أرشيف المقالات

القصص في القرآن الكريم والسنة النبوية

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
القصص في القرآن الكريم والسنة النبوية
 
أ- القصص في القرآن الكريم:
القَصَصُ القرآني في اصطلاح العلماء بالقرآن الكريم هو: "إخبار الله عمَّا حَدَثَ للأُمَمِ السابقة مع رُسُلِهم، وما حَدَثَ بينهم وبين بعضهم، أو بينهم وبين غيرهم أفرادًا وجماعات، من كائنات بشريَّة أو غير بشريَّة، بحقٍّ وصِدْقٍ، للهداية والعِظة والعِبْرة"[1]، يؤيد ذلك قوله تعالى: ﴿ كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ ﴾ [طه: 99].
 
وتتميَّز القصص في القرآن الكريم بأنها كُلُّها حَقٌّ وصِدْقٌ، لا كذب فيه ولا افتراء، ولا مجال فيه للخيال أو الوَهْم أو المبالغة؛ لأنه من كلام الحكيم الخبير؛ قال عز وجل: ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ﴾ [آل عمران: 62].
 
من مقاصد القصص في القرآن الكريم:
1- الدعوة إلى التوحيد:
أرسل الله الرسل للدعوة إلى توحيده عز وجل، وأن الدِّين الذي جاء به جميعُ الرُّسُل واحدٌ، وأن المؤمنين كلَّهم أُمَّةٌ واحدةٌ؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25].
 
2- الإخبار عن تاريخ بعض الأمم الماضية:
وإلقاء الأضواء على حوادث غيبيَّة مهمة جدًّا، لم يكن يَدْرِ بها النبي صلى الله عليه وسلَّم، ولا أحدٌ من قومه؛ قال جل من قائل: ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ﴾ [آل عمران: 44].
 
3- تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم وتسليته عما كان يؤلمه ممَّا يُلاقيه:
بالإخبار بجهود الأنبياء والرسل في سبيل نشر دعوتهم، وصراعهم مع أقوامهم، ومدى استجابتهم لهم وإعراضهم عنهم، ونصر الله لأنبيائه؛ قال تبارك وتعالى: ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ [هود: 120]، ويدخُل بهذا تثبيت ونفع حركة الحياة الإيمانية[2].
 
4- إثبات نبوَّة وصِدْق الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام:
وما دام عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيكون مع كل الأجناس البشرية الذين تفرَّقُوا من قبل على الرسل من إخوانه، فلا بد أن يُوضِّح سبحانه للرسول صلى الله عليه وسلم ولأُمَّته من بعده أنَّه حدث مع الرسول فلان كذا، وكان مبعوثًا إلى قوم كان موقفهم منه كذا[3].
 
5- إثبات عقيدة البعث والجزاء ورفْع الشك عنها:
ويبدو ذلك واضحًا جليًّا في قصة الذي مرَّ على القرية الخاوية؛ كما قل عزَّ وجل: ﴿ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ [البقرة: 259].
 
6- إظهار سُلْطان الله وقدرته وقوَّته القاهرة:
من حيث بيان القدرة في الإعطاء والمنع والمعجزات وهلاك المذنبين في تعجيل العذاب، كإعجاز ولادة نبي الله عيسى عليه السلام؛ كما جاء في الكتاب العزيز: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا ﴾ [مريم: 16].
 
تَكرار بعض القصص في القرآن:
توجد بعض الحِكَم من هذا، منها:
1- يان أهمية تلك القصة؛ لأن تكرارها يدلُّ على العناية بها.
2- توكيد تلك القصة لتَثْبُتَ في قلوب الناس.
3- بيان بلاغة القرآن في ظهور هذه القصص على هذا الوجه، وذاك الوجه على ما تقتضيه الحال[4].
 
ب.
القصص في السنة النبوية:
القصة في السنة النبوية التي جاءت على لسان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم تسير في نفس مسار القصص القرآني، وتقتفي أثره؛ إذ كلاهما من عند الله، وهي من القصص الحق: ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ﴾ [آل عمران: 62].
وكثيرًا ما كان صلى الله عليه وسلم يُعلِّم أصحابَه بطريق القَصَص والوقائع التي يُحدِّثُهم بها عن الأقوام الماضين.
 
وتنقسم القصة في الحديث النبوي الشريف إلى[5]:
1- القصة الواقعة للرسول صلى الله عليه وسلم:
فهي أحداث وتجارب ذاتية وقَعَتْ للرسول صلى الله عليه وسلم في فترات مختلفة من حياته، وفي ظروف مختلفة أيضًا؛ كقصة الإسراء والمعراج؛ حيث حكى فيها الحبيب صلى الله عليه وسلم ما حدث له فيها.
 
2- القصة التمثيليَّة:
فهذا النوع يضرِبه الرسول صلى الله عليه وسلم مثالًا للفكرة المطروحة أو القضية المقررة، سواء وقع هذا المثال على أرض الواقع أو لم يقع؛ فالقصة التمثيلية تُصوِّر وقائعَ وأحداثًا قد نتصوَّر وقوعَها وقد تقع على أرض الواقع، ويستسيغ العقل وقائعها؛ كقوله عليه صلوات ربي وسلامه: ((مَثَلُ القائمِ على حُدُودِ اللَّهِ والواقع فيها، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا على سفينةٍ...
)[6].
والقصة النبوية وسيلة من وسائل التصوير، ثُمَّ إن التصوير بالقصة من أجمل الأساليب وأعمقها أثرًا في النفس[7].
 
3- القصة الغيبيَّة:
وهي التي تتناول أحداثًا ووقائعَ من صميم الغيب، مستمدَّة من مشاهد الآخرة، وهي غيب سواء وقعت في الماضي البعيد، أو ستقع في المستقبل في نهاية الحياة، وهي بالنسبة للإنسان غيب مجهول، كخبر الدجَّال.
وهذه الثلاثة أنواع طرحها الرسول المعلم صلى الله عليه بأساليب وطرق مختلفة.
والمقاصد للقصص النبوية تسير في مسار وسياق القصص القرآني.
 
الواقعية في القصص القرآني والنبوي:
إن القصص القرآنية والحديثيَّة تُمثِّل الصورة الواقعية والعملية التي ترسُم التعاليم القرآنية في مشاهد نابضة بالحياة، وكثير من الناس يرون الحقَّ من خلال الواقع العملي أكثر ممَّا يعرفونه من خلال التعاليم المجردة[8].



[1] بلبول، عبد الباسط؛ القصص القرآني، ص 36.


[2] الشعراوي، تفسير الشعراوي، ج1، ص236.


[3] (المرجع نفسه)، ج5، ص2833.


[4] ابن عثيمين، محمد؛ تفسير الفاتحة والبقرة، ج1، ص59.


[5] بنية الزمان والمكان في قصص الحديث النبوي الشريف، سهام سديرة (ص12-13).


[6] صحيح البخاري لأبي عبدالله البخاري، كتاب: الشركة، باب: هل يقرع في القسمة والاستهام فيه (3/ 139) رقم الحديث: 2493.


[7] الصباغ، محمد؛ التصوير الفني في الحديث النبوي، ص 498-499.


[8] الأشقر، صحيح القصص النبوي، ج1، ص15.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن