عنوان الفتوى : الصلوات التي اختص بها النبي دون أمته
ما الصلاة التي فرضت على النبي خاصة، وكانت نفلا على الأمة.؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف أهل العلم في وجوب قيام الليل والوتر وصلاة الضحى وركعتي الفجر على النبي صلى الله عليه وسلم خاصة دون الأمة، فمنهم من يرى اختصاصه بوجوب بعضها، ومنهم من يرى اختصاصه بوجوبها كلها، فقد عد المالكية من خصائصه صلى الله عليه وسلم وجوب الضحى والتهجد وكذلك الوتر في الحضر لا في السفر، وهو قول لبعض علماء الشافعية، قال خليل بن إسحاق في مختصره في الفقه المالكي: خص النبي صلى الله عليه وسلم بوجوب الضحى والأضحى والتهجد والوتر بحضر. انتهى.
وفي المذهب الشافعي أيضا يختص صلى الله عليه وسلم بوجوب الضحى والوتر والتهجد على خلاف في الأخير وهو التهجد فقد قيل بنسخه.
قال الشربيني في مغني المحتاج وهو يذكر خصائص النبي صلى الله عليه وسلم: وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا: الْوَاجِبَاتُ، وَهِيَ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ. مِنْهَا: الضُّحَى، وَالْوَتْرُ، وَالْأُضْحِيَّةُ، وَالسِّوَاكُ، انتهى. وقال الشيخ زكريا الأنصاري في الغرر البهية شرح البهجة الوردية: (وَ) خُصَّ بِوُجُوبِ (نَفْلِ لَيْلٍ) وَإِنْ قَلَّ وَهُوَ التَّهَجُّدُ؛ لقوله تعالى: {وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَك} وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ. ثُمَّ قَالَ: وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ نُسِخَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّهِ كَمَا نُسِخَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَوْ الصَّحِيحُ.. انتهى.
كما ذهب الحنابلة إلى القول بوجوب الوتر والتهجد على أنه غير الوتر وركعتا الضحى والرغيبة على النبي صلى الله عليه وسلم دون الأمة على خلاف عندهم في وجوب قيام الليل وصلاة الضحى، قال في كشاف القناع ممزوجا بمتن الإقناع في الفقه الحنبلي: خُصَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِوَاجِبَاتٍ وَمَحْظُورَاتٍ وَمُبَاحَاتٍ وَكَرَاهَاتٍ قَالَهُ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) وَقَدْ بَدَأَ مِنْهَا بِالْوَاجِبَاتِ فَقَالَ (فَالْوَاجِبَاتُ الْوِتْرُ) لِخَبَرِ { ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ وَلَكُمْ تَطَوُّعٌ النَّحْرُ وَالْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الضُّحَى } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَقَلُّ الضُّحَى لَا أَكْثَرُهُ، وَقِيَاسُهُ فِي الْوِتْرِ كَذَلِكَ. قِيلَ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ لِأَنَّهُ نَهَى عَنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى رَكْعَةٍ (وَهَلْ هُوَ) أَيْ الْوِتْرُ (قِيَامُ اللَّيْلِ أَوْ غَيْرُهُ احْتِمَالَانِ الْأَظْهَرُ الثَّانِي) أَيْ أَنَّ الْوِتْرَ غَيْرُ قِيَامِ اللَّيْلِ لِحَدِيثٍ سَاقَهُ ابْنُ عَقِيلٍ { الْوِتْرُ وَالتَّهَجُّدُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ } قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فَرَّقَ أَصْحَابُنَا هُنَا بَيْنَ الْوِتْرِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ... انْتَهَى، إلى أن قال: (وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { ثَلَاثٌ كُتِبَتْ عَلَيَّ وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ الْوِتْرُ وَالنَّحْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (وَفِي الرِّعَايَةِ وَالضُّحَى) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، وَرَدَّ بِضَعْفِ الْخَبَرِ وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ { أَنَّهُ لَمْ يُدَاوِمْ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى } (وَغَلَّطَهُ الشَّيْخُ) قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ يُوَاظِبُ عَلَى الضُّحَى بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ بِسُنَّتِهِ. إلى أن قال (وَقِيَامُ اللَّيْلِ لَمْ يُنْسَخْ) وُجُوبُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ، قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ، وَقِيلَ نُسِخَ جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعَبِ، قَالَهُ فِي الْإِنْصَاف انتهى .
والله أعلم