَثَرَ مُلْكِهِ فِيهِ قَالَ : وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : ادْعُ اللَّهَ لِي فَأَنْشَأَ يَقُولُ : مَضَى زَمَنٌ وَالنَّاسُ يَسْتَشْفِعُونَ بِي فَهَلْ لِي إِلَى لِيَلِي الْغَدَاةَ شَفِيعُ وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا أَبَا بَكْرٍ ، نَرَاكَ جَسِيمًا بَدِينًا وَالْمَحَبَّةُ تُضْنِي فَأَنْشَأَ يَقُولُ : أَحَبَّ قَلْبِي وَمَا دَرَى بَدَنِي وَلَوْ دَرَى مَا أَقَامَ فِي السِّمَنِ
سَمِعْتُ أَبَا طَاهِرٍ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الشِّبْلِيَّ ، يَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَوْجُودٌ عِنْدَ النَّاظِرِينَ فِي صُنْعِهِ مَفْقُودٌ عِنْدَ النَّاظِرِينَ فِي ذَاتِهِ
أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ ، فِي كِتَابِهِ , وَحَدَّثَنِي عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الشِّبْلِيَّ ، يَقُولُ : التَّصَوُّفُ لَا حَالَ يُقِلُّ وَلَا سَمَاءَ يُظِلُّ
سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ الْمُفِيدَ يَقُولُ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، وَأَقْبَلَ يَوْمًا عَلَى الشِّبْلِيِّ يَقُولُ : حَرَامٌ عَلَيْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ إِنْ كَلَّمْتَ أَحَدًا فَإِنَّ الْخَلْقَ غَرْقَى عَنِ اللَّهِ وَأَنْتَ غَرِقٌ فِي اللَّهِ
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى ، يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الشِّبْلِيَّ ، يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ : {{ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ }} ، قَالَ : يَمْحُو مَا يَشَاءُ مِنْ شُهُودِ الْعُبُودِيَّةِ وَأَوْصَافِهَا وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ مِنْ شَوَاهِدِ الرُّبُوبِيَّةِ وَدَلَائِلِهَا وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : {{ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ }} ، فَقَالَ : كُلُّ مَا دُونَ اللَّهِ لَغْوٌ وَكَانَ يَقُولُ : حِفْظُ الْأَسْرَارِ صَوْنُهَا عَنْ رُؤْيَةِ الْأَغْيَارِ وَكَانَ يَقُولُ : الْغِيرَةُ غَيْرَتَانِ : غِيرَةُ الْبَشَرِيَّةِ وَغِيرَةُ الْأُلُهِيَّةِ عَلَى الْوَقْتِ أَنْ يُضَيِّعَ فِيمَا سِوَى اللَّهِ
أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ وَحَدَّثَنِي عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : حَضَرْتُ وَفَاةَ الشِّبْلِيِّ فَأُمْسِكَ لِسَانُهُ وَعَرِقَ جَبِينُهُ فَأَشَارَ إِلَى وُضُوءِ الصَّلَاةِ فَوَضَّأْتُهُ وَنَسِيتُ التَّخْلِيلَ تَخْلِيلَ لِحْيَتِهِ فَقَبَضَ عَلَى يَدَيَّ وَأَدْخَلَ أَصَابِعِي فِي لِحْيَتِهِ يُخَلِّلُهَا فَبَكَيْتُ وَقُلْتُ : أَيُّ شَيْءٍ يِتَهَيَّأُ أَنْ يُقَالَ لِرَجُلٍ لَمْ يَذْهَبْ عَلَيْهِ تَخْلِيلُ لِحْيَتِهِ فِي الْوُضُوءِ عِنْدَ نُزُوعِ رُوحِهِ وَإِمْسَاكِ لِسَانِهِ وَعَرَقِ جَبِينِهِ ؟
سَمِعْتُ عَبْدَ الْوَاحِدِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو ، يَقُولُ : سَمِعْتُ بُنْدَارَ بْنَ الْحُسَيْنِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الشِّبْلِيَّ ، يَقُولُ : وَكَانَ أَكْثَرُ اقْتِرَاحِ الْجُنَيْدِ عَلَى الْقَوَّالِينَ هَذِهِ الْأَبْيَاتُ : فَلَوْ أَنَّ لِيَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثَمَانِينَ بَحْرًا مِنْ دُمُوعٍ تَدْفُقُ لَأَفْنَيْتُهَا حَتَّى ابْتَدَأْتُ بِغَيْرِهَا وَهَذَا قَلِيلٌ لِلْفَتَى حِينَ يَعْشَقُ أَهِيمُ بِهِ حَتَّى الْمَمَاتِ لِشِقْوَتِي وَحَوْلِي مِنَ الْحُبِّ الْمُبَرِّحِ خِنْدَقُ وَفَوْقِي سَحَابٌ تُمْطِرُ الشَّوْقَ وَالْهَوَى وَتَحْتِي عُيُونٌ لِلْهَوَى تَتَدَفَّقُ
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الرَّازِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الشِّبْلِيَّ ، يَقُولُ : مَا أَحْوَجَ النَّاسِ إِلَى سَكْرَةٍ ، فَقُلْتُ : يَا سَيِّدِي ، أَيُّ سَكْرَةٍ ؟ فَقَالَ : سَكْرَةٌ تُغْنِيهِمْ عَنْ مُلَاحَظَةِ أَنْفُسِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ وَأَنْشَأَ يَقُولُ : وَتَحْسَبُنِي حَيًّا وَإِنِّي لَمَيِّتٌ وَبَعْضِي مِنَ الْهُجْرَانِ يَبْكِي عَلَى بَعْضِ
سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ مِقْسَمٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الشِّبْلِيَّ ، يَقُولُ : وَاللَّهِ مَا أَعْطَيْتُ فِيهِ الرِّشْوَةَ قَطُّ وَلَا رَضِيتُ بِسَوَاهُ وَلَقَدْ تَاهَ عَقْلِي فِيهِ وَرُبَّمَا قَالَ : غُلِبَتْ ثَمَانِيَ وَعِشْرِينَ مَرَّةً حَتَّى قِيلَ لِي مَجْنُونُ لَيْلَى فَرَضِيتُ ثُمَّ أَنْشَدَ : قَالُوا جُنِنْتَ عَلَى لَيْلَى فَقُلْتُ لَهُمُ الْحُبُّ أَيْسَرُهُ مَا بِالْمَجَانِينِ ثُمَّ أَنْشَدَ وَقَالَ : جُنِنَّا عَلَى لَيْلَى وَجُنَّتْ بِغَيْرِنَا وَأُخْرَى بِنَا مَجْنُونَةٌ لَا نُرِيدُهَا ثُمَّ أَنْشَدَ : وَلَوْ قُلْتَ طَأْ فِي النَّارِ بَادَرْتُ نَحْوَهَا سُرُورًا لِأَنِّي قَدْ خَطَرْتُ بِبَالِكَا ثُمَّ أَنْشَدَ : سَأَلْبِسُ لِلصَّبْرِ ثَوْبًا جَمِيلَا وَأُدْرِجُ لِيَلِيَ لَيْلًا طَوِيلَا وَأَصْبِرُ بِالرُّغْمِ لَا بِالرِّضَا أُعَلِّلُ نَفْسِي قَلِيلًا قَلِيلَا ثُمَّ أَنْشَدَ وَقَالَ : تَنَقَّبْ وَزُرْ فَقُلْتُ لَهُمْ أَشْهَرُ مَا كُنْتُ حِينَ أَنْتَقِبُ فَإِنْ عَرَفُونِي وَأَثْبَتُوا صِفَتِي أَصْبَحْتُ دُرًّا وَالدُّرُّ يُنْتَهَبُ
سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ مِقْسَمٍ ، يَقُولُ : حَضَرْتُ أَبَا بَكْرٍ الشِّبْلِيَّ وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : {{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لِذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ }} ، فَقَالَ : لِمَنْ كَانَ اللَّهُ قَلْبَهُ ، وَأَنْشَدَ : لَيْسَ مِنِّي قَلْبٌ إِلَيْكَ مُعَنَّى كُلُّ عُضْوٍ مِنِّي إِلَيْكَ قُلُوبُ وَتَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى : {{ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ }} إِلَى قَوْلِهِ : {{ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ }} ، فَلَحِقُوا فَهُمْ مَا أَشَارَ إِلَيْهِمْ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَتَى يَصِحُّ ذَا ؟ قَالَ : إِذَا كَانَتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ حُلْمًا وَاللَّهُ تَعَالَى يَقَظَةً ، وَأَنْشَدَ : دَعِ الْأَقْمَارَ تَغْرُبُ أَوْ تُنِيرُ لَنَا بَدْرٌ تِذِلُّ لَهُ الْبُدُورُ لَنَا مِنْ نُورِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ ضِيَاءٌ مَا تُغَيِّرُهُ الدُّهُورُ
أَنْشَدَنِي مَنْصُورُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِي قَالَ : أَنْشَدَنِي أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مَنْصُورٍ الشَّاذَابِيُّ الْمُقْرِئُ قَالَ : قِيلَ لِأَبِي بَكْرٍ الشِّبْلِيِّ : مَزَّقْتَ وَأَبْلَيْتَ كُلَّ مَلْبُوسِكَ وَالْعِيدُ قَدْ أَقْبَلَ وَالنَّاسُ يَتَزَيَّنُونَ وَأَنْتَ هَكَذَا فَأَنْشَأَ يَقُولُ : قَالُوا : أَتَى الْعِيدُ مَاذَا أَنْتَ لَابِسُهُ ؟ فَقُلْتُ خُلْعَةُ سَاقٍ حُبَّهُ جَزَعَا فَقَرَّ وَصَبْرُهُمَا ثَوْبَانِ تَحْتَهُمَا قَلْبٌ يَرَى إِلْفَهَ الْأَعْيَادَ وَالْجُمَعَا الدَّهْرُ لِي مَأْتَمٌ إِنْ غِبْتَ يَا أَمَلِي وَالْعِيدُ مَا كُنْتَ لِي مَرْأًى وَمُسْتَمَعَا أَحْرَى الْمَلَابِسِ مَا تَلْقَى الْحَبِيبَ بِهِ يَوْمَ التَّزَاوُرِ فِي الثَّوْبِ الَّذِي خَلَعَا
سَمِعْتُ مَنْصُورَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : دَخَلَ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ شَفِيعٍ عَلَيْهِ عَائِدًا فِي دَارِ الْمَرْضَى قَالَ : فَسَمِعْتُ صِيَاحَهُ ، يَقُولُ : صَحَّ عِنْدَ النَّاسِ أَنِّي عَاشِقٌ غَيْرَ أَنْ لَمْ يَعْلَمُوا عِشْقِي لِمَنْ
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيَّ ، يَقُولُ : وَقَفْتُ يَوْمًا عَلَى حَلْقَةِ أَبِي بَكْرٍ الشِّبْلِيِّ فَوَقَفَ سَائِلٌ عَلَى حَلْقَتِهِ وَجَعَلَ يَقُولُ : يَا اللَّهُ ، يَا جَوَادُ ، فَتَأَوَّهَ الشِّبْلِيُّ وَصَاحَ وَقَالَ : كَيْفَ يُمْكِنُنِي أَنْ أَصِفَ الْمُحِقَّ بِالْجُوْدِ وَمَخْلُوقٌ يَقُولُ فِي شَكْلِهِ : تَعَوَّدَ بَسْطَ الْكَفِّ حَتَّى لَوَ انَّهُ ثَنَاهَا لِقَبْضٍ لَمْ تُجِبْهُ أَنَامِلُهُ تَرَاهُ إِذَا مَا جِئْتَهُ مُتَهَلِّلًا كَأَنَّكَ تُعْطِيهِ الَّذِي أَنْتَ آمِلُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي كَفِّهِ غَيْرُ رُوحِهِ لَجَادَ بِهَا فَلْيَتَّقِ اللَّهَ سَائِلُهُ هُوَ الْبَحْرُ مِنْ أَيِّ النَّوَاحِي أَتَيْتَهُ فَلُجَّتُهُ الْمَعْرُوفُ وَالْجُودُ سَاحِلُهُ ثُمَّ بَكَى وَقَالَ : بَلَى ، يَا جَوَادُ ، فَإِنَّكَ أَوَجَدْتَ تِلْكَ الْجَوَارِحَ وَبَسَطْتَ تِلْكَ الْهُمُومَ ثُمَّ مَنَنْتَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَقْوَامٍ بِالِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُمْ وَعَمَّا فِي أَيْدِيهِمْ بِكَ فَإِنَّكَ الْجَوَادُ ، كُلَّ الْجَوَادِ فَإِنَّهُمْ يُعْطُونَ عَنْ مَحْدُودٍ وَعَطَاؤُكَ لَا حَدَّ لَهُ وَلَا صِفَةَ ، فَيَا جَوَادُ ، يَعْلُو كُلَّ جَوَادٍ وَبِهِ جَادَ مَنْ جَادَ
سَمِعْتُ مَنْصُورَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مَنْصُورِ بْنِ نَصْرٍ ، يَقُولُ : جَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ الشِّبْلِيُّ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ مُجَاهِدٍ وَكَانَ فِي مَسْجِدِهِ غَائِبًا فَسَأَلَ عَنْهُ فَقِيلَ لَهُ : هُوَ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى فَقَصَدَ دَارَ عَلِيٍّ فَاسْتَأْذَنَ فَقِيلَ أَبُو بَكْرٍ الشِّبْلِيُّ يَسْتَأْذِنُكَ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ لِعَلِيِّ بْنِ عِيسَى : الْيَوْمَ أُرِيكَ مِنَ الشِّبْلِيِّ عَجَبًا ، فَلَمَّا دَخَلَ وَقَعَدَ قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ : يَا أَبَا بَكْرٍ ، أُخْبِرْتُ أَنَّكَ تَحْرِقُ الثِّيَابَ وَالْخُبْزَ وَالْأَطْعِمَةَ وَمَا يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ مِنْ مَنَافِعِهِمْ وَمَصَالِحِهِمْ ، أَيْنَ هَذَا مِنَ الْعِلْمِ وَالشَّرْعِ ؟ فَقَالَ لَهُ : قَوْلُ اللهِ : {{ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ }} ، أَيْنَ هَذَا مِنَ الْعِلْمِ ؟ فَسَكَتَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ وَقَالَ لِعَلِيٍّ : كَأَنِّي لَمْ أَقْرَأْهَا قَطُّ وَبَلَغَنِي عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُمْ عَاتَبُوهُ فِي مِثْلِهِ فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ : {{ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ }} ، وَتَلَا : {{ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ }} ، هَذِهِ الْأَطْعِمَةُ وَهَذِهِ الشَّهَوَاتُ حَقِيقَةُ الْخَلْقِ وَمَعْبُودُهُمُ أَبْرَأ مِنْهُمْ وَأُحَرِّقُهُ
سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ مِقْسَمٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الشِّبْلِيَّ ، يَقُولُ : نَظَرْتُ فِي ذُلِّ كُلِّ ذِي ذُلٍّ فَزَادَ ذُلِّي عَلَيْهِمْ وَنَظَرْتُ فِي عِزِّ كُلِّ ذِي عِزٍّ فَزَادَ عِزِّي عَلَيْهِمْ فَإِذَا عِزُّهُمْ ذُلٌّ فِي عِزِّي وَتَلَا فِي أَثَرِهِ {{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا }} ، وَكَانَ يَقُولُ : مَنِ اعْتِزَّ بِذِي الْعِزِّ فَذُو الْعِزِّ لَهُ عِزٌّ ، وَقَالَ : أَظَلَّتْ عَلَيْنَا مِنْكَ يَوْمًا غَمَامَةٌ أَضَاءَ لَهَا بَرْقٌ وَأَبْطَأَ رَشَاشُهَا فَلَا غَيْمُهَا يَجْلُو فَيَيَأَسُ طَامِعٌ وَلَا غَيْثَهَا يَأْتِي فَيَرْوَى عِطَاشُهَا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا أَبَا بَكْرٍ ، أَخْبِرْنِي عَنْ تَوْحِيدٍ مَجُرَّدٍ بِلِسَانِ حَقٍّ مُفْرَدٍ ، فَقَالَ : وَيْحَكَ مَنْ أَجَابَ عَنِ التَّوْحِيدِ بِالْعِبَارَةِ فَهُوَ مُلْحِدٌ وَمَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ فَهُوَ ثَنَوِيٌّ وَمَنْ أَوْمَأَ إِلَيْهِ فَهُوَ عَابِدُ وَثَنٍ وَمَنْ نَطَقَ فِيهِ فَهُوَ غَافِلٌ وَمَنْ سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ جَاهِلٌ وَمَنْ أُرِيَ أَنَّهُ عَتِيدٌ فَهُوَ بَعِيدٌ وَمَنْ تَوَاجَدَ فَهُوَ فَاقِدٌ ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ مَقَامِ التَّوْبَةِ فَقَالَ لَهُ : يَطْرُقُ سَمْعِي مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَا يَحْدُونِي عَلَى تَرْكِ الْأَشْيَاءِ وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الدُّنْيَا ، ثُمَّ أُرَدُّ إِلَى نَفْسِي وَإِلَى أَحْوَالِي وَإِلَى النَّاسِ ثُمَّ لَا أَبْقَى عَلَى هَذَا ، وَلَا عَلَى هَذَا وَأَرْجِعُ إِلَى الْوَطَنِ الْأَوَّلِ مِمَّا كُنْتُ عَلَيْهِ مِنْ سَمَاعيِ الْقُرْآنَ ، فَقَالَ لَهُ : يَقُولُ اللَّهُ : مَا طَرَقَ سَمْعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ فَاجْتَذَبَكَ بِهِ إِلَيَّ فَهُوَ عَطْفٌ مِنِّي عَلَيْكَ وَلُطْفٌ مِنِّي بِكَ وَمَا أَرُدُّكَ بِهِ إِلَى نَفْسِكَ فَهُوَ شَفَقَةٌ مِنِّي لَكَ لِأَنَّكَ لَمْ يَصِحَّ لَكَ التَّبَرُّؤُ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ فِي التَّوَجُّهِ إِلَيَّ وَسُئِلَ عَنْ حَقِيقَةِ الذِّكْرِ فَقَالَ : نِسْيَانُ الْقُوَى ، وَسُئِلَ عَنِ التَّوَكُّلِ ، فَقَالَ : أَنْ يَحْمِلَكَ فِيمَا حَمَلَكَ وَسُئِلَ عَنِ الْخَوْفِ ، فَقَالَ : أَنْ تَخَافَ أَنْ يُسْلِمَكَ ، إِلَيْكَ وَسُئِلَ عَنِ الرَّجَاءِ ، فَقَالَ : أَنْ تَرْجُو أَنْ لَا يَقْطَعَ بِكَ دُونَهُ وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ سَيْفِي فَقَالَ : سَيْفُهُ اللَّهُ فَأَمَّا ، ذُو الْفَقَارِ فَهُوَ قِطْعَةُ حَدِيدٍ
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ الْخَشَّابَ يَقُولُ : سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِ الشِّبْلِيِّ يَقُولُ : رَأَيْتُ الشِّبْلِيَّ فِي الْمَنَامِ فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَبَا بَكْرٍ ، مَنْ أَسْعَدُ أَصْحَابِكَ بِصُحْبَتِكَ ؟ فَقَالَ : أَعْظَمُهُمْ لِحُرُمَاتِ اللَّهِ وَأَلْهَجُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ، وَأَقْوَمُهُمْ بِحَقِّ اللَّهِ وَأَسْرَعُهُمْ مُبَادَرَةً فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ ، وَأَعْرَفُهُمْ بِنُقْصَانِهِ وَأَكْثَرُهُمْ تَعْظِيمًا لِمَا عَظَّمَ اللَّهُ مِنْ حُرْمَةِ عِبَادِهِ قَالَ الشَّيْخُ : ذِكْرُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَعْلَامِ الْعَارِفِينَ أَدْرَكْنَا أَيَّامَهُمُ انْتَشَرَتْ فِي الْعَالَمِ أَحْوَالُهُمْ لِاعْتِصَامِهِمْ بِالشَّرْعِ الْمَتِينِ فَكَانُوا بِهِ عَالِمِينَ وَعَامِلِينَ وَبِمَعَانِي الْأَحْوَالِ عَارِفِينَ قَائِمِينَ وَبِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ مُتَمَسِّكِينَ آخِذِينَ ، ذَكَرْتُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نُبَذًا مِمَّا نُقِلَ إِلَيْنَا مِنْ أَقْوَالِهِمُ الْحَمِيدَةِ وَأَحْوَالِهِمُ الشَّدِيدَةِ