حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ السِّنْدِيِّ ، قَالَ : ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلُّوَيْهِ ، قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى ، قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ كَعْبٍ ، قَالَ : أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى أَشْعِيَاءَ : أَنْ قُمْ فِي قَوْمِكَ أَوْحِي عَلَى لِسَانِكَ ، فَقَامَ أَشْعِيَاءُ خَطِيبًا , فَلَمَّا أَطْلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِسَانَهُ بِالْوَحْيِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَسَبَّحَهُ ، وَقَدَّسَهُ ، وَهَلَّلَهُ ، ثُمَّ قَالَ : يَا سَمَّاءُ اسْمَعِي ، وَيَا أَرْضُ أَنْصِتِي ، وَيَا جِبَالُ أَوِّبِي ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُرِيدُ أَنْ يَفُضَّ شَأْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ رَبَّاهُمْ بِنِعْمَتِهِ ، وَاصْطَفَاهُمْ لِنَفْسِهِ ، وَخَصَّهُمْ بِكَرَامَتِهِ ، فَذَكَرَ مُعَاتَبَةَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ ، ثُمَّ قَالَ : وَزَعَمُوا إِنْ شَاءُوا أَنْ يَطَّلِعُوا عَلَى الْغَيْبِ لِمَا تُوحِي إِلَيْهِمُ الشَّيَاطِينُ وَالْكَهَنَةُ اطَّلَعُوا ، وَكُلُّهُمْ مُسْتَخِفٌّ بِالَّذِي يَقُولُ وَيَسُرُّهُ ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَأَعْلَمُ مَا يُبْدُونَ وَمَا يَكْتُمُونَ ، وَإِنِّي قَدْ قَضَيْتُ يَوْمَ خَلَقْتُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَضَاءً أَثْبَتُّهُ ، وَحَتْمًا حَتَّمْتُهُ عَلَى نَفْسِي ، وَجَعَلْتُ دُونَهُ أَجَلًا مُؤَجَّلًا ، لَا بُدَّ أَنَّهُ وَاقِعٌ ، فَإِنْ صَدَقُوا بِمَا يَنْتَحِلُونَ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ فَيُخْبِرُونَكَ مَتَى هَذِهِ الْعِدَّةُ ، وَفِي أَيِّ زَمَانٍ تَكُونُ ، وَإِنْ كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ مَا يَشَاءُونَ فَلْيَأْتُوا بِمِثْلِ هَذِهِ الْقُدْرَةِ الَّتِي بِهَا أَمْضَيْتُهُ ، فَإِنْ كَانُوا يَقْدِرُونَ أَنْ يُؤَلِّفُوا مَا يَشَاءُونَ فَلْيُؤَلِّفُوا مِثْلَ هَذِهِ الْحِكْمَةِ الَّتِي بِهَا أُدَبِّرُ ، أَوْ مِثْلَ ذَلِكَ الْقَضَاءِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ، وَإِنِّي قَضَيْتُ يَوْمَ خَلَقْتُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ أَجْعَلَ النُّبُوَّةَ فِي غَيْرِهِمْ ، وَأَنْ أُحَوِّلَ الْمُلْكَ عَنْهُمْ وَأَجْعَلَهُ فِي الرُّعَاءِ ، وَالْعِزَّ فِي الْأَذِلَّاءِ ، وَالْقُوَّةَ فِي الضُّعَفَاءِ ، وَالْغِنَى فِي الْفُقَرَاءِ ، وَالْكَثْرَةَ فِي الْأَقِلَّاءِ ، وَالْمَدَائِنَ فِي الْفَلَوَاتِ ، وَالْآجَامَ وَالْمَفَاوِزَ فِي الْغِيطَانِ ، وَالْعِلْمَ فِي الْجَهَلَةِ ، وَالْحِكْمَةَ فِي الْأُمِّيِّينَ ، فَسَلْهُمْ مَتَى هَذَا ؟ وَمَنِ الْقَائِمُ بِهَذَا ؟ وَعَلَى يَدَيْ مَنْ أُثْبِتُهُ ، وَمَنْ أَعْوَانُ هَذَا الْأَمْرِ وَأَنْصَارُهُ إِنْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ ، قَالَ : ثنا عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ إِدْرِيسَ ، عَنْ أَبِيهِ إِدْرِيسَ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ جَدِّهِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ بِمِثْلِهِ ، وَقَالَ : وَالْآجَامَ فِي الصَّحَارِي ، وَالْبَرَارِيَّ فِي الْمَفَاوِزِ وَالْغِيطَانِ ، وَزَادَ : فَإِنِّي مُبْتَعِثٌ لِذَلِكَ نَبِيًّا أُمِّيًّا ، لَيْسَ أَعْمَى مِنْ عُمْيَانٍ ، وَلَا ضَالًّا مِنَ الضَّالِّينَ ، أَفْتَحُ بِهِ آذَانًا صُمًّا ، وَقُلُوبًا غُلْفًا ، وَأَعْيُنًا عُمْيًا ، مَوْلِدُهُ مَكَّةَ ، وَمُهَاجَرُهُ بِطِيْبَةَ ، وَمُلْكُهُ بِالشَّامِ ، عَبْدِي الْمُتَوَكِّلُ الْمُصْطَفَى الْمَرْفُوعُ الْحَبِيبُ الْمُتَحَبَّبُ الْمُخْتَارُ ، لَا يَجْزِي السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ وَيَغْفِرُ ، رَحِيمًا بِالْمُؤْمِنِينَ ، يَبْكِي لِلْبَهِيمَةِ الْمُثْقَلَةِ ، وَيَبْكِي لِلْيَتِيمِ فِي حِجْرِ الْأَرْمَلَةِ ، لَيْسَ بِفَظٍّ ، وَلَا غَلِيظٍ ، وَلَا صَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ ، وَلَا مُتَزَيِّءٍ بِالْفُحْشِ ، وَلَا قَوَّالٍ بِالْخَنَا ، أُسَدِّدُهُ بِكُلِّ جَمِيلٍ ، وَأَهَبُ لَهُ كُلَّ خُلُقٍ كَرِيمٍ ، أَجْعَلُ السَّكِينَةَ لِبَاسَهُ ، وَالْبِرَّ شِعَارَهُ ، وَالتَّقْوَى ضَمِيرَهُ ، وَالْحِكْمَةَ مَعْقُولَهُ ، وَالصِّدْقَ وَالْوَفَاءَ طَبِيعَتَهُ ، وَالْعَفْوَ وَالْمَغْفِرَةَ وَالْمَعْرُوفَ خُلُقَهُ ، وَالْعَدْلَ سِيرَتَهُ ، وَالْحَقَّ شَرِيعَتَهُ ، وَالْهُدَى إِمَامَهُ ، وَالْإِسْلَامَ مِلَّتَهُ ، وَأَحْمَدَ اسْمَهُ ، أَهْدِي بِهِ بَعْدَ الضَّلَالَةِ ، وَأُعَلِّمُ بِهِ بَعْدَ الْجَهَالَةِ ، وَأَرْفَعُ بِهِ الْخَمَالَةِ ، وَأُسَمِّي بِهِ بَعْدَ النُّكْرَةِ ، وَأُكْثِرُ بِهِ بَعْدَ الْقِلَّةِ ، وَأُغْنِي بِهِ بَعْدَ الْعَيْلَةِ ، وَأَجْمَعُ بِهِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ ، وَأُؤَلِّفُ بِهِ بَيْنَ قُلُوبٍ وَأَهْوَاءٍ مُشَتَّتَةٍ ، وَأُمَمٍ مُخْتَلِفَةٍ ، وَأَجْعَلُ أُمَّتَهُ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ أَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ ، وَنَهْيًا عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَتَوْحِيدًا بِي ، وَإِيمَانًا بِي ، وَإِخْلَاصًا لِي ، وَتَصْدِيقًا لِمَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلِي ، وَهُمْ رُعَاةُ الشَّمْسِ ، طُوبَى لِتِلْكَ الْقُلُوبِ وَالْوُجُوهِ وَالْأَرْوَاحِ الَّتِي أَخْلَصَتْ لِي ، أَلْهَمْتُهُمُ التَّسْبِيحَ وَالتَّكْبِيرَ وَالتَّحْمِيدَ وَالتَّوْحِيدَ فِي مَسَاجِدِهِمْ وَمَجَالِسِهِمْ ، وَمَضَاجِعِهِمْ وَمُنْقَلَبِهِمْ ، وَمَثْوَاهُمْ ، وَيُصَفُّونَ فِي مَسَاجِدِهِمْ كَمَا تُصَفُّ الْمَلَائِكَةُ حَوْلَ عَرْشِي ، هُمْ أَوْلِيَائِي ، وَأَنْصَارِي أَنْتَقِمُ بِهِمْ مِنْ أَعْدَائِي عَبْدَةِ الْأَوْثَانِ ، يُصَلُّونَ لِي قِيَامًا ، وَقُعُودًا وَرُكُوعًا وَسُجُودًا ، وَيَخْرُجُونَ مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي أُلُوفًا ، وَيُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِي صُفُوفًا وَزُحُوفًا ، أَخْتِمُ بِكِتَابِهِمُ الْكُتُبَ ، وَبِشَرِيعَتِهِمُ الشَّرَائِعَ ، وَبِدِينِهِمُ الْأَدْيَانَ ، فَمَنْ أَدْرَكَهُمْ فَلَمْ يُؤْمِنْ بِكِتَابِهِمْ وَيَدْخُلْ فِي دِينِهِمْ وَشَرِيعَتِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي ، وَهُوَ مِنِّي بَرِيءٌ ، وَأَجْعَلُهُمْ أَفْضَلَ الْأُمَمِ ، وَأَجْعَلُهُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِيَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ، إِذَا غَضِبُوا هَلَّلُونِي ، وَإِذَا قُبِضُوا كَبَّرُونِي ، وَإِذَا تَنَازَعُوا سَبَّحُونِي ، يُطَهِّرُونَ الْوُجُوهَ وَالْأَطْرَافَ ، وَيَشُدُّونَ الثِّيَابَ إِلَى الْأَنْصَافِ ، وَيُكَبِّرُونَ وَيُهَلِّلُونَ عَلَى التِّلَالِ ، وَالْأَشْرَافِ ، قُرْبَانُهُمْ دِمَاؤُهُمْ ، وَأَنَاجِيلُهُمْ صُدُورُهُمْ ، رُهْبَانًا بِاللَّيْلِ لُيُوثًا بِالنَّهَارِ ، يُنَادِي مُنَادِيهِمْ فِي جَوِّ السَّمَاءِ ، لَهُمْ دَوِيُّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ ، طُوبَى لِمَنْ كَانَ مِنْهُمْ ، وَعَلَى دِينِهِمْ ، وَمَنَاهِجِهِمْ ، وَشَرِيعَتِهِمْ ، ذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ ، وَأَنَا ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، قَالَ : ثنا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ ، قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : ثنا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ ، وثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، قَالَ : ثنا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ ، قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ ، قَالَ : ثنا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَا : عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : ثنا صَالِحُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ لَبِيدٍ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ سَلَامَةَ ، قَالَ : كَانَ لَنَا جَارٌ يَهُودِيُّ فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ قَالَ : فَخَرَجَ عَلَيْنَا يَوْمًا مِنْ بَيْتِهِ ، وَذَلِكَ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِيَسِيرٍ ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى مَجْلِسِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ - قَالَ سَلَمَةُ : وَأَنَا يَوْمَئِذٍ أَحْدَثُ مَنْ فِيهِ سِنًّا ، عَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي ، مُضْطَجِعٌ فِيهَا بِفِنَاءِ أَهْلِي - فَذَكَرَ الْبَعْثَ وَالْقِيَامَةَ ، وَالْحِسَابَ ، وَالْمِيزَانَ ، وَالْجَنَّةَ ، وَالنَّارَ ، قَالَ : ذَلِكَ لِقَوْمٍ أَهْلِ شِرْكٍ أَصْحَابِ أَوْثَانٍ ، لَا يَرَوْنَ أَنَّ بَعْثًا كَائِنٌ بَعْدَ الْمَوْتِ ، فَقَالُوا : وَيْحَكَ ، وَتَكُونُ دَارٌ فِيهَا جَنَّةٌ ، وَنَارٌ ، يُجْزَوْنَ فِيهَا بِأَعْمَالِهِمْ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَالَّذِي أَحْلِفُ بِهِ ، وَلَوَدَّ أَنَّ حَظَّهُ مِنْ تِلْكَ النَّارِ أَعْظَمُ مِنَ التَّنُّورِ فِي هَذِهِ الدَّارِ ، يُحْمُونَهُ ، ثُمَّ يُدْخِلُونَهُ إِيَّاهُ ، فَيُطْبِقُونَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يَنْجُو مِنْ تِلْكَ النَّارِ غَدًا ، قَالُوا : وَيْحَكَ ، وَمَا آيَةُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : نَبِيٌّ يُبْعَثُ مِنْ هَذِهِ الْبِلَادِ . وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ مَكَّةَ ، وَالْيَمَنِ ، قَالُوا : فَمَتَى نَرَاهُ ؟ فَرَمَى بِطَرْفِهِ ، فَرَآنِي مُضْطَجِعًا بِفِنَاءِ بَابِ أَهْلِي ، وَأَنَا أَحْدَثُ الْقَوْمِ سِنًّا ، فَقَالَ : إِنْ يَسْتَنْفِدْ هَذَا الْغُلَامُ عُمْرَهُ يُدْرِكْهُ . قَالَ سَلَمَةُ : فَوَاللَّهِ مَا ذَهَبَ اللَّيْلُ ، وَالنَّهَارُ ، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ ، وَهُوَ حَيُّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا ، فَآمَنَّا بِهِ ، وَكَفَرَ بِهِ بَغْيًا ، وَحَسَدًا ، فَقُلْنَا لَهُ : وَيْلَكَ يَا فُلَانُ ، أَلَسْتَ الَّذِي قُلْتَ لَنَا مَا قُلْتَ : قَالَ : بَلَى ، وَلَكِنْ لَيْسَ بِهِ ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ يُوشَعُ .
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ، قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ ، قَالَ : ثنا الْفَضْلُ بْنُ غَانِمٍ ، قَالَ : ثنا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ ، قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْ شِئْتُ مِنْ رِجَالِ قَوْمِي ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ ، أَنَّهُ قَالَ : وَاللَّهِ إِنِّي لَغُلَامٌ يَفَعَةٌ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ ، أَوْ سَبْعٍ ، أَعْقِلُ مَا سَمِعْتُ ، إِذْ سَمِعْتُ يَهُودِيًّا يَصْرُخُ عَلَى أُطُمِهِ يَثْرِبَ : يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ ، حَتَّى اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ ، فَقَالُوا لَهُ : وَيْلَكَ مَا لَكَ ؟ قَالَ : طَلَعَ اللَّيْلَةَ نَجْمُ أَحْمَدَ الَّذِي وُلِدَ بِهِ
وَذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْسِيِّ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمِّ الْحَكَمِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَارَيَةَ سَمِعْتُ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِيَسِيرٍ ، شَهْرٍ ، أَوْ نَحْوِهِ : وَاللَّهِ إِنِّي لَفِي مَنْزِلِي ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ ، وَأَنَا أَحْفَظُ مَا أَرَى ، وَأَعِي مَا أَسْمَعُ ، وَأَنَا مَعَ أَبِي إِذَا دَخَلَ عَلَيْنَا فَتًى مِنَّا يُقَالُ لَهُ : ثَابِتُ بْنُ الضَّحَّاكِ ، وَهُوَ يَوْمُ نَجْوَى ، فَتَحَدَّثَ ، فَقَالَ : زَعَمَ يَهُودِيُّ مِنْ يَهُودِ قُرَيْظَةَ السَّاعَةَ ، وَهُوَ يُلَاحِينِي قَدْ أَظَلَّ خُرُوجُ نَبِيٍّ يَأْتِي بِكِتَابٍ مِثْلِ كِتَابِنَا ، يَقْتُلُكُمْ قَتْلَ عَادٍ . قَالَ حَسَّانُ : فَوَاللَّهِ إِنِّي لَعَلَى فَارِعٍ - يَعْنِي أُطُمَ - حِسَانٍ فِي السَّحَرِ ، إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مَا أَسْمَعُ صَوْتًا قَطُّ أَنْفَذَ مِنْهُ ، فَإِذَا يَهُودِيُّ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ ، مَعَهُ شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسٌ ، فَقَالُوا : مَا لَكَ وَيْلَكَ ؟ قَالَ حَسَّانُ : فَأَسْمَعُهُ يَقُولُ : هَذَا كَوْكَبُ أَحْمَدَ قَدْ طَلَعَ . هَذَا كَوْكَبٌ لَا يَطْلُعُ إِلَّا بِالنُّبُوَّةِ ، وَلَمْ يَبْقَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا أَحْمَدُ . قَالَ : فَجَعَلَ النَّاسُ يَضْحَكُونَ مِنْهُ ، وَيَعْجَبُونَ لِمَا يَأْتِي مِنْهُ . فَكَانَ حَسَّانُ عَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً ، سِتِّينَ سَنَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَسِتِّينَ سَنَةً فِي الْإِسْلَامِ
أَخْبَرَنَا بِذَلِكُ أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ قَالَ : ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ ، قَالَ : ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ ، قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ ، بِهِ ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ : فَحَدَّثَنِي أَبُو سَبْرَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ ، قَالَ : لَمَّا صَاحَ الْيَهُودِيُّ مِنْ فَوْقِ الْأُطُمِ : هَذَا كَوْكَبُ أَحْمَدَ قَدْ طَلَعَ ، وَهُوَ لَا يَطْلُعُ إِلَّا بِالنُّبُوَّةِ ، قَالَ : وَكَانَ أَبُو قَيْسٍ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِيِّ قَدْ تَرَهَّبَ ، وَلَبِسَ الْمُسُوحَ ، فَقَالَ : يَا أَبَا قَيْسٍ ، انْظُرْ مَا يَقُولُ هَذَا الْيَهُودِيُّ ، قَالَ : انْتِظَارِي النَّبِيَّ صَنَعَ بِي هَذَا ، فَأَنَا أَنْتَظِرُهُ حَتَّى أُصَدِّقَهُ ، وَأَتَّبِعَهُ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ : وَقَدْ كَانَ صَدَّقَ النَّبِيَّ وَهُوَ بِمَكَّةَ ، وَلَمْ يَخْرُجْ ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْمَدِينَةَ قَالَ الْوَاقِدِيُّ : فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ زُهَيْرٍ الْكَعْبِيُّ ، عَنْ فُطَيْرٍ الْحِرَّاثِيِّ ، عَنْ حِزَامِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ مُحَيِّصَةَ ، عَنْ حُوَيِّصَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : كُنَّا وَيَهُودُ فِينَا كَانُوا يَذْكُرُونَ نَبِيًّا يُبْعَثُ بِمَكَّةَ اسْمُهُ أَحْمَدُ ، وَلَمْ يَبْقَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ غَيْرُهُ ، وَهُوَ فِي كُتُبِنَا ، وَمَا أَخَذَ عَلَيْنَا مِنْهُ ، وَصِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا ، حَتَّى يَأْتُوا عَلَى نَعْتِهِ قَالَ : وَأَنَا غُلَامٌ وَمَا أَرَى أَحْفَظُ ، وَمَا أَسْمَعُ أَعِي ، إِذْ سَمِعْتُ صِيَاحًا مِنْ نَاحِيَةِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، فَأَرَى قَوْمًا فَزِعُوا وَخَافُوا أَنْ يَكُونَ أَمْرٌ حَدَثَ ، ثُمَّ خَفِيَ الصَّوْتُ ، ثُمَّ عَادَ ، فَصَاحَ ، فَفَهِمْنَا صِيَاحَهُ : يَا أَهْلَ يَثْرِبَ ، هَذَا كَوْكَبُ أَحْمَدَ الَّذِي وُلِدَ بِهِ . قَالَ : فَجَعَلْنَا نَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ ، ثُمَّ أَقَمْنَا دَهْرًا طَوِيلًا ، وَنَسِينَا ذَلِكَ ، فَهَلَكَ قَوْمٌ ، وَحَدَّثَ آخَرُونَ ، وَصِرْتُ رَجُلًا كَبِيرًا ، فَإِذَا مِثْلُ ذَلِكَ الصَّيَّاحِ : يَا أَهْلَ يَثْرِبَ ، قَدْ خَرَجَ أَحْمَدُ وَتَنَبَّأَ ، وَجَاءَهُ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ سَمِعْتَ أَنَّ بِمَكَّةَ رَجُلًا خَرَجَ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ ، وَخَرَجَ مَنْ خَرَجَ مِنْ قَوْمِنَا ، وَتَأَخَّرَ مَنْ تَأَخَّرَ ، وَأَسْلَمَ فِتْيَانٌ مِنَّا أَحْدَاثٌ ، وَلَمْ يُقْضَ لِي أَنْ أُسْلِمَ ، حَتَّى قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْمَدِينَةَ .
حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ ، قَالَ : ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ ، قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، قَالَ : حُدِّثْتُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ ، أَنَّهَا قَالَتْ : كُنْتُ أَحَبَّ وَلَدِ أَبِي إِلَيْهِ ، وَإِلَى عَمِّي أَبِي يَاسِرٍ ، لَمْ أَلْقَهُمَا قَطُّ مَعَ وَلَدٍ لَهُمَا ، إِلَّا أَخَذَانِي دُونَهُ ، قَالَتْ : فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْمَدِينَةَ ، وَنَزَلَ فِنَاءَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ غَدَا عَلَيْهِ أَبِي حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ ، وَعَمِّي أَبُو يَاسِرِ بْنُ أَخْطَبَ مُغَلِّسَيْنِ ، قَالَتْ : فَلَمْ يَرْجِعَا ، حَتَّى كَانَ مَعَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ، قَالَتْ : فَأَتَيَا كَالَّيْنِ ، كَسْلَانَيْنِ ، سَاقِطَيْنِ ، يَمْشِيَانِ الْهُوَيْنَا ، قَالَتْ : فَهَشَشْتُ إِلَيْهِمَا ، كَمَا كُنْتُ أَصْنَعُ ، فَوَاللَّهِ مَا الْتَفَتَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَعَ مَا بِهِمَا مِنَ الْهَمِّ ، قَالَتْ : فَسَمِعْتُ عَمِّي أَبَا يَاسِرٍ وَهُوَ يَقُولُ لِأَبِي حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ : أَهُوَ هُوَ ؟ قَالَ : نَعَمْ وَاللَّهِ ، قَالَ : أَتَعْرِفُهُ وَتُثْبِتُهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَمَا فِي نَفْسِكَ مِنْهُ ؟ قَالَ : عَدَاوَتُهُ وَاللَّهِ مَا بَقِيتُ أَبَدًا .
حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ ، قَالَ : ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ ، قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ مُخَيْرِيقٍ ، وَكَانَ حَبْرًا عَالِمًا ، وَكَانَ رَجُلًا غَنِيًّا ، كَثِيرَ الْأَمْوَالِ مِنَ النَّخْلِ ، وَكَانَ يَعْرِفُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِصِفَتِهِ ، وَبِمَا يَجِدُ فِي عِلْمِهِ ، وَغَلَبَ عَلَيْهِ إِلْفُ دِينِهِ ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَاكَ ، حَتَّى إِذْ كَانَ يَوْمُ أُحِدٍ ، وَكَانَ يَوْمَ السَّبْتِ ، قَالَ : يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ ، وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّ نَصْرَ مُحَمَّدٍ عَلَيْكُمْ لَحَقٌّ ، قَالُوا : إِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ السَّبْتِ ، قَالَ : لَا سَبْتَ بَعْدَ الْيَوْمِ . ثُمَّ أَخَذَ سِلَاحَهُ ، وَخَرَجَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ بِأُحِدٍ ، وَعَهِدَ إِلَى مَنْ وَرَاءَهُ مِنْ قَوْمِهِ : إِنْ قُتِلْتُ هَذَا الْيَوْمَ فَمَالِي لِمُحَمَّدٍ ، يَصْنَعُ فِيهِ مَا أَرَاهُ اللَّهُ . فَلَمَّا اقْتَتَلَ النَّاسُ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنِي يَقُولُ : مُخَيْرِيقٌ خَيْرُ يَهُودَ . وَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَمْوَالَهُ ، فَعَامَّةُ صَدَقَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ السِّنْدِيِّ ، قَالَ : ثنا النَّضْرُ بْنُ سَلَمَةَ ، قَالَ : ثنا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَتَادَةَ ، عَنْ نَمْلَةَ بْنِ أَبِي نَمْلَةَ ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي نَمْلَةَ ، قَالَ : كَانَتْ يَهُودُ بَنِي قُرَيْظَةَ يَدْرُسُونَ ذِكْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي كُتُبِهِمْ ، وَيُعَلِّمُونَ الْوِلْدَانَ بِصِفَتِهِ ، وَاسْمِهِ ، وَمُهَاجَرِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَلَمَّا ظَهَرَ حَسَدُوا ، وَبَغُوا ، وَأَنْكَرُوا
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ السِّنْدِيِّ ، قَالَ : ثنا النَّضْرُ بْنُ سَلَمَةَ ، قَالَ : ثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ سَعِيدٍ الْمُسَاحِقِيُّ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَامِرِيِّ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ ، وَرُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي مَالِكَ بْنَ سِنَانٍ ، يَقُولُ : جِئْتُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَوْمًا ، لِأَتَحَدَّثَ فِيهِمْ ، وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ فِي هُدْنَةٍ مِنَ الْحَرْبِ ، فَسَمِعْتُ يُوشَعَ الْيَهُودِيَّ يَقُولُ : أَظَلَّ خُرُوجُ نَبِيٍّ ، يُقَالُ لَهُ أَحْمَدُ يَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ ، فَقَالَ لَهُ خَلِيفَةُ بْنُ ثَعْلَبَةَ الْأَشْهَلِيُّ كَالْمُسْتَهْزِئِ بِهِ : مَا صِفَتُهُ ؟ قَالَ : رَجُلٌ لَيْسَ بِقَصِيرٍ ، وَلَا بِالطَّوِيلِ ، فِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ ، يَلْبَسُ الشَّمْلَةَ ، وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ ، سَيْفُهُ عَلَى عَاتِقِهِ ، وَهَذَا الْبَلَدُ مُهَاجَرُهُ . قَالَ : فَخَرَجْتُ إلَى قَوْمِي بَنِي خُدْرَةَ ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ أَتَعَجَّبُ مِمَّا قَالَ ، فَأَسْمَعُ رَجُلًا يَقُولُ : وَيُوشَعُ يَقُولُ هَذَا وَحْدَهُ ، كُلُّ يَهُودِ يَثْرِبَ تَقُولُ هَذَا ؟ قَالَ أَبِي مَالِكُ بْنُ سِنَانٍ : فَخَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَأَجِدُ جَمْعًا ، فَتَذَاكَرُوا النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَاطَا : قَدْ طَلَعَ الْكَوْكَبُ الْأَحْمَرُ الَّذِي لَمْ يَطْلُعْ إِلَّا بِخُرُوجِ نَبِيٍّ وَظُهُورِهِ ، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلَّا أَحْمَدُ ، وَهَذِهِ مُهَاجَرُهُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَخْبَرَهُ أَبِي هَذَا الْخَبَرَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لَوْ أَسْلَمَ الزُّبَيْرُ وَذَوُوهُ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ كُلُّهُمْ لَهُ تَبَعٌ
حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ ، قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ ، قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، قَالَ : قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْمَدِينَةَ ، وَأَبُو عَامِرٍ عَبْدُ عَمْرِو بْنُ صَيْفِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدٍ كَانَ قَدْ تَرَهَّبَ وَلَبِسَ الْمُسُوحَ ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ : الرَّاهِبُ ، كَانَ قَدْ أَدْرَكَ وَسَمِعَ ، وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ : مَا كَانَ فِي الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ رَجُلٌ وَاحِدٌ أَوْصَفَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْهُ ، كَانَ يَأْلَفُ الْيَهُودَ ، وَيُسَائِلُهُمْ عَنِ الدِّينِ ، وَيُخْبِرُونَهُ بِصِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ ، فَسَأَلَ النَّصَارَى ، فَأَخْبَرُوهُ بِصِفَةِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَرَجَعَ أَبُو عَامِرٍ وَهُوَ يَقُولُ : أَنَا عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ الْحَنِيفِيِّ ، فَأَقَامَ مُتَرَهِّبًا ، وَزَعَمَ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ خُرُوجَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَلَمَّا ظَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِمَكَّةَ لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِ ، وَأَقَامَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، فَقَالَ : مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي جِئْتَ بِهِ ؟ قَالَ : جِئْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ دِينِ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : فَأَنَا عَلَيْهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : ، إِنَّكَ لَسْتَ عَلَيْهَا ، قَالَ : بَلَى , أَدْخَلْتَ يَا مُحَمَّدُ فِي الْحَنِيفِيَّةِ مَا لَيْسَ فِيهَا ، قَالَ : ، مَا فَعَلْتُ ، وَلَكِنِّي جِئْتُ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً ، قَالَ أَبُو عَامِرٍ ، الْكَاذِبُ - أَمَاتَهُ اللَّهُ طَرِيدًا ، غَرِيبًا ، وَحِيدًا - يُعَرِّضُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - : إِنَّكَ جِئْتَ كَذَلِكَ ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : ، أَجَلْ ، فَمَنْ كَذَبَ فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهِ ، فَكَانَ هُوَ عَدُوُّ اللَّهِ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ ، فَلَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَكَّةَ خَرَجَ إِلَى الطَّائِفِ ، فَلَمَّا أَسْلَمَ أَهْلُ الطَّائِفِ لَحِقَ بِالشَّامِ ، فَمَاتَ طَرِيدًا ، غَرِيبًا ، وَحِيدًا
حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ ، قَالَ : ثنا ابْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ ، قَالَ : ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ ، قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، عَنْ شَيْخٍ ، مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ قَالَ : هَلْ تَدْرِي مَا كَانَ عَلَامَةُ إِسْلَامِ ثَعْلَبَةَ بْنِ سُعْنَةَ ، وَأُسَيْدِ بْنِ سُعْنَةَ ، وَأَسَدِ بْنِ عُبَيْدٍ ؟ نَفَرٌ مِنْ بَنِي ذُهْلٍ ، لَيْسُوا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ ، وَلَا بَنِي نَضِيرٍ ، نَسَبُهُمْ مِنْ بَنِي ذُهْلٍ ، أَوْ ذُهَيْلٍ ، أَتَوْا بَنِي قُرَيْظَةَ كَانُوا مَعَهُمْ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ ، ثُمَّ كَانُوا سَادَتَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ ، قَالَ : قُلْتُ : لَا ، قَالَ : فَإِنَّ رَجُلًا مِنْ يَهُودِ أَهْلِ الشَّامِ يُقَالُ لَهُ : ابْنُ الْهَيَّبَانِ ، قَدِمَ عَلَيْنَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِسَنَوَاتٍ ، فَحَلَّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا ، وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا قَطُّ يُصَلِّي الْخَمْسَ أَفْضَلَ مِنْهُ ، فَأَقَامَ عِنْدَنَا ، فَكُنَّا إِذَا قَحَطَ الْمَطَرُ قُلْنَا لَهُ : يَا ابْنَ الْهَيَّبَانِ ، قُمْ ، فَاسْتَسْقِ لَنَا ، فَيَقُولُ : لَا ، وَاللَّهِ حَتَّى تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ مُخْرِجِكُمْ صَدَقَةً ، فَيَقُولُونَ : كَمْ ؟ فَيَقُولُ : صَاعًا تَمْرًا ، أَوْ مُدًّا مِنْ شَعِيرٍ عَنْ كُلِّ إِنْسَانٍ ، قَالَ : فَنُخْرِجُهَا ، فَيَخْرُجُ بِنَا إِلَى ظَاهَرِ حَرَّتِنَا ، فَيَسْتَسْقِي لَنَا ، فَوَاللَّهِ مَا يَبْرَحُ مِنْ مَجْلِسِهِ ، حَتَّى يَمُرَّ السَّحَابُ السَّرَاحُ سَائِلَةً ، وَنُسْقَى بِهِ ، فَفَعَلَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ ، وَلَا مَرَّتَيْنِ ، وَلَا ثَلَاثًا : ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ، فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ مَيِّتٌ قَالَ : يَا مَعْشَرَ يَهُودَ ، مَا تَرَوْنَهُ أَخْرَجَنِي مِنْ أَرْضِ الْخَمْرِ وَالْخَمِيرِ إِلَى أَرْضِ الْجُوعِ وَالْبُؤْسِ ؟ قَالَ : قُلْنَا : اللَّهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : فَإِنِّي قَدِمْتُ إِلَى هَذَا الْبَلَدِ لِتَوَكُّفِ خُرُوجِ نَبِيٍّ قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ ، هَذِهِ الْبَلْدَةُ مُهَاجَرُهُ ، فَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ يُبْعَثَ فَأَتَّبِعَهُ ، وَقَدْ أَظَلَّكُمْ زَمَانُهُ ، فَلَا يَسْبِقَنَّكُمْ إِلَيْهِ يَا مَعَاشِرَ الْيَهُودِ أَحَدٌ ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ بِسَفْكِ الدِّمَاءِ ، وَسَبْيِ الذَّرَارِي وَالنِّسَاءِ مِمَّنْ خَالَفَهُ ، فَلَا يَمْنَعْكُمْ ذَلِكَ مِنْهُ ، فَلَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَحَاصَرَ بَنِي قُرَيْظَةَ قَالَ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةُ ، وَكَانُوا شَبَابًا أَحْدَاثًا : يَا بَنِي قُرَيْظَةَ ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَلنَّبِيُّ الَّذِي عَهِدَ إِلَيْكُمُ ابْنُ الْهَيَّبَانِ ، فَقَالُوا : لَيْسَ بِهِ ، قَالُوا : بَلَى ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَهُوَ بِصِفَتِهِ ، وَنَزَلُوا وَأَسْلَمُوا ، فَأَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ ، وَأَمْوَالَهُمْ ، وَأَهْلِيهِمْ
حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ ، قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ ، قَالَ : ثنا أَحْمَدُ بْنُ أَيُّوبَ ، قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، أَنَّهُ قَالَ : بَلَغَنِي عَنْ عِكْرِمَةَ ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ يَهُودَ ، كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ ، فَلَمَّا بَعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْعَرَبِ كَفَرُوا بِهِ ، وَجَحَدُوا مَا كَانُوا يَقُولُونَ فِيهِ ، فَقَالَ لَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَبِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ أَخُو بَنِي سَلَمَةَ : يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ ، اتَّقُوا اللَّهَ ، وَأَسْلِمُوا ، وَقَدْ كُنْتُمْ تَسْتَفْتِحُونَ عَلَيْنَا بِمُحَمَّدٍ ، وَإِنَّا أَهْلُ الشِّرْكِ ، وَتُخْبِرُونَا بِأَنَّهُ مَبْعُوثٌ ، وَتَصِفُونَهُ لَنَا بِصِفَتِهِ ، فَقَالَ سَلَّامُ بْنُ مِشْكَمٍ : مَا هُوَ بِالَّذِي كُنَّا نَذْكُرُ لَكُمْ مَا جَاءَنَا بشَيْءٍ نَعْرِفُهُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ {{ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ }}
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ السِّنْدِيِّ بْنِ بَحْرٍ ، قَالَ : ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلُّوَيْهِ الْقَطَّانُ ، قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى ، قَالَ : ثنا إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ أَبُو حُذَيْفَةَ ، قَالَ : ثنا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ ، قَالَ : كَانَ سَبَبُ اسْتِنْقَاذِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ بَابِلَ رُؤْيَا بُخْتُنَصَّرَ ، فَإِنَّهُ رَأَى رُؤْيَا فَزِعَ مِنْهَا ، فَدَعَا كَهَنَتَهُ ، وَسَحَرَتَهُ ، فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا أَصَابَهُ مِنَ الْكَرْبِ فِي رُؤْيَاهُ ، وَسَأَلَهُمْ أَنْ يَعْبُرُوهَا لَهُ ؟ فَقَالُوا : قُصَّهَا عَلَيْنَا ، قَالَ : قَدْ نَسِيتُهَا ، فَأَخْبِرُونِي بِتَأْوِيلِهَا ، قَالُوا : فَإِنَّا لَا نَقْدِرُ أَنْ نُخْبِرَكَ بِتَأْوِيلِهَا حَتَّى تَقُصَّهَا . فَغَضِبَ ، وَقَالَ : اخْتَرْتُكُمْ ، وَاصْطَنَعْتُكُمْ لِمِثْلِ هَذَا ، اذْهَبُوا فَقَدْ أَجَّلْتُكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَإِنْ أَتَيْتُمُونِي بِتَأْوِيلِهَا ، وَإِلَّا قَتَلْتُكُمْ ، وَشَاعَ ذَلِكَ فِي النَّاسِ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ دَانْيَالَ ، وَهُوَ مَحْبُوسٌ ، فَقَالَ لِصَاحِبِ السِّجْنِ ، - وَهُوَ إِلَيْهِ مُحْسِنٌ - : هَلْ لَكَ أَنْ تَذْكُرَنِي لِلْمَلِكِ ، فَإِنَّ عِنْدِي عِلْمَ رُؤْيَاهُ ، وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ تَنَالَ عِنْدَهُ بِذَلِكَ مَنْزِلَةً ، وَتَكُونَ سَبَبَ عَافِيَتِي ، قَالَ لَهُ صَاحِبُ السِّجْنِ ، إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ سَطْوَةَ الْمَلِكِ ، لَعَلَّ غَمَّ السِّجْنِ حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَتَرَوَّحَ بِمَا لَيْسَ عِنْدَكَ فِيهِ عِلْمٌ ، مَعَ أَنِّي أَظُنُّ إِنْ كَانَ عِنْدَ أَحَدٍ فِي هَذِهِ الرُّؤْيَا عِلْمٌ فَأَنْتَ هُوَ ، قَالَ دَانْيَالُ : لَا تَخَفْ عَلَيَّ ، فَإِنَّ لِي رَبًّا يُخْبِرُنِي بِمَا شِئْتُ مِنْ حَاجَتِي . فَانْطَلَقَ صَاحِبُ السِّجْنِ ، فَأَخْبَرَ بُخْتُنَصَّرَ بِذَلِكَ ، فَدَعَا دَانْيَالَ ، فَأُدِخَلَ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا يَسْجُدُ لَهُ ، فَوَقَفَ دَانْيَالَ ، فَلَمْ يَسْجُدْ ، فَقَالَ الْمَلِكُ لِمَنْ فِي الْبَيْتِ : اخْرُجُوا فَخَرَجُوا ، فَقَالَ بُخْتُنَصَّرَ لِدَانْيَالَ : مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِي ؟ قَالَ دَانْيَالُ : إِنَّ لِي رَبًّا آتَانِي هَذَا الْعِلْمَ الَّذِي سَمِعْتَ بِهِ عَلَى أَنْ لَا أَسْجُدَ لِغَيْرِهِ ، فَخَشِيتُ أَنْ أَسْجُدَ لَكَ ؛ فَيَنْسَلِخَ عَنِّي هَذَا الْعِلْمُ ، ثُمَّ أَصِيرُ فِي يَدِكَ أُمِّيًّا ، فَلَا تَنْتَفِعُ بِي ، فَتَقْتُلُنِي ، فَرَأَيْتُ تَرْكَ السَّجْدَةَ أَهْوَنَ مِنْ قَتْلِي ، وَخَطَرُ سَجْدَةٍ أَهْوَنُ مِنَ الْكَرْبِ ، وَالْبَلَاءِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ ، فَتَرَكْتُ السُّجُودَ نَظَرًا إِلَى ذَلِكَ ، فَقَالَ بُخْتُنَصَّرَ : لَمْ يَكُنْ أَوْثَقُ فِي نَفْسِي مِنْكَ حِينَ وَفَيْتَ لِإِلَهِكَ ، وَأَحَبُّ الرِّجَالِ عِنْدِي الَّذِينَ يُوفُونَ لِأَرْبَابِهِمْ بِالْعُهُودِ ، فَهَلْ عِنْدَكَ عِلْمٌ بِهَذِهِ الرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتُ ؟ قَالَ : نَعَمْ عِنْدِي عِلْمُهَا ، وَتَفْسِيرُهَا ، رَأَيْتَ صَنَمًا عَظِيمًا رِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ ، وَرَأْسُهُ فِي السَّمَاءِ ، أَعْلَاهُ مِنْ ذَهَبٍ ، وَأَوْسَطُهُ مِنْ فِضَّةٍ ، وَأَسْفَلُهُ مِنْ نُحَاسٍ ، وَسَاقَاهُ مِنْ حَدِيدٍ ، وَرِجْلَاهُ مِنْ فَخَّارٍ ، فَبَيْنَا أَنْتَ تَنْظُرُ إِلَيْهِ قَدْ أَعْجَبَكَ حُسْنَهُ ، وِإِحْكَامَ صَنْعَتِهِ قَذَفَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِحَجَرٍ مِنَ السَّمَاءِ ، فَوَقَعَ عَلَى قِمَّةِ رَأْسِهِ ، فَدَقَّهُ حَتَّى طَحَنَهُ ، فَاخْتَلَطَ ذَهَبُهُ ، وَفِضَّتُهُ وَنُحَاسُهُ ، وَحَدِيدُهُ ، وَفَخَّارُهُ ، حَتَّى تَخَيَّلَ إِلَيْكَ لَوِ اجْتَمَعَ جَمِيعُ الْإِنْسِ ، وَالْجِنِّ عَلَى أَنْ يُمَيِّزُوا بَعْضَهُ مِنْ بَعْضٍ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ ، وَلَوْ هَبَّتْ رِيحٌ لَأَذْرَتْهُ ، وَنَظَرْتَ إِلَى الْحَجَرِ الَّذِي قُذِفَ بِهِ يَرْبُو ، وَيَعْظُمُ وَيَنْتَشِرُ ، حَتَّى مَلَأَ الْأَرْضَ كُلَّهَا ، فَصِرْتَ لَا تَرَى إِلَّا السَّمَاءَ ، وَالْحَجَرَ ، فَقَالَ لَهُ بُخْتُنَصَّرَ : صَدَّقْتَ هَذِهِ الرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتُ ، فَمَا تَأْوِيلُهَا ؟ قَالَ دَانْيَالُ : فَأَمَّا الصَّنَمُ ، فَأُمَمٌ مُخْتَلِفَةٌ فِي أَوَّلِ الزَّمَانِ ، وَفِي أَوْسَطِهِ ، وَفِي آخِرِهِ ، وَأَمَّا الذَّهَبُ فَهَذَا الزَّمَانُ ، وَهَذِهِ الْأُمَّةُ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا ، وَأَنْتَ مَلِكٌ لَهَا ، وَأَمَّا الْفِضَّةُ فَابْنُكَ يَمْلِكُ بَعْدَكَ ، وَأَمَّا النُّحَاسُ ، فَإِنَّهُ الرُّومُ ، وَأَمَّا الْحَدِيدُ فَفَارِسُ ، وَأَمَّا الْفَخَّارُ فَأُمَّتَانِ يَمْلِكُهُمَا امْرَأَتَانِ إِحْدَاهُمَا فِي مَشْرِقِ الْيَمَنِ ، وَالْأُخْرَى فِي غَرْبِ الشَّامِ ، وَأَمَّا الْحَجَرُ الَّذِي قُذِفَ بِهِ الصَّنَمُ فَدِينُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَقْذِفُ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ ؛ لِيُظْهِرَهُ عَلَيْهَا ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ نَبِيًّا أُمِّيًّا مِنَ الْعَرَبِ ، فَيُدَوِّخُ اللَّهُ بِهِ الْأُمَمَ ، وَالْأَدْيَانَ ، كَمَا رَأَيْتَ الْحَجَرَ دَوَّخَ أَصْنَافَ الصَّنَمِ ، وَيُظْهِرُهُ عَلَى الْأَدْيَانِ وَالْأُمَمِ كَمَا رَأَيْتَ الْحَجَرَ ظَهَرَ عَلَى الْأَرْضِ ، وَانْتَشَرَ فِيهَا ، حَتَّى عَلَاهَا ، فَيُمَحِّصُ اللَّهُ بِهِ الْحَقَّ ، وَيُزْهِقُ بِهِ الْبَاطِلَ ، وَيَهْدِي بِهِ الضَّلَالَةَ ، وَيُعَلِّمُ بِهِ الأُمِّيِّينَ ، وَيُقَوِّي بِهِ الضَّعَفَةَ ، وَيُعِزُّ بِهِ الْأَذِلَّةَ ، وَيَنْصُرُ بِهِ الْمُسْتَضْعَفِينَ ، قَالَ بُخْتُنَصَّرَ : مَا أَعْلَمُ أَحَدًا اسْتَعَنْتُ بِهِ مُنْذُ وُلِّيتُ الْمُلْكَ عَلَى شَيْءٍ غَلَبَنِي غَيْرَكَ ، وَلَا أَحَدَ لَهُ عِنْدِي يَدٌ أَعْظَمُ مِنْ يَدِكَ ، وَأَنَا أُجَازِيكَ بِإِحْسَانِكَ . وَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِمَا يَلِيهَا .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ ، قَالَ : ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ ، قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِيُّ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عِيسَى الثَّقَفِيُّ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْلَى بْنِ كَعْبٍ الثَّقَفِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، وَغَيْرِهِمْ ، كُلٌّ قَدْ حَدَّثَنِي مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِطَائِفَةٍ . قَالَ : قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فِي خُرُوجِهِ إِلَى الْمُقَوْقِسِ مَعَ بَنِي مَالِكٍ ، وَأَنَّهُمْ لَمَّا دَخَلُوا عَلَى الْمُقَوْقِسِ قَالَ لَهُمْ : كَيْفَ خَلَصْتُمْ إِلَيَّ مِنْ طَلَبَتِكُمْ ، وَمُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ؟ قَالُوا : لَصَقْنَا بِالْبَحْرِ ، وَقَدْ خِفْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ ، قَالَ : كَيْفَ صَنَعْتُمْ فِيمَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ ؟ قَالُوا : مَا تَبِعَهُ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ قَالَ : لِمَ ؟ قَالُوا : جَاءَنَا بِدِينٍ مُحْدَثٍ لَا تَدِينُ بِهِ الْآبَاءُ ، وَلَا يَدِينُ بِهِ الْمَلِكُ ، وَنَحْنُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ آبَاؤُنَا ، قَالَ : كَيْفَ صَنَعَ قَوْمُهُ ؟ قَالَ : اتَّبَعَهُ أَحْدَاثُهُمْ ، وَقَدْ لَاقَاهُ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ قَوْمِهِ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعَرَبِ فِي مَوَاطِنَ ، مَرَّةً تَكُونُ عَلَيْهِمُ الدَّبْرَةُ ، وَمَرَّةً تَكُونُ لَهُ ، قَالَ : أَلَا تُخْبِرُونَنِي ، وَتَصْدُقُونَنِي إِلَى مَاذَا يَدْعُو ؟ قَالُوا : يَدْعُو إِلَى أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كَانَ يَعْبُدُ الْآبَاءُ ، وَيَدْعُو إِلَى الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ، قَالَ : وَمَا الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ ، أَلَهُمَا وَقْتٌ يُعْرَفُ ، وَعَدَدٌ يَنْتَهِي ؟ قَالُوا : يُصَلُّونَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ ، كُلُّهَا لِمَوَاقِيتَ ، وَعَدَدٍ سَمُّوهُ لَهُ ، وَيُؤَدُّونَ مِنْ كُلِّ مَال بَلَغَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِثْقَالًا ، وَكُلِّ إِبِلٍ بَلَغَتْ خَمْسًا شَاةً ، وَأَخْبَرُوهُ بِصَدَقَةِ الْأَمْوَالِ كُلِّهَا ، قَالَ : أَفَرَأَيْتُمْ إِذَا أَخَذَهَا ، أَيْنَ يَضَعُهَا ؟ قَالُوا : يَرُدُّهَا عَلَى فُقَرَائِهِمْ ، وَيَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَوَفَاءِ الْعَهْدِ ، وَتَحْرِيمِ الرِّبَا ، وَالزِّنَا ، وَالْخَمْرِ ، وَلَا يَأْكُلُ مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، قَالَ : هُوَ نَبِيُّ مُرْسَلٌ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً ، وَلَوْ أَصَابَ الْقِبْطَ وَالرُّومَ تَبِعُوهُ ، وَقَدْ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، وَهَذَا الَّذِي تَصِفُونَ مِنْهُ بُعِثَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ قَبْلِهِ ، وَسَتَكُونُ لَهُ الْعَاقِبَةُ حَتَّى لَا يُنَازِعَهُ أَحَدٌ ، وَيَظْهَرُ دِينُهُ إِلَى مُنْتَهَى الْخُفِّ ، وَالْحَافِرِ ، وَمُنْقَطِعِ الْبُحُورِ ، وَيُوشِكُ قَوْمُهُ يُدَافِعُونَهُ بِالرِّمَاحِ . قَالَ : قُلْنَا : لَوْ دَخَلَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مَعَهُ مَا دَخَلْنَا ، قَالَ : فَأَنْغَضَ رَأْسَهُ وَقَالَ : أَنْتُمْ فِي اللَّعِبِ . ثُمَّ قَالَ : كَيْفَ نَسَبُهُ فِي قَوْمِهِ ؟ قُلْنَا : هُوَ أَوْسَطُهُمْ نَسَبًا ، قَالَ : كَذَلِكَ الْمَسِيحُ ، وَالْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا ، قَالَ : كَيْفَ صِدْقُهُ فِي حَدِيثِهِ ؟ قَالَ : قُلْنَا : مَا يُسَمَّى إِلَّا الْأَمِينُ مِنْ صِدْقِهِ ، قَالَ : انْظُرُوا فِي أَمْرِكُمْ ، أَتَرَوْنَهُ يَصْدُقُ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ ، وَيَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ قَالَ : فَمَنْ تَبِعَهُ ؟ قُلْنَا : الْأَحْدَاثُ ، قَالَ : هُمْ - وَالْمَسِيحِ - أَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ ، قَالَ : فَمَا فَعَلَتْ يَهُودُ يَثْرِبَ فَهُمْ أَهْلُ التَّوْرَاةِ ؟ قُلْنَا : خَالَفُوهُ ، فَأَوْقَعَ بِهِمْ ، فَقَتَلَهُمْ ، وَسَبَاهُمْ ، وَتَفَرَّقُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ ، قَالَ : هُمْ حَسَدَةٌ ، حَسَدُوهُ ، أَمَا أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ مِنْ أَمْرِهِ مِثْلَ مَا نَعْرِفُ . قَالَ الْمُغِيرَةُ : فَقُمْنَا مِنْ عِنْدِهِ ، وَقَدْ سَمِعْنَا كَلَامًا ذَلَّلَنَا لِمُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَخَضَّعَنَا ، وَقُلْنَا : مُلُوكُ الْعَجَمِ يُصَدِّقُونَهُ ، وَيُخَافُونَهُ فِي بُعْدِ أَرْحَامِهِمْ مِنْهُ ، وَنَحْنُ أَقْرِبَاؤُهُ وَجِيرَانُهُ لَمْ نَدْخُلْ مَعَهُ قَدْ جَاءَنَا دَاعِيًا إِلَى مَنَازِلِنَا . قَالَ الْمُغِيرَةُ : فَرَجَعْنَا إِلَى مَنَازِلِنَا ، فَأَقَمْتُ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ ، لَا أَدَعُ كَنِيسَةً إِلَّا دَخَلْتُهَا ، وَسَأَلْتُ أَسَاقِفَهَا مِنْ قِبْطِهَا ، وَرُومِهَا ، عَمَّا يَجِدُونَ مِنْ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَكَانَ أَسْقُفٌ مِنَ الْقِبْطِ هُوَ رَأْسُ كَنِيسَةِ أَبِي غَنِيٍّ ، كَانُوا يَأْتُونَهُ بِمَرْضَاهِمْ ، فَيَدْعُو لَهُمْ ، لَمْ أَرَ أَحَدًا قَطُّ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْهُ ، فَقُلْتُ : أَخْبِرْنِي هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَهُوَ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ أَحَدٌ ، وَهُوَ نَبِيُّ قَدْ أَمَرَنَا عِيسَى بِاتِّبَاعِهِ ، وَهُوَ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ الْعَرَبِيُّ ، اسْمُهُ أَحْمَدُ ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ ، وَلَا بِالْقَصِيرِ ، فِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ ، لَيْسَ بِالْأَبْيَضِ ، وَلَا بِالْآدَمِ ، يُعْفِي شَعْرَهُ ، وَيَلْبَسُ مَا غَلُظَ مِنَ الثِّيَابِ ، وَيَجْتَزِئُ بِمَا لَقِيَ مِنَ الطَّعَامِ ، سَيْفُهُ عَلَى عَاتِقِهِ ، وَلَا يُبَالِي مَنْ لَاقَى ، يُبَاشِرُ الْقِتَالَ بِنَفْسِهِ ، وَمَعَ أَصْحَابِهِ ، يُفْدُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ ، هُمْ لَهُ أَشَدُّ حُبًّا مِنْ أَوْلَادِهِمْ وَآبَائِهِمْ ، يَخْرُجُ مِنْ أَرْضِ الْقَرَظِ ، وَمِنْ حَرَمٍ يَأْتِي إِلَى حَرَمٍ ، يُهَاجِرُ إِلَى أَرْضٍ سِبَاخٍ وَنَخْلٍ ، يَدِينُ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ . قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ : زِدْنِي فِي صِفَتِهِ ، قَالَ : يَأْتَزِرُ عَلَى وَسَطِهِ ، وَيَغْسِلُ أَطْرَافَهُ ، وَيُخَصُّ بِمَا لَمْ يُخَصُّ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ ، كَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ ، وَبُعِثَ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً ، وَجُعِلَتْ لَهُ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا ، أَيْنَمَا أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ تَيَمَّمَ وَصَلَّى ، وَمَنْ كَانَ قَبْلَهُ مُشَدَّدًا عَلَيْهِمْ ، لَا يُصَلُّونَ إِلَّا فِي الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ قَالَ الْمُغِيرَةُ : فَوَعَيْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ قَوْلِهِ ، وَقَوْلِ غَيْرِهِ ، فَرَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَأَسْلَمْتُ ، وَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ الْمَلِكُ ، وَقَالَتِ الْأَسَاقِفَةُ الَّذِينَ كُنْتُ أُسَائِلُهُمْ ، وَأَسْمَعُ مِنْهُمْ مِنْ رُؤَسَاءِ الْقِبْطِ وَالرُّومِ ، وَأَعْجَبَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَأَحَبَّ أَنْ يَسْمَعَهُ أَصْحَابُهُ ، فَكُنْتُ أُحَدِّثُهُمْ ذَلِكَ فِي الْيَوْمَيْنِ ، وَالثَّلَاثَةِ . قَالَ الشَّيْخُ : وَنُعُوتُهُ وَصِفَاتُهُ فِي الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ ، وَعِنْدَ الرَّهَابِنَةِ ، وَالْأَسَاقِفَةِ ، وَالْأَحْبَارِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ مُسْتَفِيضٌ ، وَكَانُوا يَرْجِعُونَ فِي أَمْرِ بِعْثَتِهِ ، وَإِرْسَالِهِ إِلَى عِلْمٍ مُتَيَقَّنٍ كَالضَّرُورِيِّ ؛ لِتَبْشِيرِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِهِ ، وَبِإِرْسَالِهِ ، وَإِيصَائِهِمْ أُمَّتَهُمْ بِتَصْدِيقِهِ إِنْ أَدْرَكَتْهُ ، وَمَا كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ الْكُتُبِ وَالْعُهُودِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَنْ آبَائِهِمْ ، وَأَسْلَافِهِمْ
وَذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ، قَالَ : ثنا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ الصَّنْعَانِيُّ ، قَالَ : ثنا زَيْدُ بْنُ الْمُبَارَكِ بن مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زَبَالَةَ الْمَخْزُومِيُِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، قَالَ : كَانَ كَعْبُ بْنُ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ يَجْمَعُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُسَمِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَرُبَةً ، فَيَخْطُبُهُمْ ، فَيَقُولُ : أَمَّا بَعْدُ ، فَاسْمَعُوا ، وَتَعَلَّمُوا ، وَافْهَمُوا ، وَاعْلَمُوا ، لَيْلٌ سَاجٍ ، وَنَهَارٌ ضَاحٍ ، وَالْأَرْضُ مِهَادٌ ، وَالسَّمَاءُ بِنَاءٌ ، وَالْجِبَالُ أَوْتَادٌ ، وَالنُّجُومُ أَعْلَامٌ ، وَالْأَوَّلُونَ كَالْآخِرِينَ ، وَالْأُنْثَى وَالذَّكَرُ وَالزَّوْجُ إِلَى بِلًى صَائِرِينَ ، فَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ ، وَاحْفَظُوا أَصْهَارَكُمْ ، وَثَمِّرُوا أَمْوَالَكُمْ ، فَهَلْ رَأَيْتُمْ مِنْ هَالِكٍ رَجَعَ ، أَوْ مَيِّتٍ نُشِرَ ، الدَّارُ أَمَامَكُمْ ، وَالظَّنُّ غَيْرُ مَا تَقُولُونَ ، حَرَمُكُمْ زَيِّنُوهُ ، وَعَظِّمُوهُ ، وَتَمَسَّكُوا بِهِ ، فَسَيَأْتِي لَهُ نَبَأٌ عَظِيمٌ ، وَسَيَخْرُجُ مِنْهُ نَبِيُّ كَرِيمٌ . ثُمَّ يَقُولُ : نَهَارٌ وَلَيْلٌ كُلُّ أَوْبٍ بِحَادِثٍ سَوَاءٌ عَلَيْهَا لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا يَؤُوبَانِ بِالْأَحْدَاثِ حِينَ تَأَوَّبَا وَبَالنِّعَمِ الضَّافِي عَلَيْنَا سُتُورُهَا عَلَى غَفْلَةٍ يَأْتِي النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ فَيُخْبِرُ أَخْبَارًا صَدُوقًا خَبِيرُهَا ثُمَّ يَقُولُ : وَاللَّهِ لَوْ كُنْتُ فِيهَا ذَا سَمْعٍ ، وَبَصَرٍ ، وَيَدٍ ، وَرِجْلٍ لَتَنَصَّبْتُ فِيهَا تَنَصُّبَ الْجَمَلِ ، وَلَأَرْقَلْتُ فِيهَا إِرْقَالَ الْفَحْلِ . ثُمَّ يَقُولُ : يَا لَيْتَنِي شَاهِدٌ فَحْوَاءَ دَعْوَتِهِ حِينَ الْعَشِيرَةُ تَبْغِي الْحَقَّ خِذْلَانَا وَكَانَ بَيْنَ مَوْتِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ وَبَيْنَ مَبْعَث النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ وَسِتُّونَ سَنَةً
حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ ، قَالَ : ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ، قَالَ : ثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ ، قَالَ : ثنا مُلَازِمُ بْنُ عَمْرٍو ، قَالَ : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَدْرٍ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : خَرَجْنَا وَفْدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ ، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ ، وَأَخْبَرَنَاهُ أَنَّ بِأَرْضِنَا بَيْعَةً لَنَا ، وَاسْتَوْهَبْنَاهُ مِنْ فَضْلِ طَهُورِهِ ، فَدَعَا بِمَاءٍ ، فَتَوَضَّأَ مِنْهُ ، وَتَمَضْمَضَ مِنْهُ ، وَصَبَّ لَنَا فِي إِدَاوَةٍ ، ثُمَّ قَالَ : اذْهَبُوا بِهَذَا الْمَاءِ ، فَإِذَا قَدِمْتُمْ بَلَدَكُمْ ، فَاكْسِرُوا بَيْعَتَكُمْ ، وَانْضَحُوا مَكَانَهَا مِنْ هَذَا الْمَاءِ ، وَاتَّخِذُوا مَكَانَهَا مَسْجِدًا ، قُلْنَا : إِنَّ الْبَلَدَ بَعِيدٌ ، وَالْحَرَّ شَدِيدٌ ، وَالْمَاءَ يَنْشَفُ ، قَالَ : ، فَأَمِدُّوهُ مِنَ الْمَاءِ ، فَإِنَّ الْمَاءَ لَا يَزِيدُهُ إِلَّا طِيبًا ، . قَالَ : فَخَرَجْنَا وَتَشَاحَحْنَا عَلَى حَمْلِ الْإِدَاوَةِ ، أَيُّنَا يَحْمِلُهَا ، فَجَعَلَهَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَيْنَنَا نَوْبًا عَلَى كُلِّ رَجُلٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً ، فَخَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا بَلَدَنَا ، فَفَعَلْنَا الَّذِي أَمَرَنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَرَاهِبُنَا يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ مِنْ طَيِّئٍ ، فَأَذَّنَّا ، فَقَالَ رَاهِبُنَا لَمَّا سَمِعَ الْأَذَانَ : دَعْوَةُ حَقٍّ ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ تَلْعَةً مِنْ تِلَاعِنَا ، ثُمَّ ذَهَبَ فَلَمْ يُرَ بَعْدُ