• 882
  • قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فِي خُرُوجِهِ إِلَى الْمُقَوْقِسِ مَعَ بَنِي مَالِكٍ ، وَأَنَّهُمْ لَمَّا دَخَلُوا عَلَى الْمُقَوْقِسِ قَالَ لَهُمْ : كَيْفَ خَلَصْتُمْ إِلَيَّ مِنْ طَلَبَتِكُمْ ، وَمُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ؟ قَالُوا : لَصَقْنَا بِالْبَحْرِ ، وَقَدْ خِفْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ ، قَالَ : كَيْفَ صَنَعْتُمْ فِيمَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ ؟ قَالُوا : مَا تَبِعَهُ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ قَالَ : لِمَ ؟ قَالُوا : " جَاءَنَا بِدِينٍ مُحْدَثٍ لَا تَدِينُ بِهِ الْآبَاءُ ، وَلَا يَدِينُ بِهِ الْمَلِكُ ، وَنَحْنُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ آبَاؤُنَا ، قَالَ : كَيْفَ صَنَعَ قَوْمُهُ ؟ قَالَ : اتَّبَعَهُ أَحْدَاثُهُمْ ، وَقَدْ لَاقَاهُ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ قَوْمِهِ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعَرَبِ فِي مَوَاطِنَ ، مَرَّةً تَكُونُ عَلَيْهِمُ الدَّبْرَةُ ، وَمَرَّةً تَكُونُ لَهُ ، قَالَ : أَلَا تُخْبِرُونَنِي ، وَتَصْدُقُونَنِي إِلَى مَاذَا يَدْعُو ؟ قَالُوا : يَدْعُو إِلَى أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كَانَ يَعْبُدُ الْآبَاءُ ، وَيَدْعُو إِلَى الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ، قَالَ : وَمَا الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ ، أَلَهُمَا وَقْتٌ يُعْرَفُ ، وَعَدَدٌ يَنْتَهِي ؟ قَالُوا : يُصَلُّونَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ ، كُلُّهَا لِمَوَاقِيتَ ، وَعَدَدٍ سَمُّوهُ لَهُ ، وَيُؤَدُّونَ مِنْ كُلِّ مَال بَلَغَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِثْقَالًا ، وَكُلِّ إِبِلٍ بَلَغَتْ خَمْسًا شَاةً ، وَأَخْبَرُوهُ بِصَدَقَةِ الْأَمْوَالِ كُلِّهَا ، قَالَ : أَفَرَأَيْتُمْ إِذَا أَخَذَهَا ، أَيْنَ يَضَعُهَا ؟ قَالُوا : يَرُدُّهَا عَلَى فُقَرَائِهِمْ ، وَيَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَوَفَاءِ الْعَهْدِ ، وَتَحْرِيمِ الرِّبَا ، وَالزِّنَا ، وَالْخَمْرِ ، وَلَا يَأْكُلُ مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، قَالَ : هُوَ نَبِيُّ مُرْسَلٌ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً ، وَلَوْ أَصَابَ الْقِبْطَ وَالرُّومَ تَبِعُوهُ ، وَقَدْ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، وَهَذَا الَّذِي تَصِفُونَ مِنْهُ بُعِثَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ قَبْلِهِ ، وَسَتَكُونُ لَهُ الْعَاقِبَةُ حَتَّى لَا يُنَازِعَهُ أَحَدٌ ، وَيَظْهَرُ دِينُهُ إِلَى مُنْتَهَى الْخُفِّ ، وَالْحَافِرِ ، وَمُنْقَطِعِ الْبُحُورِ ، وَيُوشِكُ قَوْمُهُ يُدَافِعُونَهُ بِالرِّمَاحِ . قَالَ : قُلْنَا : لَوْ دَخَلَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مَعَهُ مَا دَخَلْنَا ، قَالَ : فَأَنْغَضَ رَأْسَهُ وَقَالَ : أَنْتُمْ فِي اللَّعِبِ . ثُمَّ قَالَ : كَيْفَ نَسَبُهُ فِي قَوْمِهِ ؟ قُلْنَا : هُوَ أَوْسَطُهُمْ نَسَبًا ، قَالَ : كَذَلِكَ الْمَسِيحُ ، وَالْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا ، قَالَ : كَيْفَ صِدْقُهُ فِي حَدِيثِهِ ؟ قَالَ : قُلْنَا : مَا يُسَمَّى إِلَّا الْأَمِينُ مِنْ صِدْقِهِ ، قَالَ : انْظُرُوا فِي أَمْرِكُمْ ، أَتَرَوْنَهُ يَصْدُقُ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ ، وَيَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ قَالَ : فَمَنْ تَبِعَهُ ؟ قُلْنَا : الْأَحْدَاثُ ، قَالَ : هُمْ - وَالْمَسِيحِ - أَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ ، قَالَ : فَمَا فَعَلَتْ يَهُودُ يَثْرِبَ فَهُمْ أَهْلُ التَّوْرَاةِ ؟ قُلْنَا : خَالَفُوهُ ، فَأَوْقَعَ بِهِمْ ، فَقَتَلَهُمْ ، وَسَبَاهُمْ ، وَتَفَرَّقُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ ، قَالَ : هُمْ حَسَدَةٌ ، حَسَدُوهُ ، أَمَا أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ مِنْ أَمْرِهِ مِثْلَ مَا نَعْرِفُ . قَالَ الْمُغِيرَةُ : فَقُمْنَا مِنْ عِنْدِهِ ، وَقَدْ سَمِعْنَا كَلَامًا ذَلَّلَنَا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَخَضَّعَنَا ، وَقُلْنَا : مُلُوكُ الْعَجَمِ يُصَدِّقُونَهُ ، وَيُخَافُونَهُ فِي بُعْدِ أَرْحَامِهِمْ مِنْهُ ، وَنَحْنُ أَقْرِبَاؤُهُ وَجِيرَانُهُ لَمْ نَدْخُلْ مَعَهُ قَدْ جَاءَنَا دَاعِيًا إِلَى مَنَازِلِنَا . قَالَ الْمُغِيرَةُ : فَرَجَعْنَا إِلَى مَنَازِلِنَا ، فَأَقَمْتُ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ ، لَا أَدَعُ كَنِيسَةً إِلَّا دَخَلْتُهَا ، وَسَأَلْتُ أَسَاقِفَهَا مِنْ قِبْطِهَا ، وَرُومِهَا ، عَمَّا يَجِدُونَ مِنْ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ أَسْقُفٌ مِنَ الْقِبْطِ هُوَ رَأْسُ كَنِيسَةِ أَبِي غَنِيٍّ ، كَانُوا يَأْتُونَهُ بِمَرْضَاهِمْ ، فَيَدْعُو لَهُمْ ، لَمْ أَرَ أَحَدًا قَطُّ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْهُ ، فَقُلْتُ : أَخْبِرْنِي هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَهُوَ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ أَحَدٌ ، وَهُوَ نَبِيُّ قَدْ أَمَرَنَا عِيسَى بِاتِّبَاعِهِ ، وَهُوَ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ الْعَرَبِيُّ ، اسْمُهُ أَحْمَدُ ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ ، وَلَا بِالْقَصِيرِ ، فِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ ، لَيْسَ بِالْأَبْيَضِ ، وَلَا بِالْآدَمِ ، يُعْفِي شَعْرَهُ ، وَيَلْبَسُ مَا غَلُظَ مِنَ الثِّيَابِ ، وَيَجْتَزِئُ بِمَا لَقِيَ مِنَ الطَّعَامِ ، سَيْفُهُ عَلَى عَاتِقِهِ ، وَلَا يُبَالِي مَنْ لَاقَى ، يُبَاشِرُ الْقِتَالَ بِنَفْسِهِ ، وَمَعَ أَصْحَابِهِ ، يُفْدُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ ، هُمْ لَهُ أَشَدُّ حُبًّا مِنْ أَوْلَادِهِمْ وَآبَائِهِمْ ، يَخْرُجُ مِنْ أَرْضِ الْقَرَظِ ، وَمِنْ حَرَمٍ يَأْتِي إِلَى حَرَمٍ ، يُهَاجِرُ إِلَى أَرْضٍ سِبَاخٍ وَنَخْلٍ ، يَدِينُ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ . قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ : زِدْنِي فِي صِفَتِهِ ، قَالَ : يَأْتَزِرُ عَلَى وَسَطِهِ ، وَيَغْسِلُ أَطْرَافَهُ ، وَيُخَصُّ بِمَا لَمْ يُخَصُّ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ ، كَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ ، وَبُعِثَ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً ، وَجُعِلَتْ لَهُ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا ، أَيْنَمَا أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ تَيَمَّمَ وَصَلَّى ، وَمَنْ كَانَ قَبْلَهُ مُشَدَّدًا عَلَيْهِمْ ، لَا يُصَلُّونَ إِلَّا فِي الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ قَالَ الْمُغِيرَةُ : فَوَعَيْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ قَوْلِهِ ، وَقَوْلِ غَيْرِهِ ، فَرَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَسْلَمْتُ ، وَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ الْمَلِكُ ، وَقَالَتِ الْأَسَاقِفَةُ الَّذِينَ كُنْتُ أُسَائِلُهُمْ ، وَأَسْمَعُ مِنْهُمْ مِنْ رُؤَسَاءِ الْقِبْطِ وَالرُّومِ ، وَأَعْجَبَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَحَبَّ أَنْ يَسْمَعَهُ أَصْحَابُهُ ، فَكُنْتُ أُحَدِّثُهُمْ ذَلِكَ فِي الْيَوْمَيْنِ ، وَالثَّلَاثَةِ .

    أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ ، قَالَ : ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ ، قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِيُّ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عِيسَى الثَّقَفِيُّ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْلَى بْنِ كَعْبٍ الثَّقَفِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، وَغَيْرِهِمْ ، كُلٌّ قَدْ حَدَّثَنِي مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِطَائِفَةٍ . قَالَ : قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فِي خُرُوجِهِ إِلَى الْمُقَوْقِسِ مَعَ بَنِي مَالِكٍ ، وَأَنَّهُمْ لَمَّا دَخَلُوا عَلَى الْمُقَوْقِسِ قَالَ لَهُمْ : كَيْفَ خَلَصْتُمْ إِلَيَّ مِنْ طَلَبَتِكُمْ ، وَمُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ؟ قَالُوا : لَصَقْنَا بِالْبَحْرِ ، وَقَدْ خِفْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ ، قَالَ : كَيْفَ صَنَعْتُمْ فِيمَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ ؟ قَالُوا : مَا تَبِعَهُ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ قَالَ : لِمَ ؟ قَالُوا : جَاءَنَا بِدِينٍ مُحْدَثٍ لَا تَدِينُ بِهِ الْآبَاءُ ، وَلَا يَدِينُ بِهِ الْمَلِكُ ، وَنَحْنُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ آبَاؤُنَا ، قَالَ : كَيْفَ صَنَعَ قَوْمُهُ ؟ قَالَ : اتَّبَعَهُ أَحْدَاثُهُمْ ، وَقَدْ لَاقَاهُ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ قَوْمِهِ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعَرَبِ فِي مَوَاطِنَ ، مَرَّةً تَكُونُ عَلَيْهِمُ الدَّبْرَةُ ، وَمَرَّةً تَكُونُ لَهُ ، قَالَ : أَلَا تُخْبِرُونَنِي ، وَتَصْدُقُونَنِي إِلَى مَاذَا يَدْعُو ؟ قَالُوا : يَدْعُو إِلَى أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كَانَ يَعْبُدُ الْآبَاءُ ، وَيَدْعُو إِلَى الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ، قَالَ : وَمَا الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ ، أَلَهُمَا وَقْتٌ يُعْرَفُ ، وَعَدَدٌ يَنْتَهِي ؟ قَالُوا : يُصَلُّونَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ ، كُلُّهَا لِمَوَاقِيتَ ، وَعَدَدٍ سَمُّوهُ لَهُ ، وَيُؤَدُّونَ مِنْ كُلِّ مَال بَلَغَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِثْقَالًا ، وَكُلِّ إِبِلٍ بَلَغَتْ خَمْسًا شَاةً ، وَأَخْبَرُوهُ بِصَدَقَةِ الْأَمْوَالِ كُلِّهَا ، قَالَ : أَفَرَأَيْتُمْ إِذَا أَخَذَهَا ، أَيْنَ يَضَعُهَا ؟ قَالُوا : يَرُدُّهَا عَلَى فُقَرَائِهِمْ ، وَيَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَوَفَاءِ الْعَهْدِ ، وَتَحْرِيمِ الرِّبَا ، وَالزِّنَا ، وَالْخَمْرِ ، وَلَا يَأْكُلُ مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، قَالَ : هُوَ نَبِيُّ مُرْسَلٌ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً ، وَلَوْ أَصَابَ الْقِبْطَ وَالرُّومَ تَبِعُوهُ ، وَقَدْ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، وَهَذَا الَّذِي تَصِفُونَ مِنْهُ بُعِثَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ قَبْلِهِ ، وَسَتَكُونُ لَهُ الْعَاقِبَةُ حَتَّى لَا يُنَازِعَهُ أَحَدٌ ، وَيَظْهَرُ دِينُهُ إِلَى مُنْتَهَى الْخُفِّ ، وَالْحَافِرِ ، وَمُنْقَطِعِ الْبُحُورِ ، وَيُوشِكُ قَوْمُهُ يُدَافِعُونَهُ بِالرِّمَاحِ . قَالَ : قُلْنَا : لَوْ دَخَلَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مَعَهُ مَا دَخَلْنَا ، قَالَ : فَأَنْغَضَ رَأْسَهُ وَقَالَ : أَنْتُمْ فِي اللَّعِبِ . ثُمَّ قَالَ : كَيْفَ نَسَبُهُ فِي قَوْمِهِ ؟ قُلْنَا : هُوَ أَوْسَطُهُمْ نَسَبًا ، قَالَ : كَذَلِكَ الْمَسِيحُ ، وَالْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا ، قَالَ : كَيْفَ صِدْقُهُ فِي حَدِيثِهِ ؟ قَالَ : قُلْنَا : مَا يُسَمَّى إِلَّا الْأَمِينُ مِنْ صِدْقِهِ ، قَالَ : انْظُرُوا فِي أَمْرِكُمْ ، أَتَرَوْنَهُ يَصْدُقُ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ ، وَيَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ قَالَ : فَمَنْ تَبِعَهُ ؟ قُلْنَا : الْأَحْدَاثُ ، قَالَ : هُمْ - وَالْمَسِيحِ - أَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ ، قَالَ : فَمَا فَعَلَتْ يَهُودُ يَثْرِبَ فَهُمْ أَهْلُ التَّوْرَاةِ ؟ قُلْنَا : خَالَفُوهُ ، فَأَوْقَعَ بِهِمْ ، فَقَتَلَهُمْ ، وَسَبَاهُمْ ، وَتَفَرَّقُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ ، قَالَ : هُمْ حَسَدَةٌ ، حَسَدُوهُ ، أَمَا أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ مِنْ أَمْرِهِ مِثْلَ مَا نَعْرِفُ . قَالَ الْمُغِيرَةُ : فَقُمْنَا مِنْ عِنْدِهِ ، وَقَدْ سَمِعْنَا كَلَامًا ذَلَّلَنَا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَخَضَّعَنَا ، وَقُلْنَا : مُلُوكُ الْعَجَمِ يُصَدِّقُونَهُ ، وَيُخَافُونَهُ فِي بُعْدِ أَرْحَامِهِمْ مِنْهُ ، وَنَحْنُ أَقْرِبَاؤُهُ وَجِيرَانُهُ لَمْ نَدْخُلْ مَعَهُ قَدْ جَاءَنَا دَاعِيًا إِلَى مَنَازِلِنَا . قَالَ الْمُغِيرَةُ : فَرَجَعْنَا إِلَى مَنَازِلِنَا ، فَأَقَمْتُ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ ، لَا أَدَعُ كَنِيسَةً إِلَّا دَخَلْتُهَا ، وَسَأَلْتُ أَسَاقِفَهَا مِنْ قِبْطِهَا ، وَرُومِهَا ، عَمَّا يَجِدُونَ مِنْ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ أَسْقُفٌ مِنَ الْقِبْطِ هُوَ رَأْسُ كَنِيسَةِ أَبِي غَنِيٍّ ، كَانُوا يَأْتُونَهُ بِمَرْضَاهِمْ ، فَيَدْعُو لَهُمْ ، لَمْ أَرَ أَحَدًا قَطُّ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْهُ ، فَقُلْتُ : أَخْبِرْنِي هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَهُوَ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ أَحَدٌ ، وَهُوَ نَبِيُّ قَدْ أَمَرَنَا عِيسَى بِاتِّبَاعِهِ ، وَهُوَ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ الْعَرَبِيُّ ، اسْمُهُ أَحْمَدُ ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ ، وَلَا بِالْقَصِيرِ ، فِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ ، لَيْسَ بِالْأَبْيَضِ ، وَلَا بِالْآدَمِ ، يُعْفِي شَعْرَهُ ، وَيَلْبَسُ مَا غَلُظَ مِنَ الثِّيَابِ ، وَيَجْتَزِئُ بِمَا لَقِيَ مِنَ الطَّعَامِ ، سَيْفُهُ عَلَى عَاتِقِهِ ، وَلَا يُبَالِي مَنْ لَاقَى ، يُبَاشِرُ الْقِتَالَ بِنَفْسِهِ ، وَمَعَ أَصْحَابِهِ ، يُفْدُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ ، هُمْ لَهُ أَشَدُّ حُبًّا مِنْ أَوْلَادِهِمْ وَآبَائِهِمْ ، يَخْرُجُ مِنْ أَرْضِ الْقَرَظِ ، وَمِنْ حَرَمٍ يَأْتِي إِلَى حَرَمٍ ، يُهَاجِرُ إِلَى أَرْضٍ سِبَاخٍ وَنَخْلٍ ، يَدِينُ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ . قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ : زِدْنِي فِي صِفَتِهِ ، قَالَ : يَأْتَزِرُ عَلَى وَسَطِهِ ، وَيَغْسِلُ أَطْرَافَهُ ، وَيُخَصُّ بِمَا لَمْ يُخَصُّ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ ، كَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ ، وَبُعِثَ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً ، وَجُعِلَتْ لَهُ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا ، أَيْنَمَا أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ تَيَمَّمَ وَصَلَّى ، وَمَنْ كَانَ قَبْلَهُ مُشَدَّدًا عَلَيْهِمْ ، لَا يُصَلُّونَ إِلَّا فِي الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ قَالَ الْمُغِيرَةُ : فَوَعَيْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ قَوْلِهِ ، وَقَوْلِ غَيْرِهِ ، فَرَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَسْلَمْتُ ، وَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ الْمَلِكُ ، وَقَالَتِ الْأَسَاقِفَةُ الَّذِينَ كُنْتُ أُسَائِلُهُمْ ، وَأَسْمَعُ مِنْهُمْ مِنْ رُؤَسَاءِ الْقِبْطِ وَالرُّومِ ، وَأَعْجَبَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَحَبَّ أَنْ يَسْمَعَهُ أَصْحَابُهُ ، فَكُنْتُ أُحَدِّثُهُمْ ذَلِكَ فِي الْيَوْمَيْنِ ، وَالثَّلَاثَةِ . قَالَ الشَّيْخُ : وَنُعُوتُهُ وَصِفَاتُهُ فِي الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ ، وَعِنْدَ الرَّهَابِنَةِ ، وَالْأَسَاقِفَةِ ، وَالْأَحْبَارِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ مُسْتَفِيضٌ ، وَكَانُوا يَرْجِعُونَ فِي أَمْرِ بِعْثَتِهِ ، وَإِرْسَالِهِ إِلَى عِلْمٍ مُتَيَقَّنٍ كَالضَّرُورِيِّ ؛ لِتَبْشِيرِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِهِ ، وَبِإِرْسَالِهِ ، وَإِيصَائِهِمْ أُمَّتَهُمْ بِتَصْدِيقِهِ إِنْ أَدْرَكَتْهُ ، وَمَا كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ الْكُتُبِ وَالْعُهُودِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَنْ آبَائِهِمْ ، وَأَسْلَافِهِمْ

    أحداثهم: حَداثَة السِّن : كناية عن الشّباب وأوّل العُمر
    أساقفها: الأساقفة : جمع الأسقف وهو رئيس من رؤساء النصارى فوق القسيس ودون المطْران
    بالآدم: الآدم : الأسمر
    عاتقه: العاتق : ما بين المنكب والعنق
    القرظ: القرظ : ورق شجر السلم يدبغ به
    يأتزر: يأتزر : يلبس الإزار وهو ثوب يلف به النصف الأسفل من الجسم
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات