فضائل الصيام (٢)
مدة
قراءة المادة :
14 دقائق
.
فضائل الصيام (٢)الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وجميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد كنت جمعت شيئًا من فضائل الصيام (1)، وهذه جملة أخرى طيبة، فأقول: منها:
الصيام سبب للمغفرة والأجر العظيم:
قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 35].
الصيام ركن من أركان الإسلام:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان))؛ أخرجه البخاري رقم: (٨)، ومسلم رقم: (١٦).
وعن طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه قال: ((جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أهل نجد ثائر الرأس، يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول، حتى دنا، فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال: هل عليَّ غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوَّع، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وصيام رمضان، قال: هل علي غيره؟ قال: لا، إلا أن تطوع، قال: وذكر له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الزكاة، قال: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع، قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أفلح إن صدق))؛ أخرجه البخاري رقم: (٤٦)، ومسلم رقم: (١١).
الصيام أُمرنا به:
قال الله عز وجل: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم وفد عبدالقيس، فقالوا: يا رسول الله، إنا هذا الحي من ربيعة، بيننا وبينك كفار مضر، فلسنا نصل إليك إلا في الشهر الحرام، فمرنا بأمر نأخذ به وندعو إليه من وراءنا، قال: ((آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع، الإيمان بالله: شهادة أن لا إله إلا الله، - وعقد بيده - وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تؤدوا لله خمس ما غنمتم، وأنهاكم: عن الدباء، والنقير، والحنتم، والمزفت))؛ أخرجه البخاري رقم: (٣٠٩٥).
وبنحوه في صحيح مسلم رقم: (١٨) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
الصيام سهم من سهام الإسلام:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن للإسلام صوى ومنارًا كمنار الطريق، منها: أن تؤمن بالله ولا تشرك به شيئًا، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تسلم على أهلك إذا دخلت عليهم، وأن تسلم على القوم إذا مررتَ بهم، فمن ترك من ذلك شيئًا، فقد ترك سهمًا من الإسلام ومن تركهنَّ كلهنَّ فقد ولَّى الإسلام ظهره))؛ أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في "كتاب الإيمان"، (رقم الحديث 3 بتحقيق الألباني)، وهو في السلسلة الصحيحة رقم: (٣٣٣).
الصيام يباعد صاحبه من عذاب الله عز وجل:
عن أبي المنتفق قال: ((أتيت مكة، فسألت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقالوا: هو بعرفة، فأتيته فذهبت أدنو منه فمنعوني، فقال: اتركوه، فدنوت منه، حتى إذا اختلفت عنق راحلته وعنق راحلتي، فقلت: يا رسول الله، نبِّئني بما يباعدني من عذاب الله، ويدخلني الجنة؟ قال: تعبد (وفي رواية: اعبد) الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان، وتحج وتعتمر، وانظر ما تحب من الناس أن يأتوه إليك، فافعله بهم، وما كرهت أن يأتوه إليك، فذرهم منه))؛ أخرجه الدولابي وغيره وهو في السلسلة الصحيحة رقم: (٣٥٠٨).
الصيام من أسباب المغفرة:
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((من لقي الله لا يشرك به شيئًا، يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان، غفر له.
قلت: أفلا أبشِّرهم يا رسول الله؟! قال: دعهم يعملوا"؛ أخرجه الإمام أحمد (٥/ ٢٣٢)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم: (١٣١٥).
الصيام يرفع صاحبه درجات:
عن طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه قال: ((قدم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلان من بلي، فكان إسلامهما جميعًا واحدًا، وكان أحدهما أشدَّ اجتهادًا من الآخر، فغزا المجتهد فاستشهد، وعاش الآخر سنة حتى صام رمضان، ثم مات فرأى طلحة بن عبيدالله خارجًا خرج من الجنة، فأذن للذي توفي آخرهما، ثم خرج فأذن للذي استشهد، ثم رجع إلى طلحة فقال: ارجع فإنه لم يأنِ لك فأصبح طلحة يحدِّث به الناس، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فحدثوه الحديث وعجبوا، فقالوا: يا رسول الله، كان أشد الرجلين اجتهادًا، واستشهد في سبيل الله، ودخل هذا الجنة قبله، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:أليس قد مكث هذا بعده بسنة؟ قالوا: نعم، قال: وأدرك رمضان فصامه وصلَّى كذا وكذا في المسجد في السنة؟ قالوا: بلى قال: فلما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض)؛ أخرجه ابن حبان رقم: (٢٩٧١)، وصححه الألباني.
الصيام لصاحبه فرح في الدنيا والآخرة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقِي ربَّه فرِح بصومه)؛ أخرجه البخاري رقم: (١٨٩٤)، ومسلم رقم: (١١٥١).
وعن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله عز وجل يقول: ((إن الصوم لي وأنا أجزي به))، ((إن للصائم فرحتين: إذا أفطر فرح، وإذا لقي الله فرح))؛ أخرجه مسلم رقم: (١١٥١).
الصيام سبب من أسباب دخول الجنة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من آمن بالله وبرسوله، وأقام الصلاة، وصام رمضان، كان حقًّا على الله أن يدخله الجنة...))؛ أخرجه البخاري رقم: (٢٧٩٠).
وعن أبى أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((من جاء يعبد الله، ولا يُشرك به شيئًا، ويُقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويجتنب الكبائر، كان له الجنة، فسألوه عن الكبائر؟ فقال: الإشراك بالله، وقتل النفس المسلمة، والفرار يوم الزحف))؛ أخرجه النسائي (٢/ ١٦٥)، وأحمد (٥/ ٤١٣)، وجوَّده الألباني رحمه الله في إرواء الغليل تحت الحديث رقم: (١٢٠٢).
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطُب في حجة الوداع، فقال:((اتَّقوا الله ربكم، وصلُّوا خمسكم، وصُوموا شهركم، وأدُّوا زكاة أموالكم وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنة ربِّكم))؛ أخرجه الترمذي رقم: (٦١٦)، وأحمد (٥/ ٢٥١)، وصححه الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة رقم: (٨٦٧).
الصيام سبب لنيل غرف الجنة:
عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن في الجنة غرفة يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيامَ، وصلَّى والناس نيامٌ))؛ أخرجه أحمد رقم: (٢٢٩٠٥)، وصححه الألباني.
الصيام لصاحبه دعاء لا يرد:
عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا: ((ثلاث دعوت لا ترد: دعوة الوالد ودعوة الصائم ودعوة المسافر))؛ رواه البيهقي وغيره وهو في السلسلة الصحيحة رقم: (١٧٩٧).
عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد - هو شك، يعني الأعمش - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله عتقاءَ في كل يوم وليلة، لكل عبد منهم دعوة مستجابة"؛ أخرجه أحمد (١٢/ ٤٢٠).
الصيام خلوف فم صاحبه أطيب من ريح المسك في الدنيا والآخرة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك))؛ أخرجه البخاري رقم: (١٨٩٤)، ومسلم رقم: (١١٥١).
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في الوابل الصيب (ص:٣٠) في سياق بيان اختلاف العلماء رحمهم الله في وجود هذه الرائحة من الصائم، هل هي في الدنيا أو في الآخرة؟! وأنهم على قولين قال رحمه الله: "وفصل النزاع في المسألة أن يقال: حيث أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن ذلك الطيب يكون يوم القيامة، فلأنه الوقت الذي يظهر فيه ثواب الأعمال وموجباتها من الخير والشر، فيظهر للخلق طيب ذلك الخلوف على المسك، كما يظهر فيه رائحة دم المكلوم في سبيله كرائحة المسك، وكما تظهر فيه السرائر وتبدو على الوجوه وتصير علانية، ويظهر فيه قبح رائحة الكفار وسواد وجوههم، وحيث أخبر بأن ذلك حين يخلف وحين يمسون، فلأنه وقت ظهور أثر العبادة، ويكون حينئذ طيبها على ريح المسك عند الله تعالى وعند ملائكته، وإن كانت تلك الرائحة كريهة للعباد، فربَّ مكروه عند الناس محبوب عند الله تعالى، وبالعكس، فإن الناس يكرهونه لمنافرته طباعهم، والله تعالى يستطيبه ويحبه لموافقته أمره ورضاه ومحبته، فيكون عنده أطيب من ريح المسك عندنا، فإذا كان يوم القيامة ظهر هذا الطيب للعباد وصار علانية، وهكذا سائر آثار الأعمال من الخير والشر، وإنما يكمل ظهورها ويصير علانية في الآخرة، وقد يقوى العمل ويتزايد؛ حتى يستلزم ظهور بعض أثره على العبد في الدنيا في الخير والشر كما هو مشاهد بالبصر والبصيرة".
الصيام غنيمة:
عن عامر بن مسعود مرفوعًا: ((الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة))؛ رواه أحمد (٤/ ٣٣٥)، وهو في السلسلة الصحيحة رقم: (١٩٢٢).
الصيام كفارة وزيادة ثواب على الكفارة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((قال الله عز وجل: كل العمل كفارة، إلا الصوم، والصوم لي، وأنا أجزي به))؛ أخرجه أحمد (١٦/ ٧٥).
الصيام سبب للنجاة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رقى المنبر، فقال: ((آمين، آمين، آمين، قيل له: يا رسول الله، ما كنت تصنع هذا؟ فقال: قال لي جبريل: رغم أنف عبد أدرك أبويه أو أحدهما لم يدخله الجنة، قلت: آمين، ثم قال: رغم أنف عبد دخل عليه رمضان لم يغفر له، فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف امرئ ذكرت عنده، فلم يصلِّ عليك، فقلت: آمين))؛ أخرجه البخاري في الأدب المفرد رقم: (٦٤٦)، وصححه الألباني.
الصيام وِجاءٌ:
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوَّج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء))؛ أخرجه البخاري رقم: (٥٠٦٥)، ومسلم رقم: (١٤٠٠).
الصيام تأديب وتهذيب:
عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قال الله عز وجل: ((...
وإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم))؛ أخرجه البخاري رقم: (١٩٠٤)، ومسلم رقم: (١١٥١).
وفي صحيح مسلم (١١٥١): ((إذا أصبح أحدكم يومًا صائمًا، فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ شاتمه أو قاتله، فليقل: إني صائم، إني صائم)).
الصيام يُذهب رجس الشيطان:
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر، صوم الدهر، ويذهب مغلة الصدر، قال: قلت: وما مغلة الصدر؟ قال: رجس الشيطان))؛ أخرجه أحمد، وصحَّحه محققه بشواهده.
الصيام يذهب وحر الصدر:
عن يزيد بن عبدالله بن الشخير عن الأعرابي، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((صوم شهر الصبر، وثلاثة أيام من كل شهر، يُذهبنَ وحرَ الصدر))؛ أخرجه أحمد رقم: (٢٣٠٧٠)، وصحَّحه الألباني.