حديث: ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة
مدة
قراءة المادة :
12 دقائق
.
حديث: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقةٌعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - : «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقةٌ وَلَيْسَ فِيما دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ.
وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقةٌ» ولمسلم في رواية: «لَيْسَ فِيما دُونَ خَمْسَةِ أَوْسَاقٍ مِنْ تَمْرٍ وَلَا حَبٍّ صَدَقَةٌ»، وفي رواية: «حَبٍّ وَلَا ثَمَرٍ»، وورد نحو هذا الحديث عند مسلم من حديث جابر.
شرح ألفاظ الحديث:
((أَوْسُقٍ)): جمع وَسْـق - بفتح الواو وإسكان السين - ويجوز كسر الواو وإذا كسرت الواو فإن الجمع (أوساق) كما في الرواية الثانية مثل: حِـمـْل و أحمال.
(والوسق): هو الحِمل، وقدره ستون صاعًا بصاع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهذا بالاتفاق ونقل هذا الاتفاق علماء اللغة والشرع؛ [ انظر: فتح الباري (392)].
وبعد الاتفاق على أن الوسق ستون صاعًا اختلف في تقديرها بالكيلو لاختلافهم في مقدار صاع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وفي فتاوى شيخنا ابن عثيمين - رحمه الله - (18 / 85) أن مقدار الصاع كيلوان وأربعون جرامًا.
وعلى هذا يكون 5 أوسق × 60 صاعًا = 300 صاع، و 300 صاع × 04, 2 كيلو = 612 كيلو جرام، فهذا هو النصاب، والمعتبر في هذا الوزن البر الجيد، فمن كان عنده (612) كيلو من القمح أو التمر، فقد بلغ النصاب فيخرج الزكاة، وسيأتي في الباب القادم مقدار الْمُخرج من الزكاة في الحبوب والثمار.
((صَدَقةٌ)): أي زكاة، والصدقة إذا أطلقت في القرآن الكريم والسنة، فالمراد بها صدقة الفرض، وسُميت بذلك؛ لأنها علامة على صدق إيمان صاحبها؛ لأن المال محبوب للنفس، وتقدَّم في كتاب الطهارة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -((والصدقة برهان)).
(ذَوْدٍ): بفتح الذال وإسكان الدال، والذود اسم لا واحد له من لفظه مثل قوم ورهط ونفر ونساء ونحو هذه الألفاظ كلها جمع لا واحد لها من لفظها، والذود من الواحد إلى العشرة من الإبل، على خلاف بين أهل العلم في تحديده، والذود من ذاد يذود؛ أي: يدافع، فكأن من عنده ذود رفع عن نفسه الفقر وشدة الحاجة؛ [انظر: "المفهم " للقرطبي 3 / 8 ].
والمقصود في حديث الباب أنه ليس فيما دون خمس من الإبل زكاة، فإن قيل يحتمل أن يكون المقصود أكثر من خمس من الإبل؛ لأن الذود يحتمل ذلك، فلماذا لا يقال فيما دون عشر أو عشرين من الإبل زكاة؟
الجواب: لأنه جاء ما ينص على خمس من الإبل وهو حديث أنس - رضي الله عنه - عند البخاري، وفيه: ((في كل خمس شاة...
ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة)).
((أَوَاقٍ)): جاء في حديث جابر - رضي الله عنه - عند مسلم ((ليس فيما دون خمس أواق من الوَرق صدقة))، والورق هي الدراهم المضروبة من الفضة وقيل: هي الدرهم الخالص من فضة سواء كان مضروبًا أو غير مضروب، (الورق) بفتح الواو وكسر الراء، ويجوز إسكان الراء مع فتح الواو أو كسرها.
(وأواق) جمع أوقية، وهي أربعون درهمًا باتفاق العلماء؛ [انظر: الفتح 3 / 392 ].
وخمس أواق تساوي مائتي درهم بالاتفاق لما سبق والمقصود في حديث الباب أنه ليس فيما دون مائتي درهم زكاة ودلّ على ذلك أيضا ما رواه البخاري من حديث أنس - رضي الله عنه - وفيه: ((وفي الرِّقة ربع العشر، فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء...)) واختلف في مقدار مئتي درهم بالجرام واختار شيخنا ابن عثيمين - رحمه الله - أنها تساوي (595) جرام فضة، فمن كان عنده (595) جرام فضة ففيه زكاة وما دونها فلا زكاة فيه؛ [انظر:" الممتع (6 / 98)، وانظر: " مجموع فتاويه (18 / 93)].
ودلَّ حديث أنس - رضي الله عنه - على مقدار المُخرج من زكاة الفضة وهي (ربع العشر)؛ حيث قال: (وفي الرقة ربع العشر)، وهذا بإجماع العلماء، فمن كان عنده (595) جرام فضة أخرج منها ربع العشر.
من فوائد الحديث:
الفائدة الأولى: في الحديث دلالة على وجوب الزكاة في الحبوب والثمار، وفي الإبل وفي الفضة، بل نقل ابن هبيرة - رحمه الله - [في الإفصاح 1 / 195 ] الإجماع على وجوب الزكاة في بهيمة الأنعام ومنها الإبل، وفي جنس الأثمان ومنها الفضة، وفي المكيل المدَّخر من الثمار والزروع بصفات مخصوصة.
الفائدة الثانية: في الحديث دلالة على أن ملك النصاب شرط من شروط الزكاة في الأصناف الثلاثة المذكورة في حديث الباب، ونقل الإجماع على ذلك ابن هبيرة؛ [انظر:" الإفصاح 1 / 196 ].
♦ فمن ملك فضة فلا زكاة فيها حتى تبلغ النصاب، والنصاب خمس أواق؛ أي مائتا درهم، وسبق أنها ما يعادل (595) جرامًا، فيخرج (ربع العشر)، لحديث أنس- رضي الله عنه - عند البخاري والإجماع منعقد على ذلك كما سبق.
♦ ومن ملك إبلًا فلا زكاة فيها حتى تبلغ النصاب، والنصاب خمسٌ من الإبل ويخرج شاةً واحدة لحديث أنس - رضي الله عنه - عند البخاري وتقدم بيان ذلك.
♦ ومن ملك حبوبًا وثمارًا فلا زكاة فيها حتى تبلغ النصاب، والنصاب خمسة أوسق أي 300 صاع بصاع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وسبق أنها تعادل (612) كيلو، وسيأتي في الحديث القادم ما المقدار الذي يجب إخراجه من الحبوب والثمار.
وأجمع العلماء على اشتراط مضي الحول في الماشية والنقد؛ [ انظر: "الفتح"، (3 / 393) والإفصاح لابن هبيرة (1 / 196)].
وأما الحبوب والثمار فحين الحصاد؛ قال تعالى: ﴿ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ [الأنعام: 141].
♦ من كان عنده أصناف متعددة تدخل تحت جنس واحد، فإن كان كل صنف لا يبلغ النصاب ضُمت هذه الأصناف مع بعضها البعض تحت جنسها الواحد، وأخرجت زكاتها إذا بلغت النصاب فمثلًا: من كان عنده تمرًا وله أنواع كالسكري والشقراء، فإن كان النصاب لا يبلغ إلا إذا ضمت فإنها تضم، وكذلك المعز مع الشياه، وأما الأجناس فلا تضم مع بعضها البعض كالشعير، فلا يضم مع الحنطة، وكذلك الفضة لا تُضم مع الذهب لأنهما جنسين مختلفين.
الفائدة الثالثة: في الحديث دلالة على المقصود من الزكاة، وأن مبناها على المواساة بين الأغنياء والفقراء، ويتضح ذلك في اشتراط ملك النصاب، فمن ملك الأنصبة المذكورة واسى غيره، ومن قصر عنها فلا تحْتمل أن تؤخذ منه الزكاة، فهو أولى بأن يواسي نفسه.
الفائدة الرابعة: في الحديث دلالة على أن الزكاة تجب في الثمر والحب وفي الرواية الأخرى: " الثمر إذا بلغت خمسة أوسق"، واختلف أهل العلم هل تجب الزكاة في كل ما يخرج من الأرض من الحبوب والثمار:
القول الأول: أن الزكاة لا تجب إلا في أجناس أربعة، وهي الحنطة والشعير - من الحبوب - والزبيب والتمر - من الثمار - وهذا القول رواية الإمام أحمد واختاره الصنعاني؛ [في سبل السلام 4 / 43)، والشوكاني (في نيل الأوطار 8 / 93)، والألباني (في تمام المنة ص 369)].
واستدلوا: بحديث أبي موسى الأشعري ومعاذ رضي الله عنهما أن النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم - قال لهما: ((لا تأخذوا في الصدقة إلا من هذه الأصناف الأربعة: الشعير , والحنطة، والزبيب، والتمر))؛ رواه الدارقطني والبيهقي والحاكم وقال: "إسناده صحيح".
ونوقش: بأن هذه الأصناف الأربعة هي الدارجة في زمن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قوتًا للناس يأكلون منه، وليس المقصود اقتصار الزكاة على هذه الأربعة، وهذا قول جمهور العلماء.
ورأوا أن هذه الأصناف الأربعة تجمعها صفات هي المقصودة، وهي الاقتيات (أي كونه قوتًا)، أو الكيل (أي يكال)، والادخار، فالأرز مثلًا تجتمع فيه هذه الصفات، وغير مذكور في الحديث، فلا فرق بينه وبين الشعير والزبيب، بل إن حاجة الناس إليه الآن أكثر وهو عندهم أنفس، وفيه مواساة لهم ففيه الزكاة.
إذًا القول الثاني: أن الزكاة تجب في غير الأربعة المذكورة السابقة، وبهذا قال جمهور العلماء من الشافعية والمالكية والحنابلة - رحمهم الله - وزادوا على الأصناف الأربعة السابقة أصنافًا أخرى اجتمعت فيها العلل المرادة إلا أنهم اختلفوا في العلة المؤثرة:
أ- فالأحناف على وجوب الزكاة في جميع الحبوب والثمار والخضروات بلا استثناء.
ب- والمالكية والشافعية على وجوب الزكاة في الذي يقتات ويدَّخر؛ أي يصلح أن يكون قوتًا من أقوات الناس، ويصلح للادِّخار بطبيعته بلا وسيلة حافظة له.
ج- وفي رواية لأحمد - رحمه الله - أن الزكاة تجب في كل ما يكال ويدَّخر، والمكيل: هو الذي يكال بالمد أو الصاع أو الوسق.
د- وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أن العلة هي الادخار فقط، فكل ما يدَّخر تجب فيه الزكاة وما لا، فلا.
والأظهر والله أعلم: أن الذي تجب فيه الزكاة هو ما جمع علتين، وهما الكيل والادِّخار، وهو اختيار الشيخ ابن باز وشيخنا ابن عثيمين؛ [ في الممتع 6 / 69 ].
أما الكيل فيدل عليه حديث الباب: «لَيْسَ فِيما دُونَ خَمْسَةِ أَوْسَاقٍ مِنْ تَمْرٍ وَلَا حَب صَدَقَةٌ»، وظاهر الحديث يشمل جميع الحبوب ومن الحبوب ما لا يقتات، والنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في هذا الحديث جعل النصاب خمسة أوسق، والوسق معيار كيلي، فدل هذا على أن الكيل علة معتبرة.
وأما الادِّخار فلأن النعمة به أبلغ وأكثر مواساة لمستحقي الزكاة، بخلاف الأشياء التي تفسد إذا تأخرت لأن منافعها مؤقتة.
ومن الأصناف التي تكال وتدخر: الحبوب عمومًا للحديث السابق؛ كالقمح والشعير والذرة والقهوة والأرز والعدس والحبة السوداء وغيرها، ومن الثمار: التمر والزبيب والصنوبر وغيرها.
ومما لا زكاة فيه: الخضروات عمومًا والفواكه أيضًا، والبقول كالثوم والبصل والجزر والبطيخ والزيتون كذلك لا زكاة فيه.