عنوان الفتوى : المراد بالخطاب في قوله تعالى: (إنا سنلقى عليك قولًا ثقيلًا)
السؤال
يقول الله تعالى في سورة المزمل: (إنا سنلقى عليك قولًا ثقيلًا)، فهل المقصود بـ (سنلقي عليك) النبي فقط، أم إن الله سبحانه تعالى يقول: إن كل من صلى تلك الصلاة فضلًا منه على من يصلي أنه سيلقي عليه قولًا ثقيلًا؟ ولو كانت للنبي فقط، فهل معنى ذلك أن سورة المزمل من بدايتها للنبي فقط، أم للمؤمنين عامة؟ وشكرًا جزيلًا لكم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالخطاب في قوله تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا {المزمل:5} للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة دون غيره، كما أن الأمر بقيام الليل في بداية سورة المزمل قد اختص وجوبه بالنبي صلى الله عليه وسلم، جاء في التحرير والتنوير لابن عاشور عند تفسير قوله تعالى: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا {المزمل:2}: وأمر الرسول بقيام الليل أمر إيجاب، وهو خاص به؛ لأن الخطاب موجه إليه وحده، مثل السور التي سبقت نزول هذه السورة، وأما قيام الليل للمسلمين، فهم اقتدوا فيه بالرسول صلى الله عليه وسلم، كما سيأتي في قوله تعالى: إن ربك يعلم أنك تقوم إلى قوله: وطائفة من الذين معك... الآيات.
وقد استمر وجوب قيام الليل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فرض الصلوات الخمس؛ تعظيمًا لشأنه بكثرة الإقبال على مناجاة ربه في وقت فراغه من تبليغ الوحي، وتدبير شؤون المسلمين، وهو وقت الليل، كما يدل عليه قوله تعالى: ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا. أي: زيادة قرب لك، وقد تقدم في سورة الإسراء. فكان هذا حكمًا خاصًّا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكره الفقهاء في باب خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن واجبًا على غيره، ولم تفرض على المسلمين صلاة قبل الصلوات الخمس، وإنما كان المسلمون يقتدون بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يقرّهم على ذلك، فكانوا يرونه لزامًا عليهم، وقد أثنى الله عليهم بذلك في آيات كثيرة، كقوله تعالى: تتجافى جنوبهم عن المضاجع. اهـ.
وقال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: (إنا سنلقي عليك قولًا ثقيلًا) هو متصل بما فرض من قيام الليل، أي: سنلقي عليك بافتراض صلاة الليل قولًا ثقيلًا يثقل حمله؛ لأن الليل للمنام، فمن أمر بقيام أكثره، لم يتهيأ له ذلك إلا بحمل شديد على النفس، ومجاهدة للشيطان، فهو أمر يثقل على العبد. وقيل: إنا سنوحي إليك القرآن، وهو قول ثقيل يثقل العمل بشرائعه. قال قتادة: ثقيل والله فرائضه وحدوده. مجاهد: حلاله وحرامه. الحسن: العمل به. أبو العالية: ثقيلًا بالوعد والوعيد، والحلال والحرام. محمد بن كعب: ثقيلًا على المنافقين. وقيل: على الكفار؛ لما فيه من الاحتجاج عليهم، والبيان لضلالتهم، وسبّ آلهتهم، والكشف عما حرفه أهل الكتاب. اهـ باختصار.
وراجع لمزيد الفائدة الفتوى: 76679.
والله أعلم.