عنوان الفتوى : اتفقت مع من طلقها على أخذ الأثاث مقابل إسقاط النفقة ثم طالبها بالأثاث
وقع الطلاق بيني وبين زوجي وقد أنجبت منه طفلة، عند الطلاق اتفقنا على أن آخذ أثاث المنزل (مع العلم بأنه من ممتلكاته هو)، لكنه جاء بعد مدة ليطالبني بهذا الأثاث متعللا بأنه قد ندم على التخلي عن أثاثه ويريد استرجاعه، فهل من حقه المطالبة بهذا الأثاث وعليٌ بالتالي القيام بإرجاعه له، أم ليس له الحق في ذلك ويمكنني رفض طلبه، علما بأني أنا التي أتولى حضانة الطفلة والإنفاق عليها (فهو لا يعطيني نفقة وذلك باتفاقنا)، كما أني احتفظت بكراء المنزل الذي كان فيه الأثاث قبل أن أقوم بنقل الأثاث (فقد كلفني هذا الأثاث بالتالي بعض النفقات)؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كان الواقع هو أنه تم بينك وبينه اتفاق على إسقاط نفقة البنت ونفقتك أثناء العدة مقابل تركه للأثاث فهذا اتفاق باطل وعقد فاسد لجهالة مقدار النفقة، وجهالة مقدار الثمن تمنع صحة العقد، كما قال أهل العلم، وبناء عليه فالأثاث أثاثه، ولك مطالبته بنفقتك أثناء العدة وما أنفقت على البنت، وإذا كنت مرضعة للبنت فلك أجرة المثل.
قال مالك: من اشترى داراً على أن ينفق على البائع حياته لم يجز. قال ابن يونس: لأن أجل حياته مجهول فهو غرر. قال مالك: فإن نزل وقبضها المبتاع واستغلها كانت الغلة له بضمانه، وترد الدار إلى البائع، ويرجع عليه بقيمة ما أنفق.
وأما ما أنفقت على الأثاث في حفظه أو نقله فليس لك المطالبة به إذا كان يساوي انتفاعك بالأثاث أو أقل، فإن كان أكثر أو لا منفعة لك فيه فلك المطالبة بما أنفقت عليه مما هو لازم له، قال النفراوي في شرحه للرسالة: واعلم أن المشتري كما يفوز بالغلة لا يرجع على البائع بكلفة الحيوان إذا كانت الغلة قدر الكلفة أو أكثر، وأما لو زادت الكلفة على الغلة أو كان لا غلة فإنه يرجع على البائع بالكلفة لأنه قام البائع بما لا بد له منه.
وعليه؛ فالأثاث أثاث الرجل لا يحق لك منعه منه، ولك عليه نفقة البنت وأجرة رضاعها إن كانت مرضعة، وذلك لأن الاتفاق الحاصل بينكما لا عبرة به ولا يترتب عليه أثر لما بينا، وهذا كله على فرض أن الإبراء كان في مقابل تركه للأثاث، وأما إذا لم يكن هناك اتفاق على ترك الأثاث مقابل الإسقاط المذكور فيكون في المسألة تفصيل.. وهو إن كان تركه للأثاث على سبيل المتعة أو العطية دون مقابل فليس له حق المطالبة به، لأنه إما متعة متعك بها وهي حق من حقوق المطلقة أو هبة وقد حزتها، وعلى كلا الاحتمالين لا حق له في المطالبة بها، وأما إن كان على سبيل هبة الثواب فله المطالبة به إن لم يرض الثواب أو لم يدفع له ثواب أصلاً في قول بعض أهل العلم، وإن أطلق فلم يقيد بثواب ولا غيره ففي ذلك تفصيل أيضاً بينه أهل العلم، قال العدوي في حاشيته: والقسم الثالث من أقسام الهبة لم يذكره الشيخ وهو ما لم يقيد بثواب ولا عدمه، ونص عليه في الجلاب بقوله: ومن وهب هبة مطلقاً وادعى أنه وهبها للثواب نظر في ذلك وحمل على العرف، وإن كان مثله يطلب الثواب على الهبة صدق مع يمينه، وإن كان مثله لا يطلب الثواب على هبته فالقول قول الموهوب له مع يمينه، وإن أشكل ذلك واحتمل الوجهين فالقول قول الواهب مع يمينه. انتهى.
وبما أننا نجهل ما جرى بين السائلة وزوجها ونجهل أيضاً حالة الرجل هل هو ممن يطلب الثواب على هبته أو لا كما نجهل العرف السائد في بلد السائلة على افتراض أن ما وقع كان هبة وليس عقد معاوضة، فإننا لا نستطيع أن نفتيها بحقها في رفض طلب الرجل للأثاث المذكور وعدم تمكينه منه، وننصحها بمراجعة أهل العلم في بلدها ومشافهتهم بالسؤال عنها، فالمسائل التي تخضع للعوائد والأعراف والحالات الفردية أدرى بها أهل بلدها.
والله أعلم.