التقريظ والانتقاد
مدة
قراءة المادة :
15 دقائق
.
(الحديث)
مجلة: (تبحث في الآداب والتاريخ والعلوم الاجتماعية) أنشأها
في حلب كل من سامي أفندي الكيالي وهو محررها ومديرها المسئول , وأدمون
أفندي رباط.
قيمة الاشتراك فيها 75 قرشًا , وإنه ليسرنا أن تكثر المجلات العلمية والأدبية
في أمتنا , ولكن يسوءنا أن يكون بعض هذه المجلات أضر على الأمة من بعض
الجرائد السياسية التي تخدم الأجانب الضراة باستعبادها واستعمار بلادها، وتمهد
لهم السبيل لذلك , فإن جمهور الأمة يسهل عليه أن يدرك خيانة هؤلاء , فإن ثوب
الوطنية المزور الذي يلبسونه نهنهٌ يشف عما وراءه، وأما إفساد المجلات والجرائد
لتكوينها بتقطيع الروابط التي توحد جمعها وتجمع كلمتها من دين ولغة وأدب
وتشريع وهو ما نعبر عنه بمقوماتها، ومن عادات وأزياء وهو ما نعبر عنه
بمشخصاتها، فلا يدرك كنهه ويحيط بمفاسده إلا أفراد قليلون، ذلك بأن أولئك
المفسدين يدعون أنهم يخدمون العلوم والآداب ويرقونها لتنهض بها الأمة إلى
مستوى الأمم العزيزة الراقية، ويقل من يدرك أنهم يخربون بيوتها بأيديها وأيدي
أعدائها من حيث يعجزون عن بناء بيوت أخرى لها تكون خيرًا مما هدموا.
ذلك مثل بعض محرري جريدة السياسة ومجلة الهلال بمصر كسلامة موسى
وطه حسين ومحمود عزمي … المنتحلين لأنفسهم صفة تجديد الثقافة، وإننا نرى
مجلة الحديث السورية معجبة بهؤلاء منوهة بآرائهم مثنية عليهم، فإن كان محررها
العريق في هذه الأمة العربية، الأصيل في بيوتات هذه الملة الإسلامية، غير مقلد
لهؤلاء الواغلين عليهما، الأدعياء فيهما، الذين لا ينزع بهم عرق غيرة عليهما ,
ولا موافق لهم في كل رأي من آرائهم، ولا مائل مع كل ريح من أهوائهم، وهو ما
نعتقده في نفي الكلية لا الكل المنطقيين فلماذا لا يفتأ ينوه بهم، بما يغري قراء
مجلته باتباع خطتهم، وهي ما يسمونه الثقافة الجديدة التي يحكمونها في كل ما
أشرنا إليها من مقومات الأمة ومشخصاتها، وبذلك كانوا دعاة هدم وإفساد فيها؟
الثقافة في اللغة مصدر ثقف الرجل (كضخم) أي صار ثقفًا وثقيفًا , ويقال
ثقف (كتعب) أيضًا أي صار ثقفًا أي حاذقًا خفيفًا، وهذا الحذق والخفة اللذين
يدعو إليهما هؤلاء الملاحدة مفسدة ظاهرة للأمة الإسلامية وشعوبها , ولا سيما
العربية ذات التشريع العادل والتاريخ المجيد، غايتهما تقليد ملاحدة الإفرنج وفساقهم
فيما يشكو منه جميع عقلائهم وحكمائهم، وهو فيهم عرض من أعراض الترف
والثروة والسيادة والملك الواسع، فلو لم يكن في نفسه مفسدة لكان ضارًّا للشعوب
الضعيفة الفقيرة الجاهلة كشعوبنا، فكيف وهو الذي أفسد شعوب المدنيات القديمة
ذات البأس والقوة، ولا يشك حكماء أوربة اليوم بأنه سيفسد مدنيتهم في زمن لم يعد
بعيدًا حتى إن بعضهم يعد عمر بعض الدول الكبرى بعشرات السنين، ولدينا عنهم
نقول كثيرة في ذلك قد نشرنا بعضها.
هذا , وإن هؤلاء الدعاة للثقافة الجديدة التي تشمل في استعمالهم ثمرة العلوم
والفنون والآداب والأديان ليس لأنفسهم حظ منها إلا بعض مدلولها اللغوي , وهو
الخفة الشبيهة بخفة الصبيان فهم عاقون لأمتهم هادمون لهدايتها وتشريعها وآدابها ,
بل ساعون لابتلاع الإفرنج لها، ومنهم المستخدمون لذلك , وهم يوهمون الناس في
هذه الأيام أنهم مبدعو هذه الدعوة في بلادهم , وليس كذلك بل ابتدعها في مصر
الخديو إسماعيل اغترارًا بزينتها وشهواتها , فهو أول من أراد أن يجعل مصر
أوربية , وله في ذلك كلمة مشهورة , فكان أول ثمرة منها جناها فقد ملكه، وأما جده
محمد علي فإنما أخذ عن أوربة أسباب الثروة من صناعة وزراعة وأسباب القوة،
وهو الواجب على كل شعب شرقي يملك أمر نفسه دون تقليد القردة في الأزياء
والزينة والعادات وحرية الفسق والفجور والكفر التي يدعو إليها منتحلو الثقافة
الجديدة، وإنا لنرجو من مجلتنا السورية الجديدة التي لا يملك هو ولا غيره من
أهل وطنه شيئًا من أمر تعليم الشعب ولا تربيته ولا إدارته ولا سياسته أن يحرر
أولاً تحديد الثقافة والتجديد الذي يحييه , ويجعله شعبا حرًّا قويًّا؟ فإنا لنضن بابن
الكيالي الكريم أن يكون مقلدًا لسلامة موسى ومحمود عزمي وطه حسين الذي لا
وطن لهم ولا ملة ولا أمة عليهم.
***
(العصور)
(مجلة انتقادية في الأدب والعلم والسياسة، محررها وصاحب امتيازها
إسماعيل مظهر) تصدر بمصر في كل شهر إفرنجي , وقيمة الاشتراك فيها كل سنة
60 قرشًا في مصر و15 شلنًا في سائر الأقطار.
إسماعيل مظهر بك شاب بحاث في العلوم العصرية عاشق لها , وقد جعل
عنوان مجلته المبين لغرضه منها قوله الذي ينشره تحت عنوانها في كل جز منها:
(حرر فكرك من كل التقاليد والأساطير الموروثة حتى لا تجد صعوبة ما في رفض
رأي من الآراء أو مذهب من المذاهب، اطمأنت إليه نفسك، وسكن إليه عقلك، إذا
انكشف لك من الحقائق ما يناقضه) .
هذا عنوان فلسفي حسن , ونصيحة أحاول الجري عليها في جميع أبحاثي
حتى الدينية منها، ولكن لا أدري أفهمي لها موافق لفهم كاتبها أم مخالف له؟ ،
التقاليد في عرف علمائنا هي العادات الموروثة , وكل رأي غير قطعي يتبع فيه
الإنسان من لا يمتاز عليه بعصمته عن الخطأ في تبليغ عن الله تعالى، فهو يتبعه
بغير دليل , والأساطير هي أخبار الأوائل المسطورة في الكتب الخرافية التي لا
يثبت فيها نقل، ولا يعرف لها أصل، والمذهب هو طريق من طرق الاستدلال
الاجتهادية التي لم تصل عندك إلى درجة اليقين، الحقائق جمع حقيقة وهي ما ثبت
باليقين والقطع , والنقيضان هما الأمران اللذان لا يجتمعان ولا يرتفعان كإثبات
الشيء ونفيه في حال واحدة وزمن واحد إلخ ما هو مقرر في علم المنطق من
شروط التناقض.
فالقرآن وما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم من أمر الدين لا يدخل عندنا
من التقاليد ولا الآراء ولا المذاهب، فضلا عن الأساطير، فإذا كان فهمنا لكل ما
ذكر واحدًا، فإن عنوان مجلته لا يعارض ديننا الإسلامي في عقائده وأصوله ولا في
فروعه الاجتهادية أيضًا.
وذلك أن نؤمن برب وإله واحد نعبده ولا نعبد غيره، ونؤمن بأن محمدًا عبده
ورسوله وخاتم النبيين وأن القرآن كتابه المنزل الثابت بالتواتر القطعي عن رسوله
صلى الله عليه وسلم نؤمن بما دل عليه دلالة قطعية، ونأخذ بظاهر ما دل عليه
دلالة ظنية، إلا إذا عارضه دليل قطعي يبيح لنا حمله على مجاز أو كناية تتفق مع
الدليل القطعي المعارض , وكذلك نأخذ بكل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم
من أمر الدين بالدليل القطعي رواية ودلالة ونستعمل اجتهادنا فيما روي عنه من
الظني فيهما. وفي هذه الحالة لا يجوز له أن ينشر في مجلته ما يشكك القراء في الدين الذي هو الوازع النفسي لاجتناب الفواحش والمنكرات , واستحلال الأموال والأعراض، والتحلي بالفضائل والأعمال الصالحات، بل لا يباح هذا الإفساد في الأمة لعاقل , فإن الفلسفة الحق تحظره أيضًا كما بينه الفيلسوف العربي الكبير ابن رشد بما معناه أن الفيلسوف لا يبيح لنفسه البحث في حقيقة الدين وصحته لأنه عبارة عن التشكيك في الفضيلة , ومحاولة البحث هل هي ثابتة أم لا.
الناس يمكنهم التشكيك في كل شيء وقد فعلوا، فإذا أرادوا أن يشككوا في فائدة علم الطب مثلاً فإنهم يجدون على ذلك شبهات كثيرة وحقائق ووقائع صحيحة تشكك غير المحقق في ذلك , ولكنهم يكونون في ذلك مفسدين جانين على الناس، وإن نفع الدين للبشر فوق نفع الطب فالتشكيك فيه أشر وأضر، وأدهى وأمر. وإننا مع هذا نسأل صاحب العصور الواسع الاطلاع أن يعد لنا كل ما أجمع علماء الغرب وعقلاؤهم عليه , ويعدونه من حقائق العلوم القطعية التي يجزمون بأنه لا يمكن الارتياب فيها ولا الرجوع عنها، أو كل ما يعلمه من ذلك ليعلم قراؤه منه ما الذي يجب ترك كل مذهب وكل رأي يخالفه لأجله، ولنرى نحن علماء الدين الإسلامي والدعاة إلى هدايته والمدافعين عنه رأينا في موافقته أو مخالفته لقطعيات الإسلام وما هو بين هذا وذاك، وأما إطلاق المشككات في هداية الدين تلذذًا بنظريات بعض الباحثين، فهو فتنة في الأرض وفساد كبير، فعسى أن يتأمل فيلسوفنا الشاب في ذلك ويراعيه فيما ينقله إلينا من علوم الغرب الناضجة. *** مطبوعات المطبعة العصرية لصاحب المطبعة العصرية المتقنة إلياس أفندي أنطون إلياس عناية بنشر الكتب والرسائل التي يصح أن توصف بالعصرية كمطبعته وهذه طائفة منها أهداها إلينا. (التربية الاجتماعية) تأليف علي أفندي فكري أمين دار الكتب المصرية وموضوعه الآداب التي تجب مراعاتها في هذا العصر بين أصناف الناس من شخصية ومنزلية واجتماعية ووطنية ودينية وآداب المحادثة والمناظرة والمراسلة والمرافعة والضيافة والزيارة والتهنئة والتعزية وجميع أنواع الاجتماع، والكتاب مؤلف من 200 صفحة ونيف بقطع رسالة التوحيد، وهو يطلب من طابعه ومن مكتبة المنار وثمن النسخة منه 10 صاغ. *** (المرأة الحديثة وكيف نسوسها) بقلم الكاتب القانوني الاجتماعي (عبد الله حسين الخريج في الحقوق والعلوم السياسية) وفيه فصول عن المرأة الإنكليزية للموسيو (جلليكان) افتتح هذا الكتاب مؤلفه بمقدمة في وجه الحاجة إلى مباحثه , وخلاصة تلك المباحث وهي في عشرين فصلاً: (1) في الخلاف بين الجنسين في القبائل الوحشية والحب والبغض وكونهما يوجدان معًا. (2) في سوء التفاهم الدائم بين الجنسين ومن مباحثه: المرأة والدين، المرأة والفن , ظلم النساء. (3) الزوجان في الحب. (4) الحرب الزوجية , ومن مباحثه: الزواج الأمثل، رأي المرأة الحديثة في الزوجية، الزواج في الحال والاستقبال، المقابلة بين الحياة الزوجية والمعاشرة الحرة أي السفاح واتخاذ الأخدان. (5) العراك في الأسرة. (6) النزاع في الكسب , وفيه الكلام في احترام النساء ونتائجه. (7) المعركة السياسية، ومن مباحثه الخوف من حكم النساء , تطلع المرأة إلى الحرية , عداء الرجال باستعمال القوة في الحرب الجنسية. (8) هل السلام ممكن؟ ذات بين الزوجين. (9) المرأة والكتاب , ومن مباحثه: المقابلة بين المرأتين الإنكليزية والمصرية , مسائل المرأة في العالم الواحد، الحب وَهْم. (10) صفات الزوجية , ومن مباحثه: الزواج ليس ضروريًّا دائمًا , خطر النسل على هناء الزوجية , المرأة تحت القوة , الفتور في الزوجية. (11) اختيار المرأة خطيبها , ومن مباحثه: تعدد الزوجات , والطلاق , جهل الفتاة بخداع الشبان. (12) مطالب المرأة المصرية يعني مطالب جماعة الاتحاد النسائي كحقوق الانتخاب ومنع تعدد الزوجات والطلاق. (13) الأمانة الزوجية، ومن مباحثه: احتكار الرجل لزوجه، وذوبان حمية الرجولية في هذا العصر، وخطر الجناية على الأمانة الزوجية وهو انحلال الأسرة، وفضائح الأسرة الكبيرة في أوربة ومصر. (14) الزواج والطلاق. (15) هل تتزوج؟ , ومن مباحثه: الرغبة عن الزواج وعللها , انتشار الفجور، الراحة في الحياة الطليقة، كثرة المشاكل الزوجية، الجمال الزائل , الأولاد، الاستقلال عند الرجل والمرأة. (16) بمن نتزوج؟ (17) الزواج بالأجنبيات. (18) المناعة الجنسية , وهو فصل مهم لا يدل عنوانه على مباحثه , وهي شكاية الأخلاق الفاضلة سيئات اللهو غير الشرعي، مشاكل الخليلات (أي ذوات الأخدان) … والصحة والشهوة الجنسية والعفاف، وأهمه قرارات المؤتمرات الطبية والمجامع الدولية في فضل العفاف وبحث طبي في ذلك. (19) البغاء، ومن مباحثه: أسبابه الثمانية , وتشريعه في أوربة , واستحالة مقاومة البغاء. (20) الرقص. وقد طالعنا هذا الكتاب المهم , ونتربص فرصة لإبداء رأينا التفصيلي فيه، وأما الرأي الإجمالي فهو أنه مثال للاضطراب والذبذبة اللذين أحدثهما العلم العصري الناقض , وإهمال التربية , وإن جميع ما يشرحه الكتاب من مشكلات الحياة الزوجية لا علاج له إلا في التربية الإسلامية الصحيحة مع العلم الصحيح الناضج كما بيناه من قبل في مقالاتنا (الحياة الزوجية المنشورة في مجلد المنار الثامن وغيرها وصفحات الكتاب 256 ما عدا فهرسه من قطع رسالة التوحيد , وهو يطلب من مكتبة المنار. *** مجلة وجريدة شابتان رباعيتان: (مجلة الزهراء) أتمت مجلة الزهراء ثلاث سنين من عمرها , ودخلت في سنتها الرابعة حسنة النبتة، راسخة الشجرة، يانعة الثمرة، تخدم النهضة العربية العصرية خدمة صالحة، على خبرة وبصيرة، يتوخى منشئها الكاتب البارع محب الدين أفندي الخطيب فيما ينشئه بقلمه وما ينشره لغيره كل ما يفيد أدب اللغة وأدب النفس وأدب الاجتماع، ويجتنب كل ما يزلزل العقائد أو يفسد الأخلاق، مما يكثر في المجلات والجرائد في هذه الأيام، ويمده في اجتهاده كثير من الكتاب المجيدين، والشعراء النابغين، الذين عرفوا قيمة خدمته، أو أعجبوا بأدبه وهمته، فكيف بمن جمعوا بين الأمرين، وبلغوا منها مجمع البحرين، فنسأله تعالى أن يزيدنا وإياه علمًا نافعًا، وعملاً صالحًا، وينصرنا في جهادنا على أعداء أمتنا، الذين يهاجمونها في دينها ولغتها وسائر مقوماتها ومشخصاتها، وأكثرهم من الأدعياء فيها، والمدعين لخدمتها وتجديد شبابها، ألا لعنة الله على الكاذبين. *** (جريدة الشورى) أَتَمَّتْ جريدة الشورى ثلاث سنين من عمرها , ودخلت في سنتها الرابعة , وهي تنبت نباتًا حسنًا , وتزداد في كل عام نموًا وتأثيرًا وفائدة على اضطهاد بعض الحكومات الاستعمارية لها , ومنعها إياها من دخول البلاد التي ابتليت بحكمها، حتى صار لها من موارد الأخبار ومصادر الانتشار وثقة الأحرار ما ليس للجرائد اليومية المعمرة , فنهنئ صاحبها محمد علي أفندي الطاهر بنجاحه على حين نرى الجرائد الحديثة في كل عام تولد فلا تلبث توأد، زاده الله نجاحًا وتوفيقًا. رجب - 1346هـ يناير - 1928م